هل يتعين علي كل مثقف مصري أن يؤدي الآن ركعتي شكر لله؟ يقينا.. فها نحن أصبحنا في قلب الحدث.. ليس متفرجين أو مولولين ومنددين وشاجبين.. بل صانعي قرار !.. ولقد أصاب الصديق الدكتور جمال التلاوي حين قال إن اختيار عضو من اتحاد الكُتَّاب في الجمعية التأسيسية لوضع الدستور يعد بداية تصحيح أوضاع سياسية خاطئة سادت مصر منذ أكثر من نصف قرن.. الا أنه للانصاف لاينبغي أن نحمل السلطة وحدها عملية التغييب المتعمدة لدور المثقف.. المثقفون ممثلون في اتحاد كتابهم خاصة خلال العقد الأخير كانت أمامهم فرصة النضال من أجل أن يكون صوتهم مسموعا في غرف صناعة القرار ولو كرهت السلطة.. لكنهم في كثير من الأحوال اختاروا أساليب مدرسية للتعبير عن مواقفهم..كتلك التي تجري في طوابير الصباح بالمدارس الابتدائية من إلقاء الخطب النارية والأشعار الحماسية ولامانع من حرق العلمين الأمريكي والإسرائيلي أمام كاميرات التليفزيون حتي لو كان الأمر يتعلق بزيادة فواتير التليفون!.. وهذا ما تطرقت اليه مرارا في مقالاتي بجريدة القاهرة وصحف أخري والتي جلبت علي غضب بعض زعماء اتحاد الكتاب.. وفي مقال بجريدة المصري اليوم نشر في 18 أكتوبر 2004 حذرت من التقوقع في شرنقة مفاهيم خاطئة ومبتسرة لدور المثقف حيث كان يروعني ما أراه من اختزال لدوره في كونه فقط ضميراً للأمة.. يغضب ويشجب ويندد.. !أما عقلها الذي يهديها الطريق القويم فكان خلال العقود الأخيرة فيما يتعلق بقضايانا الوطنية والقومية خارج الخدمة..! وفي المقال المذكور ناشدت أعضاء اتحاد الكتاب أن يشاركوا في مؤتمر حاشد للقوي الوطنية كان مقررا له أن يعقد في الرابع من نوفمبر 2004، وفي ذات المقال قلت:ان مؤتمرا حاشدا للقوي الوطنية سيعقد في ميدان عابدين من أجل المطالبة بالاصلاح ومنطق التاريخ يؤكد أن الأدباء والمثقفين ينبغي أن يكونوا في طليعة حشد مثل هذا.. فهل أعد فاروق خورشيد كتائبه للمشاركة في مثل هذا الحدث الوطني المهم ؟! وتلك كانت الفقرة الأخيرة من المقال: هل يخشي المثقف بطش السلطة؟ وهي أيضا تخشاه.. فليتذكر مثقفونا ذلك جيدا.. أنهم أقوياء ولاينسوا مقولة هيرمان جورنج الشهيرة: عندما أسمع كلمة الثقافة أتحسس مسدسي ! انها حرب من أجل مصر.. علي الأدباء أن يخوضوها ومع جميع التيارات فإن كان حياد الأدب موتا له كما قال نزار قباني في رسالته الشهيرة لجمال عبد الناصر في أكتوبر عام 1967فحياد الأديب في قضايا الوطن.. موت للوطن ! إن أكثر ما أخشاه ويخشاه غيري أن يظن البعض أن الأديب ماهو الا حالة ابداعية تتلبسه لبضع ساعات فيفرغ ما بداخله عن امرأة خانت أو رجل تبول في ميدان عام أو مراهق ضاجع أمه كما نري في أدب التسعينات فإن انصرفت الحالة انصرف الأديب الي شئونه اليومية.. وأقصي جهد حربي يمكن أن يبذله أن يصطف في طابور الصباح بمقر اتحاد الكتاب بشارع حسن صبري كلما تعرض قطر من أقطار الوطن الكبير لغارة استعمارية ليردد الأناشيد الحماسية وبيانات التنديد خلف المفوهين من أعضاء مجلس الادارة.. فان كانت ميزانية الاتحاد تسمح بشراء لتر كيروسين وقطعتي قماش يتم حرق العلمين الإسرائيلي والأمريكي ثم ينصرف الجميع الي بيوتهم سعداء مع تصريف مكبوتاتهم القومية ! ومصر مع تدشين تقويم 25 يناير في حاجة ملحة الي أن يكون المثقف ليس فقط ضميرها بل أيضا بصيرتها التي تخترق ضبابيات المرحلة المأزق وعقلها الذي يهديها الطريق القويم في الوقت الذي يكابد الفلول ومباحث أمن الدولة والانتهازيين من الثوار أن يسوقوها الي سكة الندامة..! سلماوي محق ولكن ! ومن هذا المنطلق وكمواطن مصري أبارك ما يقوله الكاتب الكبير محمد سلماوي في مقاله بالصفحة الثالثة بجريدة الكاتب في عددها الأول "دور الأديب في الثورة" :ان الكاتب هو ضمير الأمة وهو عقلها المفكر..