أبرز نشاط السيسي الأسبوعي.. قرارات جمهورية مهمة وتكليفات قوية للحكومة    محافظ الفيوم يبحث آليات إنشاء مجمع متكامل لإنتاج مستلزمات الري الحديث    محافظ مطروح: العلمين الجديدة تحولت لمقصد سياحي متميز على ساحل البحر المتوسط    مدير تعليم الفيوم يتابع امتحانات الثانوية العامة من غرفة العمليات الرئيسية    «مستقبل وطن»: ندعم خطط الدولة ونولى ملف الاستثمار أولوية كبيرة    محافظ دمياط يعتمد تنسيق المرحلة الأولى من الثانوية العامة بدمياط| التفاصيل    بلومبرج: البلاتين يسجل أعلى مستوى له منذ 2014 وسط مخاوف الإمدادات وموجة شراء مضاربى    وزارة التموين فى ذكرى 30 يونيو: استراتيجية استباقية لتعزيز الأمن الغذائى واحتياطى مستدام من السلع    رسميًا.. موعد صرف المعاشات بالزيادة الجديدة 2025 بعد قرار السيسي    مجلس الوزراء: تراجع واردات السكر الخام 54.5% خلال الربع الأول من 2025    ويتكوف: دول "لن تخطر على بال أحد" ستنضم إلى اتفاقيات إبراهام قريبًا    مستوطنون إسرائيليون يقتحمون باحات المسجد الأقصى وسط حماية شرطة الاحتلال    تضارب بين البنتاجون و"CIA" بشأن نتائج استهداف ترامب نووى إيران    الناطق باسم الأمن الفلسطيني: جرائم الاحتلال لن تثنينا عن أداء دورنا الوطني    الخطوط الجوية القطرية تنهي إجراءات سفر 20 ألف شخص عالق    كوفاتش: التأهل في هذه الأجواء كان جيدا    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع.. موقف مرموش.. ورباعي هجومي أمام يوفنتوس    بعد رحيله عن الزمالك.. حمزة المثلوثي يحسم وجهته المقبلة    ألونسو ردًا على لابورتا: نشعر في ريال مدريد بالحرية والديمقراطية    بنتايج خارج القائمة الأولى للزمالك بسبب العقود الجديدة    رودري: ما زلت على بُعد أشهر من استعادة مستواي المعهود    السيسي يهنئ الشعب المصري والأمتين الإسلامية والعربية بالعام الهجري الجديد    إصابة 3 أشخاص إثر حادث انقلاب سيارة فى أطفيح    طقس اليوم.. الأرصاد: أجواء صيفية مستقرة.. والعظمى المحسوسة على القاهرة 38 درجة    كلب ضال يعقر 11 شخصًا ويثير الذعر بقرية إبيار في الغربية    ضبط لصوص سرقوا مجوهرات ودولارات من شقة بمصر الجديدة    إصابة طالبة بحالة تشنجات أثناء امتحان الثانوية العامة بقنا    قلوب على الأبواب.. أمهات ينتظرن نبض النجاح أمام لجان الثانوية العامة ببني سويف    بعد تجميع الدرجات ورصد الأوائل.. موعد ظهور نتيجة الدبلومات الفنية 2025 فور اعتمادها رسمياً    محمد رمضان يكشف قيمة أحدث عروضه للمشاركة في رمضان 2026    نور عمرو دياب لوالدها بعد جدل العرض الخاص ل"فى عز الضهر": بحبك    الجوزاء يفتعل الجدل للتسلية.. 4 أبراج تُحب إثارة المشاكل    عودة الصنادل.. القبقاب والشبشب يتصدران موضة صيف 2025    وفاة والدة المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة وتشييع الجنازة في كفر الشيخ    لبلبة عن صورتها المتداولة مع عادل إمام: ليست حقيقية وملعوب فيها    تهنئة السنة الهجرية 1447.. أجمل العبارات للأهل والأصدقاء والزملاء (ارسلها الآن)    الصحة: تقديم أكثر من 200 ألف خدمة طبية وعلاجية بمستشفيات الأمراض الصدرية خلال مايو الماضي    رئيس قسم التخدير بجامعة عين شمس: التخدير الموضعى الأكثر أمانًا بيئيًا    ماذا قال مينا مسعود بعد زيارته لمستشفى 57357؟    