من الجهل أن نعتقد بامكانية تفسير كل ظواهر الحياة عبر المنهج المادي أو المنطق المعتاد، وإلا.. فكيف نفسر قدرة البعض - منهم مؤمنون ومنهم غير مؤمنين - بتوقع أحداث في المستقبل «تكفي هنا العودة إلي تنبؤات «نوستراد اموس» الذي صاغها في أبيات شعرية نسجها منذ قرون لتتنبأ بالحربين العالميتين - بعد وفاته بمئات السنين - وبسقوط عروش تهاوت منذ عقود فقط! وكيف نفهم لقاءنا بزوار الأحلام - أو أرواح الأحياء أو الأموات - وكيف نفسر شعورنا بالألفة مع مكان ندلف إليه لأول مرة فنشعر بأننا زرناه من قبل؟ وكيف وكيف.. هذا ما شغل بال «عمرو واكد» ومن قبله مجموعة من المبدعين حاولوا سبر أغوار المجهول الملغز عبر «أبواب الخوف». أبواب الألغاز هو مسلسل متصل منفصل حيث تتضمن كل حلقة إحدي الظواهر أو الحكايات الغامضة التي يراها «آدم ياسين» - الصحفي - في حلمه أو يقظته برغم عدم وجوده بمسرح أحداث الحكاية، هو لا يدري كيف ولماذا يري تلك الأحداث؟! يسقط فجأة وسط قرية تشهد منذ مدة حوادث مقتل الغرباء.. يتابع طبيب الوحدة الشاب وهو يلقي بنفسه - مثل سابقيه - وراء «النداهة» في الترعة ليلقي مصرعه غرقا، لكن آدم يعجز عن تفسير أو حتي محاولة تفسير حكاية «النداهة»، ثلاث شابات صديقات، تقوم إحداهن بتحضير إحدي الأرواح، إلا أن إحداهن تسخر من التجربة فتفسدها إلا أن «الروح» تفرض المزاح وترد بلعبة دموية، تزهق روحي اثنتين من الفتيات، أما الثالثة فتطاردها «وليفة» الروح وتدفعها إلي قتل خطيبها، شيخ يتولي محاولة تفسير تحضير الروح وما حدث للفتيات كي يرد علي حيرتنا ولغز الحكاية، نجم شهير مغرور يري صورته في المرآة فجأة مسخا مرعبا، عرافة تخبره بأنه يحمل شرا عظيما إما أن ينتصر عليه ويدفنه أو ينجح شره في إنهاء حياته.. يضعف أمام غروره، فيخرج له المسخ من المرآة ويكتب نهايته، يبدو الأمر رمزيا بعيدا عن دائرة ما وراء الطبيعة التي شكلت النسيج الأساسي للعمل! ساحر يصنع «الأعمال» باستخدام أسنان أو شعر ميت - جري دفنه حديثا - ويؤذي «التربي» عندما يمتنع الأخير عن اعطائه المطلوب (حكاية تقترب من دائرة الفلكلور وحكايات السحر الأسود ويصعب وصفها ب«الجدة»)، ثعابين تهاجم مسكن شاب اعتاد ممارسة المتعة الحرام، يظن جارته التي تعشقه وراء الأمر.. يحضر «رفاعي» يأمره الأخير بترك الشقة يوما واحدا ويدلف الرفاعي إلي المسكن مؤكدا للشاب أنه لن يجد الثعابين عقب عودته، يفاجأ الشاب عند العودة بالثعابين تلهو فوق جثة الرفاعي- «رسالة بأن مدعي العلم بالأسرار قد يموت ضحية لها»! يكبر بطن الفتاة يجن جنون أسرتها يكاد شقيقها يفتك بها، تشاهد في أحلامها شابا ذا وجه مخيف يتزوجها، تذهب بها أمها إلي طبيب لاجهاضها، يدهش الرجل حين يجري اختبار ينفي حمل الفتاة - ويقرر إجراء عملية للكشف عن سر انتفاخ البطن، تموت الفتاة بفعل نزيف حاد، يعجز الطبيب عن تفسير ما كان ببطن البنت بينما يري الشيخ أن