موعد امتحانات الفصل الدراسي الثاني بالشرقية    مصر تنفذ 21 صفقة ضمن برنامج الطروحات الحكومية بقيمة 6 مليارات دولار    كيف سافر أحمد الشرع إلى فرنسا في ظل المنع من السفر؟.. التفاصيل الكاملة    وزير الخارجية الألماني الجديد: على كل من في موسكو أن يعمل حسابا لنا    تشكيل أرسنال الرسمي أمام باريس سان جيرمان في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    غموض موقف مدافع مانشستر يونايتد من لقاء بلباو    مهرجان أسوان لأفلام المرأة يسدل الستار عن دورته التاسعة بإعلان الجوائز    الشباب يرفعون شعار:«ابعد عن المأذون ومنديله»    الفوضى تسبب لهم التوتر| 4 أبراج فلكية لديها شغف بالنظافة والترتيب    نائب وزير الصحة يترأس اجتماع الأمانة الفنية للمجموعة الوزارية للتنمية البشرية    محافظ أسوان: بدأ تشغيل «التأمين الصحي الشامل» من أول يوليو القادم    تجديد حبس موظف متهم ب«تهكير» حسابات بعض الأشخاص وتهديدهم في الفيوم 15 يوما    رئيس جامعة مطروح يشيد بالمعرض التطبيقي لطالبات كلية التربية للطفولة المبكرة    هزيمة النازية ... وجريمة إسرائيل!!    محمد شردى يجرى جولة بكاميرا "الحياة اليوم" مع عمال النظافة بالقاهرة    انطلاق ملتقى "الثقافة والهوية الوطنية" في العريش    البابا تواضروس: نحن مواطنون مصريون نعيش مع إخوتنا المسلمين فى وطن واحد    حمدي فتحي ينهي موسمه مع الوكرة بالخروج من كأس أمير قطر    الإسماعيلية تتابع الموقف التنفيذي لمنظومة تقنين واسترداد أراضي الدولة    أوس أوس يطلب الدعاء لوالدته بعد دخولها رعاية القلب    آخرهم رنا رئيس.. 6 زيجات في الوسط الفني خلال 4 أشهر من 2025    خالد الجندى: الاحتمال وعدم الجزم من أداب القرآن ونحتاجه فى زمننا    بسبب السحر.. شاب يحاول قتل شقيقته بالقليوبية    الآلاف يشيعون جثمان الطفل "أدهم" ضحية أصدقائه في كفر الشيخ - فيديو وصور    عضو ب"القومى للمرأة": حظر تشغيل كل من كان عمره أقل من 15 سنة فى المنازل    بيدري مهدد بالعقوبة من يويفا بسبب تصريحاته ضد حكم قمة الإنتر وبرشلونة    تحت تأثير المخدر.. المشدد 5 سنوات لمتهم قتل وأصاب 3 أشخاص في القليوبية    عمر طلعت مصطفى: ننسق مع وزارة الشباب والرياضة للاستفادة من الفعاليات الكبيرة للترويج لسياحة الجولف    ما حكم طهارة وصلاة العامل في محطات البنزين؟.. دار الإفتاء تجيب    جوندوجان يأمل في بداية مسيرته التدريبية كمساعد لجوارديولا    مبيعات أجنبية تهبط بمؤشرات البورصة بختام جلسة اليوم.. فما الأسباب؟    جامعة كفر الشيخ تشارك في منتدى «اسمع واتكلم» بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف    محافظ المنيا يوافق على تحسين خدمات النقل وفتح التقديم لترخيص 50 تاكسي    رئيس جامعة القاهرة: هناك ضرورة لصياغة رؤية جديدة لمستقبل مهنة الصيدلي    عدوان الاحتلال الإسرائيلي على طولكرم ومخيميها يدخل يومه 101    محافظ قنا يشارك في احتفالية مستقبل وطن بعيد العمال ويشيد بدورهم في مسيرة التنمية    رئيس "أزهرية الإسماعيلية" يشهد امتحانات النقل الإعدادى والابتدائى    أوبرا الإسكندرية تقيم حفل ختام العام الدراسي لطلبة ستوديو الباليه آنا بافلوفا    أحمد حاتم عن دوره في "الملحد": "عامله لوجه الله.. والدور مش عن الإلحاد بشكل عام"    وزير