ماذا يحدث لجسمك عند تناول «فنجان قهوة» على الريق؟    خبير ألماني في النزاعات المسلحة: الناتو في مرحلة غير مستقرة للغاية    26 يونيو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    مصير وسام أبوعلي في الأهلي.. موقف اللاعب و4 بدلاء ينتظرون    مواعيد مباريات دور ال16 فى كأس العالم للأندية.. الإنتر يواجه فلومينينسى    رسميًا.. اليوم إجازة رأس السنة الهجرية 2025 للموظفين بالحكومة والقطاع الخاص    عشائر غزة تؤمن مساعدات وصلت لبرنامج الأغذية العالمي خشية نهبها    بينها تخفيف التوتر وتحسين المزاج.. فوائد كثيرة لشرب الماء الساخن بالصيف    تشريع جديد يُنصف العامل.. كيف يؤمن القانون الجديد حقوق العمال؟    محافظ المنيا يشهد احتفال الأوقاف بالعام الهجري الجديد - صور    بمناسبة العام الهجري الجديد.. دروس وعبر من الهجرة النبوية    إليسا تهنئ نادر عبدالله بعد تكريمه من «ساسيم»: «مبروك من نص قلبي»    وزير الرياضة يهنئ أبطال السلاح بعد التتويج ب 6 ميداليات أفريقية    حضور جماهيرى كبير.. ويل سميث لأول مرة فى مهرجان موازين بالمغرب (صور)    «الشؤون العربية والخارجية» بنقابة الصحفيين تعقد أول اجتماعاتها وتضع خطة عمل للفترة المقبلة    صوت بلغاريا مع أنطاكية.. البطريرك دانيال يندد بالعنف ويدعو إلى حماية المسيحيين    مع إشراقات العام الهجري الجديد.. تعرف على أجمل الأدعية وأفضلها    دار الإفتاء تعلن اليوم الخميس هو أول أيام شهر المحرّم وبداية العام الهجري الجديد 1447    مع حلول العام الهجري الجديد 1447ه.. متى يبدأ رمضان 2026 فلكيًا؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المومياء»..يتيم بين أفضل مائة فيلم عالمي
نشر في القاهرة يوم 13 - 12 - 2011

«يقول شادي: بدأت أرسم منذ طفولتي، رغم أنه ليس هناك فنان واحد في عائلتي. والحق أن أحداً لم يشجعني علي مزاولة هوايتي أو يمنعني عنها. ومن يطلع علي كتبي المدرسية آنئذ يري عجبا. فكل الأماكن الخالية من الصفحات كنت أزينها برسوم غريبة. جينات الفن وما أغفله شادي في كلماته السابقة هو علاقته الوثيقة بالمنيا بلد أسرته وتكرار زياراته، بشكل مكثف، لها وللصعيد وآثار قدماء المصريين، مما يجعل "جينات الفن" معجونة من الأصل في تكوينته الوراثية، بحيث لا يتطلب الأمر إلا أهون حث، حتي تتجلي "الموروثات". كان والد شادي يعمل بالمحاماة، وألحقه حين وصل سن المدرسة، بمدرسة أغنياء الإسكندرية "كلية فيكتوريا". وحاول شادي مبكرا أن يقرأ ولكن مكتبة والده كانت قاصرة علي كتب التاريخ والقانون الصعبة. وحين بلغ الثالثة عشرة لم يكن هناك مفر من القراءة، إذ رقد عامين كاملين في الفراش، لأن طول قامته المتزايد راح يعرض قلبه للخطر. يقول شادي: "بعد هذين العامين صارت حركتي أبطأ، وأصبحت انعزالياً إلي حد ما، عاطفياً جداً، وبليداً جداً في الدراسة". تخرج شادي في "كلية فيكتوريا"عام 1948، وهو يخطو في التاسعة عشرة، فسافر إلي باريس ولندن وروما لأول مرة. يقول: "كنت أريد أن أدرس المسرح ولكني لم أتمكن من ذلك، فعدت للالتحاق بكلية الفنون الجميلة