مع قرب نهاية الموسم الصيفي وفي العشر الأواخر من رمضان بدأت فرقة المسرح الكوميدي علي خشبة مسرح فاطمة رشدي "العائم بالمنيل" تقديم عروض مسرحيتها " مفيش حاجة تضحك! " من تأليف سعيد حجاج وإخراج عبد الرحمن الشافعي . تجارب مستلهمة المسرحية هي التجربة رقم 62 في مشوار " الشافعي " الإخراجي الذي تجاوز الأربعين عاماٌ بسنوات حيث اشتغل بالحركة المسرحية منذ عام 1968 فقدم تجارب مستلهمة من السير والحكايات وظف فيها العناصر الشعبية وقد عُرف بتلك النوعية من العروض التي تحقق التواصل السريع مع الشعب المصري باعتبارها قريبة إلي وجدانه معتمداً في معظمها علي الفرجة شعبية بكل ما بها من مفردات التراث الشعبي المصري ومن أعماله " شفيقة و متولي، علي الزيبق، عاشق المداحين، السيرة الهلالية، الشحاتين، منين أجيب ناس، يا صبر أيوب، ست الحسن، ياسين وبهية، آه يا ليل يا قمر، ادهم الشرقاوي، ليلة بني هلال، السفيرة عزيزة، ست الحسن، أحلام ياسمين، الخلابيص، وغيرها. تعديلات تعصيرية بموضوعية شديدة عبدالرحمن الشافعي لم ينحاز لجيله من الكتَّاب الكبار الذي طالما أمتعنا بإخراج أعمال لهم أمثال نجيب سرور، يسري الجندي، أبو العلا السلاموني.. وغيرهم، ولكنه في تلك المرة ومتزامناً مع المد الحي لثورتنا المصرية يفاجئنا بالخروج عن السياق بخطوة تحسب له منقباً في النصوص المسرحية الجديدة ليقع اختياره علي مسرحية "عرشك يا مولاي"، لينحاز الشافعي المنتمي لجيل مخرجي السبعينات لسعيد حجاج المنتمي لجيل كتّاب التسعينات، ولنصه الذي كتبه عام 1994 ونشر عام 1996 ضمن سلسلة إبداعات الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، و"حجاج" كاتب جاد أثبت تواجده في المشهد المسرحي، وحصد خلال مشواره الإبداعي العديد من الجوائز العربية والمصرية وله حوالي عشر إصدارات مسرحية عن جهات مختلفة ضمت نصوصا له، خلاف نصوص أخري صدرت ضمن سلاسل وصحف متخصصة، وقد قدمت معظم أعماله علي مسارح الدولة بهيئاتها المختلفة بالقاهرة ومحافظات مصر وأخرج نصوصه مخرجون معروفون بالمسرح المصري. عبدالرحمن الشافعي الحاصل علي جائزة التفوق في الفنون منذ عامين يلتقط هذا النص الجيد ويجري له مستعيناً بالمؤلف تعديلات تعصيرية حتي يلتحم مع أحداث الواقع، وكذلك كي تتفق وطبيعة المسرح الكوميدي، ويختار عنواناَ جديداَ لعرضه ليصبح "مفيش حاجة تضحك" والمفارقة هنا أنها ترد علي فلسفة الفرقة المنتجة "المسرح الكوميدي" وهي جملة تأتي دائماً في سياق حواراتنا اليومية إذا ما ضحك أحد علي أمرٍ مُرٍ وقد يتبعه ردود في مواقف من تراثنا الشعبي منها، "هم يضحك وهم يبكي" أو يرد أحد الحضور علي من يضحك ويقول له "بتضحك علي إيه؟ بتضحك علي خيبتك؟!" إن العنوان في حد ذاته يحمل دعوة لرفض كل ما كان لدينا من موروث سلبي يجعلنا نتفرج ونكتفي بالضحك، إن عنوان العرض يدعو بداية لوقفة للتأمل كي لا نضحك علي خيبتنا. ملاعيب تمثيلية تحكي المسرحية عن فرقة مشخصاتية لصاحبها عم مسعود التي تقدم ملاعيبها التمثيلية في الشوارع، ونتعرف علي أعضاء الفرقة التي تتكون من كمونة وتيمور"سنقر" وصالح ومجموعة آلاتية ، وينضم لهم شوشو وزوجها الريس إسماعيل، وتمارس الفرقة نشاطها وتحكي عن السلاطين علي مدي التاريخ وأسلوب كل منهم في حكم شعبه إذ تحكي خلاصة ما يمارسه الحكام من خلال حاكمين تحكي عنهما ، الأول السلطان شعبان الذي يغرق بين ملذاته ومديح الشعراء ونفاق الحاشية والوزراء فيغرق بالبلاد حتي تسخط جموع الشعب عليه وتطالب بإسقاطه، وليأتوا بسلطان آخر ينصبونه بدلاً منه ليبدأ حكم البلاد من خلال نفس الحاشية ونفس