في زمن الاحتلال البريطاني للبلاد، وفي فترة تخيل البعض أن الشعب المصري قد قبل بذلك الوجود الأجنبي، وتعايش مع تبعاته علي الأرض، قال اللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر "إن مصر تذوب شوقاً للثورة "..إنه اللورد الداهية الذي روي عنه " أنه لم يوجد إنجليزي يعرف مصر والمصريين أفضل منه ". يؤكد البعض منا علي اجتهاد يتردد أن أهل بر مصر بشر قانع هادئ، كان للحضارة الزراعية علي جانبي نهرالنيل العظيم التأثير علي تشكيل قيم شديدة الخصوصية ميزت الشخصية المصرية، لعل من أهمها القدرة علي الاحتمال، والصبر علي المكاره، والحركة الاستاتيكية الهادئة في المكان، وبساطة الحلم و تواضع مساحات الطموح ..يرون في المصري المواطن الذي ىُقدس الاستقرار غير شغوف بالمغامرة والتجريب .. نعم، لقد أثرت ثقافة الغيط والنهر علي تركيبة المواطن النفسية، وأيضاً ساهمت نظم الحكم المركزية في تراجع ديناميكية حركته، وتأخير حالة نموالإبداع والتمايز والمنافسة .. لكن كيف يمكن تجاهل أن أرض النهر، هي الأرض التي عليها قامت أعظم حضارة إنسانية، وهي التي جمعت علي ربوعها الخضراء وبواديها الصفراء أتباع الرسالات السماوية بما توصي بثقافات الحب والسماحة والوسطية، أيضاً إنها أرض البطولات والفداء لصد أطماع قوافل الاستعمار بأشكاله المختلفة، حتي وصفها الشعراء بأنها كانت مقبرة الغزاة .. في عام 1919 وفي ظل رفض رجال السياسة من الوطنيين في مصر تشكيلاً وزاريا كمطلب وطني عام، قبل يوسف وهبة باشا تشكيل الوزارة، وكان قبلها وزيراً، فاعتبرته القوي الوطنية خارجاً علي الإجماع الوطني، فخطط تنظيم «اليد السوداء» لاغتيال يوسف وهبة باشا، وحين بادر جميع أفراد التنظيم بإعلان استعداده للقيام بمثل هذه المهمة الوطنية قام طالب أسمر نحيف بكلية الطب، وقال لن يقوم أحد بالمهمة غيري ولم يكن هذا سوي الطالب القبطي «عريان يوسف سعد» وكان مبعث إصراره علي القيام بهذه المهمة أنه قبطي ورئيس الوزراء يوسف وهبة باشا قبطي وأن قيامه بهذه المهمة لن يمكن سلطات الاحتلال من استخدام حادث الاغتيال كورقة لإثارة القضية الطائفية إذا تم اغتيال يوسف وهبة باشا علي يد مسلم. وفي الموعد المقرر وعلي مقهي ريش وفي شارع سليمان باشا جلس «عريان» في انتظار إشارة من زميل له بمرور موكب يوسف وهبة باشا وما إن تلقي الإشارة حتي بادر بتنفيذ المهمة التي لم ينجح فيها وجرت مواجهة في مكتب يوسف وهبة باشا مع عريان يوسف سعد الذي برر قيامه بالمهمة بأن الاغتيال كان بسبب خروج وهبة باشا علي الاجماع الوطني .. فإذا كان هذا هو حال يوسف وهبة وما قيل عن خروجه علي الإجماع الوطني، فما حالنا والشارع يغلي غضباً بعد قيام الشعب بثورة رائعة كان في طليعتها شباب عظيم تم قهره ومحاصرة إبداعاته وقدراته عبر أكثر من نصف قرن، وإذا الحال بعد كل تلك الشهور، لا استجابة لجوهر مطالبات ميادين التحرير، وهناك أخبار عن تشكيل حكومة جديدة، ويبقي سؤال الثائر هل يكون الحل في تغيير الوجوه ؟!... وتبقي الأسئلة التالية : المحافظون في مواقعهم وهم من تم اختيارهم بنفس المفاهيم المباركية فما العمل؟ ماذا عن قيادات داخلية العادلي وكيف السبيل للتغيير في ظرف زمني صعب ؟ ماذا عن حساب من ورطونا في حلول غير مدروسة وطائفية وبعضهم مازال بيننا ويتمترسون وراء رايات الدين وادعاء امتلاك الحق السماوي في التوجيه والأمر للناس والسلطات ؟! ماذا عن التعامل مع أولياء الدم بعد أن تم التعامل معهم باحتقار واستهانة ؟ ماذا عن إعادة الثقة بين ميادين التحرير والسلطات الأمنية والعسكرية والتنفيذية ؟ ماذا عن الإعلام الحكومي والتناولات السطحية والغياب عن نبض الشارع بل وتبني معلومات مزيفة في اتجاه معاكس لمصالح البلاد والعباد ؟ ماذا عن فرمان " إفساد الحياة السياسية " هل هي مجرد فرمان من فرمانات التهدئة، فضبابية آليات التطبيق وفقدان الثقة يدعم حالة من التوهان لصالح فلول الإجرام دائماً؟ عندك حق ياخواجة كرومر" مصرتذوب شوقاً للثورة ".