في القاهرة". وعلي العكس من فترة الدراسة في "كلية فيكتوريا"، حيث كان لا يقرأ ولا يهتم بالمعرفة، راح يقرأ بنهم حتي تخرج عام 1955 . وأتاحت الدراسة بقسم العمارة في كلية الفنون لشادي أن يكون تلميذا للمعماري الكبير حسن فتحي، فعرف الفنون الإسلامية من خلاله علي نحو جيد. عام 1956 جند شادي في الجيش. وكان هذا أول لقاء جاد يتعرف من خلاله وبالممارسة، وليس بمجرد القراءة، علي الناس بجميع فئاتهم وثقافاتهم الحقيقية. وحسب تعبيره: "أنت تتجمع مع زملائك في التجنيد بكل نوعياتهم في مكان واحد، وترتدون جميعاً "عفريتة" واحدة، وسواء أردت أو لم ترد فلابد أن تتفاهم مع الجميع وتعرفهم، وبعد قليل تجد نفسك قد تعودت عليهم وأصبحت واحداً منهم. وفي هذه التجربة المهمة جداً تعودت علي النظام وعلي ممارسة العمل الجسماني الشاق، وأخذت إجازة إجبارية من القراءة والكتابة والرسم، ليتجه عقلي اتجاهاً آخر تماماً. لقد أعطاني عام الجيش الفرصة لكي أفكر طويلا فيما يمكن أن أصنعه بعد ذلك. صلاح أبوسيف المهم أن شادي خرج من الجيش ليقدم علي خطوة عجيبة. طرق باب بيت المخرج الكبير صلاح أبو سيف دون سابق معرفة. قال له إنه جاره، يسكن نفس الشارع في الزمالك. ولما رحب صلاح به، عرفه بنفسه كمعماري تخرج بتقدير امتياز من كلية الفنون الجميلة، وأعرب عن رغبته العمل في السينما. قال له صلاح لا داعي للثرثرة حول هذا الموضوع، تجنبا للعراقيل، واصطحبه إلي الاستوديو كمساعد شخصي له، وظيفته أن يتفرج أثناء إخراج فيلم "الفتوة" (57/58)، وكل ما كان عليه، غير الفرجة، هو أن يدون الوقت الذي كانت تستغرقه كل لقطة! ثم استعان أبو سيف به كمساعد مخرج في أفلام "الوسادة الخالية" و"الطريق المسدود" و"أنا حرة". وعمل شادي بعد ذلك مساعدا مع حلمي حليم في "حكاية حب". أثناء الفيلم تغيب مهندس الديكور، كان شادي قد عمل مساعدا للمهندس رمسيس واصف عام 1957، فتشجع وقام بعمل ديكور أغنية عبد الحليم حافظ "حبك نار" ، ثم أكمل ديكور "حكاية حب" كله. مع توجهات شادي المعمارية والتشكيلية جاء الديكور طازجا، في صورة لم تعتدها سينما تلك الأيام. لفت الأنظار، مما دفع المنتجين للتعاقد معه علي تصميم وتنفيذ ديكورات مجموعة من الأفلام. لأن الممثل هو الواجهة النهائية التي تطالع الجمهور، ولأنه هو الذي "يقش" كل الشهرة في النهاية، يوجد ميل لا يقاوم لدي معظم ممارسي المهن الفنية للتحول إلي التمثيل. حاول المخرج حلمي حليم إغراء شادي بأن يكون واحدا من أبطال "غراميات امرأة" أمام سعاد حسني. لكن نداهة أخري كانت تشد شادي. كان قد تتلمذ علي يد ولي الدين سامح، أشهر من صمم الديكور السينمائي في بدايات السينما المصرية، عندما أوكلت آسيا لسامح تصميم ديكورات وملابس فيلم "الناصر صلاح الدين"، فاختار الأستاذ أن يساعده شادي عبد السلام. وأيام "واإسلاماه" (1961) سافر ولي الدين سامح إلي الخارج، فانفرد شادي بعمل ديكور الفيلم. انطلاقة كليوباترا عندما بدأ داريل زانوك إنتاج فيلمه التاريخي الشهير "كليوباترا" بطولة ريتشارد بيرتون وإليزابيث تيلور، قرر أن يصور بعض أحداثه في مواقعها التاريخية، وصنع شادي مع ولي الدين سامح السفينة التي خاضت معارك الفيلم. بعد "كليوباترا" ارتفعت سمعة شادي إلي