البترول: التوسع الخارجي لشركة "صان مصر"على رأس الأولويات خلال الفترة المقبلة    ب12 هاتفًا.. عصابة تخترق حساب سيدة من ذوي الاحتياجات وتنهب أموالها    هل يجوز أن أصلي الفريضة خلف شخص يصلي السنة؟.. المفتي السابق يوضح    تعرف على وضع صلاح بين منافسيه في الدوري الإنجليزي بعد 35 جولة    قرار هام من الحكومة بشأن الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا    إطلاق صندوق لتحسين الخدمة في الصحة النفسية وعلاج الإدمان    حزنا على زواج عمتها.. طالبة تنهي حياتها شنقا في قنا    وائل غنيم في رسالة مطولة على فيسبوك: دخلت في عزلة لإصلاح نفسي وتوقفت عن تعاطي المخدرات    وزارة الأوقاف تعلن أسماء المقبولين لدخول التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    المراجعات النهائية للشهادة الإعدادية بشمال سيناء    سحب 49 عينة سولار وبنزين من محطات الوقود بالإسكندرية لتحليلها    عاجل- الحكومة: توريد 1.4 مليون طن قمح حتى الآن.. وصرف 3 مليارات بمحصول القطن    آخر تطورات مفاوضات الأهلي مع ربيعة حول التجديد    الداخلية: ضبط 507 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في اليمن مع الولايات المتحدة    بتكلفه 85 مليون جنيه.. افتتاح مبنى امتداد مركز الأورام الجديد للعلاج الإشعاعي بقنا    عضو مجلس الزمالك: كل الاحتمالات واردة في ملف زيزو    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    عاجل- مصر وقطر تؤكدان استمرار جهود الوساطة في غزة لوقف المأساة الإنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غزوة «السيدة نفيسة».. هجمة جديدة علي الإبداع
نشر في القاهرة يوم 13 - 03 - 2012


ما زالت غزوات تيار التأسلم السياسي مستمرة، ويبدو أنها لن تتوقف حتي تحقيق أهداف تغيير طبيعة مصر الليبرالية المتنوعة، وإقامة دولة ملالي متأسلمة علي غرار إيران وأفغانستان، وفرض ثقافة الخوف والجهل والغيبيات علي المصريين.. ومن المفهوم تماما أن تتركز هذه الغزوات علي الفن والإبداع، وحرية الرأي والتعبير بشكل عام، فهي الوحيدة القادرة علي تنوير الناس، وتبصيرهم بالحقائق، وإفاقتهم من غيبوبة الدجل والشعوذة والدروشة. هكذا شهدنا في الفترة الأخيرة العديد من العلامات والبوادر التي تنذر بإقامة محاكم تفتيش في مصر لكل من يخرج عن خط التأسلم المرسوم سلفا بعناية من قبل تنظيمات داخلية تدعمها قوي خارجية، مثل "غزوة القضية" التي أسفرت عن الحكم الذي قضت به إحدي محاكم القاهرة في الثاني من فبراير الماضي بحبس الفنان عادل إمام ثلاثة أشهر وتغريمه ألف جنيه بعد أن أدانته ب "الإساءة إلي الإسلام" في أكثر من عمل سينمائي ومسرحي، ومثل "غزوة المسلسل" التي شنها المتأسلمون بعد هذا التاريخ بستة أيام فقط، حين أقدمت إدارة كلية الهندسة بجامعة عين شمس علي طرد فريق عمل مسلسل "ذات" من الجامعة بسبب اعتراض طلاب متشددين علي "الملابس القصيرة" للممثلات! أما أحدث الغزوات، فيمكن تسميتها "غزوة السيدة نفيسة"، حيث منعت وزارة الأوقاف تصوير بعض مشاهد فيلم "فرش وغطا" بجامع السيدة نفيسة، بل أعلن أحد موظفيها منع التصوير في المساجد بشكل عام، رغم أن صناع الفيلم استخرجوا كل التصاريح اللازمة، كما يوضح مخرجه أحمد عبد الله - في شهادة نشرها علي موقعه الإلكتروني - قائلا: "كعادة أي فيلم سينمائي، توجب علينا الحصول علي موافقة الرقابة علي المصنفات الفنية وإجازتها لنص السيناريو المزمع تصويره تحت عنوان مؤقت (فرش وغطا)، وبناء عليه توجهنا بالسيناريو النهائي للهيئة العامة للرقابة علي المصنفات الفنية وتمت إجازة النص من قبلهم بتاريخ 23 يناير 2012، ومن ثم فقد تم الحصول علي موافقة وزارة الداخلية - التي اطلعت علي النص أيضا - ليتسني لنا التصوير في شوارع القاهرة.. وهكذا فقد استوفي السيناريو كل ما يلزم من تصريحات من كل الجهات المعنية التي وافقت علي تصوير الفيلم ومحتواه بما فيها نقابتا المهن السينمائية والتمثيلية". تحفظ كامل واتفق مع عبد الله تماما في تحفظه الكامل علي سلطة الرقابة بشكلها الحالي، وعلي لزوم موافقة الداخلية علي تصوير كل فيلم، ومطالبته بأن ينتهي دور الرقابة المسبقة علي النصوص والأفكار، وأن يصبح دور الرقابة محصورا في الموافقة علي العروض العامة.. ورغم ذلك التحفظ، فقد آثر المخرج وباقي صناع الفيلم اتخاذ المسلك التقليدي المعتاد حتي يأتي وقت اتخاذ موقف جماعي في اتجاه تغيير شكل منظومة الرقابة وسلطة الداخلية، وحصلوا علي التصاريح كاملة بلا نقصان للشروع في التصوير. الفيلم يؤرخ لثلاثة أيام من حياة سجين يهرب من محبسه، ويتحرك البطل (الذي يؤدي دوره الممثل آسر ياسين) خلال هذه الفترة بين عدد من المواقع في القاهرة، ويحدث في القصة أن يبيت ليلته الأولي في أحد المساجد ذات الأضرحة، وبالتالي كان من اللازم أخذ موافقة وزارة الأوقاف، وهي موافقة روتينية اعتادت الوزارة منحها للأفلام التي يتم تصوير أجزاء منها بداخل مساجد، ويتم ذلك بتقديم سيناريو الفيلم المجاز من الرقابة وموافقة الداخلية ويتم دفع رسم معين وفقا لكل مسجد. لكن صناع الفيلم فوجئوا بأن مدير مكتب وزير الأوقاف يرفض إنهاء الأوراق، ويؤكد أن التصوير في المساجد "مخالف للشريعة الإسلامية"، وحين سألوه إن كان هناك ما يراه مخالفا للشرع في السيناريو عامة أو المشاهد المصورة في المسجد تحديدا، أجاب بأنه قرار نهائي يسري علي أي فيلم سينمائي، وأن المساجد ليست مكانا للتصوير في العموم.. وحاولوا مناقشته بأن المساجد هي بيوت الله، وأنهم لا ينوون ولا يوجد في النص ما يخالف الشريعة أو يسيء لقدسية مكان العبادة، وأن التصوير سيتم أثناء الليل بين صلاتي العشاء والفجر، وبالتالي فلن يكون هناك أي تعطيل للشعائر، كما أن المساجد ذات الأضرحة هي جزء من تراث شعبي يكاد يتجاوز الدين، ولا يحق لأحد منع الفنون من صياغة أعمال تتعرض لذلك. لكن الموظف أصر علي الرفض بشكل قاطع، وعندها قرر أصحاب الفيلم الرحيل مطالبين بإعطائهم رفضا رسميا من قبل الوزارة يوضح كل الأسباب التي قالها الموظف، فطلب منهم العودة في اليوم التالي لاستلام الرفض. شاهد علي الواقعة سمع صناع الفيلم الكلام وعادوا في اليوم التالي، ليفاجأوا بوجود نائب برلماني تم تعريفه لهم علي أنه من نواب حزب "الحرية والعدالة".. وأفاد مدير مكتب الوزير في حضور مدير أمن الوزارة بأن الوزير أكد رفضه مبدأ التصوير بشكل عام، وكان نائب الإخوان حاضرا وكأنه موجود ليتم إشهاده علي الواقعة وموقف الوزارة، أو كأن له صفة رسمية مجهولة.. وأكد "قادة الغزوة" أن التصوير في دور العبادة مرفوض أيا كان محتواه، وقالوا إن الأفلام ليس مكانها المساجد. وحين أشار