النظام بادئاُ حكمه بالعدل في أول أيامه ثم تعود الأمور لما كانت من فساد وظلم، ليعيد التاريخ نفسه.. ولكن في تلك المرة يعبر الشعب عن سخطه بأسلوب آخر إذ يكرر ترك السلطنة باحثاً لنفسه عن وطن آخر ليجد السلطان نفسه بلا شعب يحكمه بما يجعله يفقد معني السلطة وممارساتها فيقرر البحث عن شعب، وبينما يبحث يلتقي في طريقه باثنين "شيخ كهل وابنه" ويحاول عقد صفقة معهما أن يكونا نواة لشعب وأن يكون سلطاناً عليهما وخلال اللقاء يكشف السلطان عن نفس الممارسات والأسلوب فيرفض الشيخ الحكيم الصفقة ولا يقبلها قائلاً للسلطان "لا تصلح أن تكون سلطاناً لنا، رُوُح شوف شعبك سابك ليه، أعطيه حريته وحقق له إرادته ليطاوعك واجعله يحكم نفسه بنفسه، علمهم كيف يختارون ومن هنا تكون البداية". روح العرض أحيا المخرج شخصية كمونة ليجعلها روح العرض تدخل وتخرج من الحكاية، وكذلك شخصيتي "أم علي وأم محمود" اللتان تربطا بين المشاهد مع فاصل من الردح واللت والعجن الشعبي وبغرض تمرير البسمة أيضاُ، كذلك شخصية شوشو وزوجها المنشد وذلك كله في سبيل قصد المخرج لعمل توليفة مجتمعية شعبية سياسية كوميدية غنائية استعراضية وقد نجح الشافعي بأقل جهد مستغلاً خبرته في صناعة تلك التوليفة موظفاً بعض المفردات من ألعاب سيرك وعرائس وفرقة آلات نحاسية ومطرب شعبي وأغان واستعراضات إضافة إلي حس شعبي حافظ به علي روح العمل وذلك كله في بساطة بما يتناسب مع الفكرة والمقولة المهمة التي يريد طرحها في تلك المرحلة. رؤية درامية كانت كلمات الأغاني للشاعر طاهر البرمبالي سلسة وتخدم الرؤية الدرامية فجاءت بسيطة في بعضها "أنا حلوة خالص دلوعة خالص وشقية خالص" وأكثر عمقاً في أخري ومنها استعراض تسول الحكومة واستعراض "حادي بادي حادي بادي شاله وحطه كله علي دي اللي سرقوا ونهبوا بلادي اللي خطفوا تراب الوادي" وقد جاءت موسيقي علاء غنيم حيوية بما يشد من الإيقاع العام للعرض كذلك الألحان التي تناسبت مع الكلمات واتسمت بالروح الشعبية ، أما ديكور د. محمود سامي والذي كان عبارة عن خلفيات مصورة أو مرسومة غلفت جوانب المسرح معبرة عن الحارة الشعبية وكانت مقبولة من الجانب الاقتصادي توفيراً لبناء الديكورات وإن كانت ألوانها غير مناسبة، وقد قسم المسرح إلي ثلاث مناطق، علي الجانبين مستويات لجلوس العامة وأعضاء الفرقة، ومنطقة مقدمة المسرح ووسطه للحوار والنقاش الحي بينهم، ومنطقة العمق للتشخيص، مع استخدام متيفات بسيطة للدلالة علي المكان لكل سلطان . أما استعراضات د. مجدي صابر فكانت تحتاج إلي جهد أكبر حيث استسلم لطبيعة المسرح إذ حكمه ضيق المكان بعدد قليل من الراقصين بما لم يتح له استعراض إمكانياته المعروفة عنه. يبقي عنصر التمثيل إذ وفق المخرج في استعانته بالفنان الكبير جمال إسماعيل الذي يعد مكسباً كبيراً للمسرح والذي استغل خبرته وأداءه السلس في تعامله مع شخصية الريس مسعود وإظهار اقتداره في تشخيصه لدور الشيخ الحكيم في المشهد الختامي للمسرحية ، وأبدعت النجمة مونيا التي جسدت دور "كمونة" الفتاة الحالمة المتطلعة وشخصية "زمردة" المنافقة المتسلطة، وهي فنانة استعراضية ومطربة جيدة لديها حضور وقبول حسن، وكان عهدي صادق موفقاً في أداء ملعوبي الحاكمين فاتسم أداؤه بالسلاسة وتحقيق التواصل السريع مع المشاهد وان يؤخذ عليه عدم التنويع في الأداء بين كل من الحاكمين، وأجاد باقي الممثلين الذين بذلوا جهداً كبيراً في العرض خاصة عنبر، شهيرة كمال، رشا فؤاد، بجانب مجدي عبد الحليم وصبري وباقي الفريق من أعضاء فرقة المسرح الكوميدي، وهو عرض يحسب للفنانة عايدة فهمي مدير الفرقة.