عنان السماء، فصنع ديكورات أفلام شفيقة القبطية، الخطايا، ألمظ وعبده الحامولي، رابعة العدوية، أميرة العرب، أمير الدهاء، بين القصرين، السمان والخريف. أغلبها أفلام تدور أحداثها في ديكورات تاريخية والسبب كان نجاحه في "واإسلاماه" وعمله في "كليوباترا". رغم أن "واإسلاماه" (1960) هو الفيلم الذي فتح أبواب السينما علي مصراعيها أمامه فالغريب أن مشكلته مع الديكور، بل والسينما بدأت معه! كان رمسيس نجيب قد أنفق علي الفيلم بسخاء، حتي أنه كان أكبر إنتاج مصري في حينه، لكن مخرج الفيلم أندرو مارتن كان أمريكيا. عند إخراج فيلم تاريخي لا بد من المعرفة الدقيقة للتاريخ والعادات واللهجات. الممثلون كانوا يتكلمون العربية التي لا يفهمها المخرج، ولا يستطيع أن يتذوقها، وبالتالي لم يكن بمقدوره توجيههم، وهكذا رأي شادي أن المحاولة لم تنجح، وبدأ يقيم الديكور الذي عمله منفردا في هذا الإطار. ورويدا اكتشف أنه يضيع وقته في العمل بصناعة الديكور. يرسم ويعمل حوائط ونوافذ و...، ترهقه أيما إرهاق، ثم لا تستخدم علي النحو الذي توقعه. راحت المشكلة تؤرقه. شرنقة كافليروفيتش حين عمل شادي مستشارا تاريخيا لمشاهد وملابس الفيلم البولندي "فرعون" فوجئ بطريقة الإنتاج البولندية. إن عمله في فيلم "كليوباترا" كان أشبه بالعمل في مصنع تجميع، لم يكن له علاقة بمسرح العمل الفني. أدي وظيفته المحددة من بعيد لبعيد، أما العمل في "فرعون" فكان أقرب شبها بالعمل في مدرسة. في المدرسة البولندية شجع كافليروفيتش شادي حتي علي الوقوف وراء الكاميرا، بل وتركه يخرج إحدي لقطات "فرعون"! مع أريحية كافليروفيتش راحت الملابسات تتري. تشابكت خيوط متعددة، أخذت تنسج شرنقتها حول شادي. فن العمارة أساس كل الفنون ولي الدين سامح عمل في نهاية المطاف بالإخراج. لقد عمل هو نفسه مساعد مخرج مع صلاح أبو سيف وحلمي حليم و.. حان الوقت لا ليكون قيما علي التعبير عن رأيه فقط، بل وعلي توصيله للناس أيضا. إن إيزنشتين أكبر منظر للسينما في العالم بدأ سيرته مهندسا معماريا. العمارة مرآة حقيقية لحياة الإنسان بينما هو في بولندا (1963)، غارقا لشوشته في ديكورات الفراعنة وأزيائهم وإكسسواراتهم، راح الحنين يشده إلي مصر وصعيدها. إنه لم ينقطع عن الذهاب إلي بيته في المنيا طوال حياته. رغم ولادته في الإسكندرية الكوسموبوليتانية، وربما بسبب ذلك، أحب المنيا. أحب فيها كل شيء. المنازل. الملابس. طريقة الكلام. التقاليد والعادات. الصفات الأخلاقية. بات لون أهل الصعيد هو اللون الذي يريح عينيه. إنه صعيدي قح رغم ولادته في الإسكندرية. إن الصعيد هو مصر الحقيقية. مصر الفرعونية. قصة المومياوات في ليلة شتاء بولندية باردة جداً حمله التداعي إلي التفكير في المنيا والصعيد والفراعنة وقصة المومياوات. كان قد قرأ قصة اكتشافها في الدير البحري لأول مرة عام 1956، منشورة كمحضر بوليس في عدة كتب أجنبية. فقد اكتشفت مقبرة فيها عدة مومياوات، سرقت كلها، ثم أعيدت لتعرض في المتحف المصري، بعد أن تم التعرف علي شخصياتها، بدا الأمر وكأنها عادت للخلود ثانية، فمادام الاسم قد عرف وبقي، فنحن أمام العودة للحياة والخلود. يا من تذهب سوف تعود يا من تنام سوف تصحو يا من تمضي سوف تبعث. وهو يرتعد من