لذا فان عليه أن يستشرف المستقبل الذي نمضي - أولا نمضي- اليه ، وعليه أن يحدد معالم الطريق، وعليه أن يحذر من المخاطر ، وعليه أن يشير باصبع الاتهام الي من يحاولون اجهاض الثورة.. لكن ان كان كاتبنا الكبير يستشهد بكتابات فولتير ومونتيسكيو وديدرو في اشعال الثورة الفرنسية وبمقولة عبد الناصر بأن رائعة توفيق الحكيم «عودة الروح» هي التي ألهمته ثورة 23 يوليو.. فإني أخشي أن يكون زمننا هذا غير تلك الأزمنة التي اشتعلت فيها تلك الثورات بفعل كتابات الأدباء والمفكرين.. في زمننا هذا لايزيد المطبوع من أية رواية علي ألفي نسخة.. وديوان الشعر نصف أو ربع هذا الرقم.. ! المؤرخون سينعتون زمننا هذا بالزمن الرديء لأنه فيه انقرض القارئ أو كاد.. ! .. فإن كانت مؤلفات المبدعين والمفكرين في ظل انقراض القارئ لن تصل الي قاع المجتمع وغرف صناعة القرار.. فجريدة الكاتب تستطيع أن تطرق كل الأبواب لتؤكد أن ثمة قوة في المجتمع مستنيرة وعاقلة ومبصرة جديرة بالانصات اليها.. ومتن العدد الأول من مقالات كبار الكتاب يمنحنا الأمل بأنها - أي الجريدة - يمكنها أن تقوم بالمهمة علي خير وجه.. المهم أن تتجاوز في توزيعها الدوائر شبه السرية والبريدية الي فضاءات الشارع المصري.. لتصل الي المواطن العادي.. وليخصص منها مائتي نسخة للتوزيع المجاني علي كبار المسئولين.. علي أن ينطوي متنها دائما عبر مقالات المثقفين وندواتهم وأخبار أنشطتهم علي رؤي موضوعية لكيفية وضع مصر علي سكة السلامة.. ! وأزعم أن صانع القرار في مصر خلال تلك المرحلة يعاني كثيرا من الارتباك والالتباس.. وفي أشد الحاجة الي تيار نقية توجهاته من الغرضية.. يعينه علي استشفاف آفاق جديدة لاتغرق الأمة في سيول من الأمطار الحمضية.. ! هذا التيار هم المثقفون. ليست رؤي شخصية ولقد جاءت كلمة سلماوي خلال اجتماع السلمي مع ممثلي القوي الوطنية في دار الأوبرا يوم 8 نوفمبر الماضي لبحث وثيقتي المبادئ الأساسية ومعايير تشكيل الجمعية التأسيسية تكريسا لتلك الثورة التصحيحية لدور المثقف !حين اعترض بشدة علي المادة التاسعة في وثيقة المبادئ الأساسية التي تضع القوات المسلحة في الدستور الجديد فوق القانون.. وتحول دون محاسبتها أو مراجعة ميزانيتها.. وقدم صياغة بديلة لهذه المادة تحفظ للقوات المسلحة مكانتها الحيوية في حماية الأمن القومي دون أن تجعلها فوق المحاسبة. كما اعترض أيضًا علي عدم وجود أي ذكر في البند الاقتصادي من الوثيقة للعدالة الاجتماعية التي كانت أحد أهم المبادئ التي قامت من أجلها الثورة وكان غيابها من أهم أسباب انهيار النظام السابق. أما في الوثيقة الثانية الخاصة بأسس اختيار الهيئة التأسيسية التي ستضع الدستور فقد اعترض علي عدم ذكر اتحاد كتاب مصر كإحدي الجهات المشاركة في وضع الدستور.. حيث اكتفت الوثيقة بالنص علي اختيار 15 عضوًا يمثلون كل النقابات المهنية في البلاد، وهو ما لا يضمن أن يكون من بينهم من يمثل الأدباء والكتاب. وطالب سلماوي بضرورة النص بوضوح علي أن يمثل اتحاد الكتاب باسمه ضمن الجهات المشاركة في اللجنة التأسيسية.. وقال إن موافقة اتحاد الكتاب علي الوثيقة معلقة علي الاستجابة للتحفظات التي أبداها.. مذكرًا بأن الدستور ليس مجرد وثيقة قانونية.. وإنما هو وثيقة اجتماعية ثقافية اقتصادية سياسية يصوغها فقهاء القانون وزاد: إن غياب أدباء وكتاب مصر عن الهيئة التأسيسية سيشكل عوارًا في الدستور الجديد ينبغي تلافيه.. وكما نشر علي موقع اتحاد الكتاب فقد تلقي رئيس الاتحاد مهاتفة من وزير السياحة منير فخري عبد النور يبلغه باستجابة الدكتور علي السلمي لتلك الملاحظات .