عشنا ولاتزال هذا الجدل الواسع بين الأداء الإعلام الحكومي والخاص وعلي وقع أحداث ماسبيرو جرت اتهامات متبادلة واسعة وهناك من أشار بأصابع الاتهام صراحة إلي التليفزيون الرسمي واتهمه بالتحريض فهل الحكومات العربية بصفة خاصة لاتزال في حاجة إلي إعلام تحركه كيفما تريد مقابل أن تنفق عليه مادياً؟ وهل الإعلام الخاص بعد التجارب العديدة الموجودة علي أرض الواقع من صحف وقنوات فضائية برئ تماماً من الانحياز إلي اتجاه بعينه أو شعار يعمل تحت لوائه؟! تحريض إعلامي السؤال وإن كان يتردد بقوة في القاهرة لكن ظلاله كانت حاضرة بقوة في الرباط العاصمة المغربية خلال الأيام الأخيرة من سبتمبر الماضي حيث جرت هناك وقائع مؤتمر (الإعلام العمومي «الحكومي» السمعي البصري) ونظمته الشركة الوطنية للإذاعة والتليفزيون بالتعاون مع النقابات المهنية للإعلام، ويذكر أن المغرب ألغي وزارة الإعلام، وحَّول الإذاعة والتليفزيون إلي شركة وطنية، وإلي جانبها شركة أخري حكومية استثمارية تشرف علي مجموعة قنوات معروفة باسم «صورياد» وكانت الجلسة الأولي من المؤتمر تطرح السؤال الأهم كيف يتحرر الإعلام الحكومي من قبضة الحكومة وهي ولي أمره وداعمة الرئيس؟! وكان السؤال في المقابل، وكيف يتحرر الإعلام الخاص من سطوة الربح وهيمنة رأس المال، وجبروت الإعلان ومعظم القنوات ان لم تكن كلها تقوم لأهداف في نفوس وعقول أصحابها، لأن التاجر الخالص أمامه مجالات عديدة يحرك فيها أمواله وبسرعة أعلي من المردود الإعلامي، وفي كلمته الافتتاحية يؤكد فيصل العراتشي أن التنظيمات النقابية الثلاث وهي: الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، نقابة مستخدمي القناة الثانية، النقابة الديمقراطية للإعلام السمعي والمرئي وكلها يجمعها المكتب الوطني النقابي الموحد، هذه النقابات طالبت وتطالب منذ سنوات بإصلاح جذري في قطاع الإعلام العمومي أو الحكومي تحت شعار: «من أجل إعلام عمومي مواطن في خدمة الشعب» ويرسخ قيم الحداثة والديمقراطية والتعدد والاختلاف» وأظن أن هذا الشعار يصلح لإعلام الدولة في مصر أكثر من غيره وفي هذا التوقيت الذي يشهد مرحلة تحول هائلة فيما بعد الثورة وعبر مساحات أكبر من قيود النظام وسطوته. وقفات احتجاجية وقد علمت أن وقفات احتجاجية عديدة خرجت في المغرب أسفرت عن توقيع اتفاقية بين النقابات والجهات المسئولة في يوليو الماضي كان من أهم بنودها البحث عن صيغة أو محاولة، تحقق التوازن بين واجبات الإعلام وتحديات الوطن في ظل حرب إعلامية شرسة داخلية وخارجية بحيث يتم تطوير المهنية داخل الإعلام الحكومي مع استمراره في تقديم رسالته الخدمية وتوفير المناخ المناسب لذلك، وطوال الوقت الذي كان «فيصل» يلقي كلمته، كنت أشعر كأن ثروت مكي يتكلم نيابة عن اتحاد الإذاعة والتليفزيون لأن المغرب ليس به وزير إعلام يعادل إحسان هيكل. والحقيقة أن التجربة المغربية حاولت أن تمزج بين الامكانيات الحكومية والأسلوب الاستثماري الذي ينتهجه القطاع الخاص في إعلامه، ويتجلي هذا في الشركة الوطنية للإذاعة والتليفزيون. وفي جلسة جمعتني بالمدير العام العراتشي قال لي إن هذا المؤتمر هو بداية سلسلة من الندوات القادمة وسوف تناقش قضايا «الإنتاج والجودة» في تنمية الموارد البشرية في المجال الإعلامي. وأظن أن هذه العناوين ضرورية لنا جداً، ولو أننا نظمنا هذه الندوات نحولها من طاقة عاطلة معطلة إلي إيجابية فاعلة، إنها نفس العناصر التي تخرج إلي القنوات الخاصة فإذا بها مختلفة في كل شيء لأن الإعلام قد يحتاج إلي الموظف في الحسابات والأمن والشئون الإدارية، لكنه يحتاج إلي خبرات إعلامية خاصة علي الشاشة. اتهامات غليظة وبعد أحداث ماسبيرو وما جري فيها والاتهامات الغليظة التي حولت الحدث إلي معركة إعلامية خاسرة لعب فيها الإعلام الحكومي الدور التحريضي كما يقولون ونسيت القنوات التي اتهمت ماسبيرو بذلك هي نفسها غير محايدة ومحرضة مهما حاولت أن تدعي غير ذلك حتي اختيار ضيوفها دون غيرهم يعكس وجهات نظر المحطة والتركيز علي موضوع دون سواه انحياز. وأنا لا أدافع عن التليفزيون المصري لأنه عاش زمناً يتلقي الأوامر في الصغيرة قبل الكبيرة إلي أن تشبع أفراده بروح الاستعباد والتبعية مما قتل فيهم روح الابتكار، وحولهم بالتدريج إلي نماذج فارغة تنتظر من ولي الأمر أن يقوم بتعبئتها كما يجب ويريد. وهنا تقول الأهداف الكبري لهذه الندوات في المغرب انها تسعي لتحويل حقل الإعلام السمعي والبصري إلي فضاء واسع للتداول الفكري والسياسي وزرع الثقة بين الإعلام الحكومي وباقي شرائح المجتمع وأولهم النخبة. بناء ديمقراطي وفي ذلك تحدث «عبدالله ساعف» عن الإعلام وبناء الرأي العام الديمقراطي وتناول «محمد الطوزي» الجانب السياسي للقاعدة المهنية وأيهما يؤثر في الآخر، وتكلم «العلمي المشيشي» عن الإعلام بين منطق المؤسسة والحرية وركز «محمد شوال» علي الجانب الاقتصادي في عملية تطوير الإعلام وتعقيب من يحيي اليحياوي وعبدالعزيز النويضي وكان من أبرز ضيوف الندوة جين ريفيلون المستشار الخاص للتليفزيون الفرنسي و«بسكال ديلوني» راديو فرنسا وناهد أبوزيد كبير المراسلين في BBC ومحمد قنطرة المدير العام السابق للتليفزيون التونسي والسيدة «ستير هلنلور» المديرة السابقة لإذاعة برلين و«ميشيل تكلنبورج» المدير المساعد لأكاديمية قناة DVX بشمال أفريقيا. وتناولت ورش العمل محاور: القيم وأخلاقيات المهنة، الخط التحريري وديمقراطية مجالس التحرير.