البرد وسط الثلوج كان يفكر أين مناخ بولندا الثلجي من مناخ مصر ودفء صعيد مصر. بدأت رحلة المومياء تحفر في وجدانه. وفي عام 1965 ظهرت البذرة الأولي للفيلم. معالجة قصصية منظومة كالشعر من 40 سطرا كتبها علي لسان الغريب. بعدها بدأ يكتب السيناريو. كان هناك إحساس قوي يدفعه للكتابة بغض النظر عن تنفيذ الفيلم أو عدم تنفيذه. في البداية جاء السيناريو واقعياً تقليدياً تحت مسمي "دفنوا مرة ثانية" ثم عدله وعدل اسمه إلي "ونيس" (بطل الفيلم). لكنه لم يكن متعجلاً. راح يجرب، ويحاول الوصول حثيثا إلي الشكل الذي يراه ملائما تماماً للتعبير عن نفسه. في عام 1966 لاحت فرصة للعمل مع روبرتو روسيلليني، مصمما لديكور وملابس فقرة عن الحضارة المصرية في مسلسل "الصراع من أجل البقاء". كان الرجل يمتاز ببساطة التفكير السينمائي مع العمق في الوقت نفسه. لهذا ترك في نفس شادي بصمة لم يتركها أحد غيره من الناحية الفكرية. كانت الرغبة في الإخراج السينمائي تداعب شادي منذ زمن طويل، تأكدت الرغبة وراحت تلح عليه. وجد نفسه غير قادر علي عمل أي شيء غير الانهماك في التفكير بعالم فيلم "ليلة حساب السنين". جاءته بعض العروض لتصميم وتنفيذ ديكورات أفلام بأجور خيالية، لكنه وجد أنه سيكذب علي الآخرين ويكذب علي نفسه لو قبل. كان شادي يتردد بشكل دائم علي أصدقائه آدم حنين وجمال كامل في مجلة "صباح الخير". نشر علاء الديب تحقيقا عن "امرأة في جنوب مصر قتلت ابنها لأنه باع أرض والده، وألقت بجثته في بئر وجلست بجوار البئر ككتلة من السواد لا تتحرك، حتي عندما رفعها رجال الشرطة جلست الجلسة نفسها أثناء التحقيقات" لفت التحقيق نظر شادي وجذبته لغته. كان قد شاهد مسرحية «لعبة النهاية» لبيكت التي ترجمها الديب، ولفتته محاولة المترجم تطويع اللغة العربية الفصحي لأي مضمون، حتي السخرية والعبث. كان قد انتهي من كتابة سيناريو"المومياء وجهد في البحث عن كاتب للحوار، ووجد ضالته في علاء الديب فاتفقا علي التعاون في الوصول إلي لغة وسيطة مفهومة للجميع، وفي الوقت نفسه أن يكون فيها جمال ملائم لجمال الصورة التي يشكلها شادي في فيلمه. انتهت كتابة سيناريو "ليلة حساب السنين" فبدأت رحلة البحث عن طريقة لتنفيذه. ولكونه يعمل مع روسيلليني في مسلسل "الحضارة" عرض السيناريو عليه (1967). الفراشة تغادر الشرنقة بادر روسيلليني ثروت عكاشة أول أن التقاه: لديكم في مصر نابغ سينمائي كبير لا تستفيدون منه، فسأله ثروت عمن يقصد، وعندما كرر له اسم شادي عبد السلام قال ثروت إنه لم يسمع بمخرج سينمائي بهذا الاسم: "أنا لا أعرفه". تعجب روسيلليني: كيف تعرفه قبل أن يعمل فيلماً؟ دعوه يعمل وحينئذ ستعرفونه جيداً. إن لديه سيناريو رائع. كيف تغفلون هذا السيناريو ولا تنفذونه في الحال؟ استدعي ثروت عكاشة شادي يستوضح الأمر، وسمع منه حكاية "ليلة حساب السنين" (المومياء)، ثم قرأ السيناريو فأعجب به وأمر بشرائه فوراً، ودخل السيناريو مشاريع مؤسسة السينما. انفتحت الشرنقة وطار شادي.. كان قد أخرج عددا من الأفلام القصيرة أهمها "شكاوي الفلاح الفصيح" الذي يعد صرخة من أجل العدالة تثبت أنها قيمة تليدة قائمة دوماً. إن البردية التي تضمنت هذه القصة عمرها أربعة آلاف سنة. لكن المسألة في الفيلم ليست مجرد تاريخ أو إحياء بردية لها قيمة خاصة، رغم ضخامة هذه القيمة في ذاتها. إنه صرخة احتماء بالعدالة. وهي صرخة قائمة ولازمة في كل العهود. يقول شادي: ما حركني هو قيمة البردية نفسها. بردية عمرها أربعة آلاف سنة ومكتوبة بمنطق يمكن القول بأنه منطق حديث. نص أدبي رائع وواضح جداً. وهي أول قصة وجدت في التاريخ. طبعاً كان هناك (حواديت) وأساطير قبلها، لكنها كانت كلها تابعة للديانات القديمة. هذه القصة لا علاقة لها بذلك. مشكلة اجتماعية لمزارع بسيط يتجه بسلعته إلي السوق فيسرقه اللصوص. يطلب أن تأخذ العدالة مجراها. لكنه يجد السلطة صامتة فيهاجمها. يصرخ ويطالبها أن تكون علي مستوي المسئولية، موضحاً مواصفات الحاكم العادل، وهكذا حتي يسترد حقه. كان "شكاوي الفلاح الفصيح" تجسيداً سينمائياً رائعاً وفريداً من نوعه.. لوحة شاعرية بانورامية لفلاح مظلوم يبث شكاواه البالغة الفصاحة مطالبا بالعدل ورفع الظلم ومحملا الحاكم في شجاعة نادرة مسئولية إقرار العدل جدّ في إبداعها مع شادي طاقم فني حاذق. وهكذا في مارس 1968 بدأ
عبدالعزيز فهمي تصوير المومياء مع سمير عوف وصلاح مرعي وأنسي أبو سيف و...، تحت قيادة شادي بالطبع. بقيت إشارة إلي قصة فيلم "ليلة حساب السنين". يتحدث "ليلة حساب السنين" أو "المومياء" عن بعثة أثرية قامت بحفريات في وادي الملوك بطيبة عام 1881، وعن السكان الذين وجدوا أنفسهم مضطرين إلي بيع بعض الآثار في السوق السوداء ليتمكنوا من العيش. ومع تقديمه لقصة تتسم أحداثها بالعلاقات المتشابكة بين سارقي القبور الأجانب والمصريين يقوم الفيلم علي تحدي وجهات النظر الأوروبية التي سعت إلي نهب الآثار المصرية مدعية أنها تنقذها من أجل المحافظة علي التقدم العلمي. والفيلم يدين الأشخاص والمعاهد التي قامت بمساندة الحفريات. إن فيلم "المومياء" يرصد من أوله إلي آخره استيقاظ ضمير "ونيس" ولفظه لممارسات قبيلته من لصوص المقابر، والتضحية بمصدر رزق أهله مقابل إنقاذ الآثار والمومياوات المهددة. ومن يقرأ بين السطور يدرك بطبيعة الحال أن الفيلم في الظاهر عن "ونيس" وعشيرته ونابشي الآثار. ولكنه في الواقع عن مصر كلها التي كان شادي يتمني لها أن تحذو حذو "ونيس"، وتتجاوز مسألة التناول التجاري للحضارة، والتعامل معها كمجرد آثار، مما يعكس حسا وطنيا وانتماء قويا لمصر بحاضرها وماضيها. يقول شادي: "إنني حاولت في الواقع أن أعبر عن قضية عامة جداً لكنها تأخذ الطابع المصري، أي البيئة والحياة والتاريخ، الذي أعرفه وأحس به أكثر من غيره". إن الاهتمام المركزي لهذا الفيلم هو استكشاف الهوية الثقافية المصرية وهي هوية مركبة تنطلق من الفرعونية وتمتد حتي واقعنا الإسلامي ولغتنا العربية. الحضارة المصرية القديمة تجربة إنسانية وفكرية عميقة تستحق أن تدرس وتستلهم لتكون مصدرا للنهضة ولتقدم حضاري عظيم. هل لنا من بعض أقوال شادي البليغة الدلالة في نهاية المطاف: - إن العمل عندي هو الحياة. - أنا بطبيعتي بطيء أو متأمل في استيعاب الأشياء، لا أبدأ بسرعة، وانفعالي يستغرق وقتاً حتي يظهر. - إنني لا أعمل السينما علي أنها شيء استهلاكي. ولكني أعملها كوثيقة تاريخية للأجيال القادمة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.