المبدعون إلي أن كثيرا من الأفلام عبر تاريخ السينما صورت في المساجد منذ "قنديل أم هاشم" مرورا ب "أرض الخوف" وحتي "واحد من الناس"، كان الرد حاضرا: "ده كان قبل الثورة.. دلوقتي خلاص".. وقالوا إن الوزير رفض إعطاء أي رفض رسمي ولن يوقع أي ورقة في هذا الشأن. وأصدرت جبهة الإبداع المصري بيانا قالت فيه إنها تلقت بانزعاج بالغ ودهشة قرار منع التصوير، وإن هذا الموقف يثير أسئلة عديدة حول موقف وزارة الأوقاف من فن السينما ومن الفنون عامة.. ولفت البيان إلي أن الفن كان دائماً حليفاً للأديان علي مر التاريخ وشاهداً علي عظمتها، واستشهد بمعالم الحضارة الإسلامية في الأندلس التي ذهبت بعد انهيار دولة الخلافة هناك، في حين بقيت النقوش والكتابات الإسلامية علي جدران الحمرا وغرناطة شاهدة علي ذلك العصر.. وأضاف أنه علي مر التاريخ الحديث، تهافت العديد من المخرجين التسجيليين والروائيين علي التصوير في مساجدنا الأثرية مؤرخين قيمتها الدينية والتاريخية في أعمال أدخلت تلك المساجد بيوت المصريين والعالم أجمع من خلال الوسيط البصري، مشيرا إلي أن الأزهر أصدر - منذ شهور قليلة - وثيقة تاريخية في دفاعها عن حرية الفنون وحرية الإبداع، وأن أحدا لا يمكن أن يزايد علي الأزهر في تشريعه. كما أصدر أعضاء لجنة السينما بالمجلس الأعلي للثقافة بيانا أعربوا فيه عن استنكارهم وقلقهم الشديد تجاه الإجراءات التعسفية ضد التصوير السينمائي في مصر، وقالوا إن المساجد الشامخة التي تعد من عيون الفن الإسلامي، ستُمنع من التصوير علي أيدي كهنة جدد متطوعين وخارج نطاق مؤسسة الأزهر التي تعد المرجعية الدينية الوحيدة في هذا الشأن، في نوع من المزايدة الرخيصة المتملقة في غير موضعها لتيار التأسلم السياسي في مصر. موقف مشرف للأزهر والدليل علي صحة موقف المبدعين في هذه القضية، حتي من الناحية الدينية، أن بعض علماء الأزهر الأجلاء انتصروا لحرية التعبير، وخالفوا "قادة الغزوة" من مسئولي وزارة الأوقاف في الرأي، حيث قال الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن تصوير المسلسلات والأفلام داخل المساجد حلال شرعا وجائز طالما أنها ليست مخلة أو مخالفة لتعاليم الإسلام والآداب العامة.. وأكد - في مداخلة تليفزيونية هاتفية - أن وزارة الأوقاف ارتكبت خطأ برفضها تصوير فيلم "فرش وغطا" داخل مسجد السيدة نفيسة انطلاقا من أن حرية الإبداع مكفولة وحث عليها الإسلام. ومن ناحيته، قال الدكتور محمد مهنا، مستشار شيخ الأزهر - في مداخلة أخري - إن حرية الإبداع حث عليها الإسلام ولا يجوز الاعتداء عليها، وإن منع تصوير الفيلم يعد اعتداء علي حرية الإبداع، مشيرا إلي ان الإبداع ليس حراما وبالتالي فالتصوير داخل المساجد جائز شرعا طالما أن العمل متفق مع تعاليم الإسلام وآدابه العامة. هناك ضوء إذن في نهاية النفق المظلم، لكن الأجواء العامة ضبابية وكئيبة ومحبطة، ومن السهل أن يلعب في ظلها المتأسلمون علي وتر الدين لاستقطاب الناس وتحقيق أغراضهم السياسية والاقتصادية الضيقة تحت شعارات مرسلة ودعاوي مضللة، ولابد من تكاتف جميع القوي المدنية والوطنية الحرة للوقوف في وجه هذه الهجمة الرجعية الشرسة، لأن وطنا بلا حرية تعبير هو أمة بلا ضمير، وقوما بلا إبداع هم شعب بلا ذاكرة ولا وجدان.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.