أصارحكم القول: كلما رأيت زبيبة الصلاة تنشر علي جباه المصريين أشعر بالقلق!! مهلاً.. لا تندهشوا ولا تنزعجوا.. ربما بعد أن أسرد التفاصيل والأسباب توافقونني علي ما أري.. لقد عشنا حقباً ولم نكن نشاهد هذه الزبيبة إلا في أفراد معدودين وقلة نادرة.. ووقتها كان ثمة شر ورذيلة وفساد، لكن في حدود معقولة وفي أماكن مخصوصة، وبيئات محددة.. لكننا منذ عقود «ربما حوالي أربعة»، شاهدنا الزبيبة تنتشر انتشاراً واسعاً، حتي كادت تكون هي القاعدة علي الحياة وتفشت في مواقع لم تكن تُري فيها علي الإطلاق، فرأيناها علي جباه القضاة والضباط وأساتذة الجامعات.. هذا حسن لا ريب.. لكن ما يقلق ان انتشارها قد تلازم مجتمعياً بفساد عظيم، تدن في الأخلاق، تسفُّل في الطباع، سلوكيات شاذة لم تكن تخطر علي بال، من زني المحارم، قتل الأبوين، ضياع الحقوق، عدم تنفيذ الأحكام ، سيطرة الأنانية والصالح الخاص وصارت السيادة للبلطجية والنقود والنفوذ.. وطغت موجات الإثم والضلال والعصيان، وتفاقم الكذب والرشوة.. والملق والنفاق.. انظر إلي الهروب بقروض البنوك.. وضياع مدخرات الكادحين في شركات توظيف الأموال.. والتحرش المتزايد.. والمتاجرة باسم الدين.. والتسيب والإهمال وعدم الانتماء.. والقسوة والشقاق والبغض الطائفي والمذهبي.. ونواب الشعب الذين اقترفوا الجرائم من كل الأنواع من القتل والقروض والكيف والعلاج بالتزوير والنصب والنهب.. وحتي سميحة!! معادلة غريبة وشاذة: زيادة في الصلاة «تنم عنها زبيبة الصلاة» وفسق ليس له نظير!! ومعلوم أن الصلاة مهمتها الأساسية هي بث «التقوي» في نفوس المصلين.. بحيث تظهر هذه التقوي في حركة الحياة والمعاملات اليومية.. والتقوي معناها أن «تجعل بينك وبين عقاب الله وقاية باجتناب نواهيه وتنفيذ أوامره». فكيف يصلي الناس ويسجدون ويطيلون في السجود حتي ترتسم زبيبة الصلاة في جباهم، ومع ذلك لا نري تقوي ولا أتقياء؟! وكيف يتصورون أنهم يدخلون الجنة؟! وكيف يدخلون بالصلاة فقط من دون تقوي ولا أخلاق، ونصوص القرآن والسنة الصحيحة تنفي ذلك التصور؟! إن «القرآن» الحكيم وردت به الآيات التي تؤكد أن الصلاة هي وسيلة وليست غاية.. وسيلة للتهذيب والخلق الكريم.. فقال تعالي: «إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر».. أي أن من يصلي لابد أن يتصف بالخلق الحسن.. فإذا لم يحدث ذلك فإن الصلاة لم تثمر ثمرتها، وضاعت هباء منثورا، وتحقق قول الإمام علي (رضي الله عنه).. «رُب قائم ليس له من قيامه إلا السهر والعناء»! وتأمل عزيزي القارئ تعبير: «ولذكر الله أكبر»، فما هو ذكر الله الذي هو أكبر من الصلاة؟ إنه ليس الذكر الذي يردده الكثيرون بقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر.. لكن المقصود هنا بذكر الله هو تذكرّه سبحانه- أثناء التعامل مع الناس: فلا تغش ولا تطفف الكيل والميزان ولا تظلم ولا تشهد الزور.. أي لا تفعل الفحشاء والمنكر، وهذا هو الأكبر من الصلاة!! وتؤكد هذا المعني آية أخري في سورة «الجمعة» هي: «فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون».. فما المقصود بتعبير: «واذكروا الله كثيراً» الذي يأمر به القرآن بعد الفراغ من «صلاة الجمعة» والانتشار في الأرض؟ انه تذكر أوامر الله وعدم نسيانها وبذلك تكون الصلاة قد آتت أُكُلها. لكن هذه المعاني لا يركز عليها الوعاظ والدعاة لأنهم يستظهرون ما حفظوه من التفاسير القديمة للقرآن.. وكمثال لذلك سمعت الشيخ «خالد الجندي» في جلسته - من قبل- مع الإعلامي الأستاذ «محمود سعد» : الشيخ «خالد» يفسر قول الله تعالي : «المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً» .. الشيخ «خالد» يقول إن «الباقيات الصالحات» هي قول: سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر.. فكيف يكون ترديد هذه الكلمات باللسان هي الباقيات الصالحات؟ هذا قول لا يقبله العقلاء! لكن أعجبني أن «محمود سعد» قال يا شيخ خالد أظن أن الباقيات الصالحات هي الأعمال الصالحة.. «وهذا هو المقبول عقلاً» ونحمد الله أن اليشخ خالد وافق، معللاً أن القرآن حمّال أوجه! وعود علي بدء، ما هو سر زيادة الصلاة وسوء المعاملات؟! أحسب أن السبب في ذلك هو شيوع بعض الأحاديث علي ألسنة الدعاة يفهم منها الناس أن الصلاة - مجرد الصلاة- تحصد الحسنات وتقود إلي الجنة وكذلك الوضوء، وإليك بعضاً منها: عن الوضوء: 1- «إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه، حتي يخرج نقياً من الذنوب» ( رواه مسلم) وهكذا تتخلص من كل ذنوبك مع نهاية الوضوء كما يبين الحديث! 2- «ما منكم أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء» (رواه مسلم) وهكذا فتحت أبواب الجنة بمجرد الوضوء! عن الصلاة: 1- «من تطهر في بيته ثم مضي إلي بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخري ترفع درجة» (رواه مسلم) . 2 «لن يدخل النار أحد صلي قبل طلوع الشمس وقبل غروبها» (رواه مسلم). وهكذا يوضح الحديث أن من صلي هاتين الصلاتين حرّم جسده علي النار! ونظر المسلمون في بلدنا، الذين يهتمون بالشكل والطقوس إلي هذه الأحاديث التي يرددها الدعاة.. واعتبروها كافية.. واستسهلوها.. واعتمدوا عليها لمحو ذنوبهم التي يرتكبونها أثناء التعامل بعضهم مع بعض! ونسي الدعاة أمرين مهمين هما: 1- أن الصلاة إذا كانت تكفِّر ذنوباً، فإنما تكفر «الصغائر» لا «الكبائر»، قال الزمخشري: «إن الصغائر هي الذنوب التي لم يذكر الله عليها حدا، ولا عذابا». 2- كما غفل الدعاة عن ترديد وتأكيد الحديث «الذي أراه صحيح المتن» وهو: «سئل - عليه الصلاة والسلام- عن امرأة تصلي وتصوم وتحج وتؤذي جيرانها، فقال: لاخير فيها، هي في النار».