أحد الجان قد دخل بالمسكينة، تمضي الحكايات متفاوتة في قوتها وكذا عمق تناولها ومدي اقترابها من ساحة الظواهر الملغزة التي استغلقت علي الإنسان منذ آلاف السنين. كان العمل يتقد ويتوهج كلما تناول قصصا غير تقليدية.. وكان يفقد لمعانه حين كان يعرض حكايات تقليدية سمعناها صغارا من الجدات! كان يكتسب قيمة حقيقية وثقلا كلما حاول الغوص داخل بحر الألغاز وسبر أغوارها بينما كان يستحيل عاديا كلما انحرف ناحية الدائرة البوليسية.. ينتهي النص بفتح باب يفضي بغموضه بالمشاهد إلي البحث بنفسه ربما داخل نفسه أو حوله عن تفسير لما رآه.. ويراه.. من ألغاز. كان فريق كتابة العمل «ثلاثة سيناريستات» علي وعي واضح بأن الاستسلام لأفكار أو قوي ما وراء الطبيعة قد يشمل شخصيات من مختلف الفئات الثقافية والاجتماعية، لذا صاحبهم التوفيق في اختيار شخصياتهم بمنهج التنوع «نجم سينمائي في حلقة المسخ» أسرة من حي شعبي في حلقة الحمل الكاذب، طبيب شاب في حلقة النداهة.. وكان تطور الشخصيات في غالب الأحيان جيدا منطقيا برغم صعوبة تحقيق ذلك عبر الحلقات المنفصلة المتصلة بالنسبة للشخصيات التي تلعب بطولة حلقة واحدة، لم نستغرب سقوط الطبيب في حبائل النداهة برغم مستواه العلمي ورفضه في البداية لخرافات القرية، وذلك علي إثر تكثيف المفارقات الغامضة التي شهدها الطبيب وعاشها ما أدي إلي اضطراب وعيه رغما عنه، وكان التطور مفهوما يسيرا علي السيناريست، مقبولا للغاية للمشاهد في حلقة «الحمل الكاذب» التي دارت في الأجواء الشعبية المهيئة أصلا للتأثر بفكرة معاشرة الجن للبشر، لكنني تحفظت علي نهاية حلقة «المسخ» حيث جاء تطور الشخصية غير واضح وبدت نهايته غير ناضجة دراميا. البطل.. آدم شخصية البطل «آدم» اختار فريق التأليف اسمها رمزا لجنس البشر الذي قد يمتلك أغرب القدرات ويحمل بداخله أعجب الظواهر، آدم يمتلك حاسة وقدرات خاصة ورثها عن جده تجعله قادرا علي رؤية أحداث جرت في الماضي، ولم يكن ضمن شهودها في الأصل، كما يري أحيانا نبوءات تتحقق «مقتل الدكتور رافع علي يد تيسير الكاشف» يبدو آدم غريب الأطوار منطويا.. لا يفكر في المال علي وجه التقريب، اتساقا مع تحليق روحه بعيدا عن عالم المادة، يفترق عن زوجته النفعية ويقترب من زميلته النقية ثم يبتعد عنها هي الأخري، لأن الحب قد يأخذه بعيدا عن طريقه، طريق البحث عن الحقيقة والذي يشغل كيانه.. فهل وصل آدم إلي الحقيقة؟ ربما.. وصل إلي حقيقة عجز الإنسان عن تفسير تلك الظواهر الغريبة والقدرات الخارقة التي قد يمتلكها هو ذاته إلا أنه يفشل في فهم.. كيف ولماذا امتلكها؟! بين الإثارة.. والأداء الراقي اتسقت لغة الكاميرا مع لغة الحوار إلي حد بعيد في مفردات الإثارة والدهشة، وفي المناطق «ما بين الحوارات» نجحت كاميرات أحمد خالد في تتويج الإثارة بالخيال عبر المؤثرات البصرية المختلفة واستغلال الإضاءة ببراعة، كما لعبت حركة الكاميرا وزواياها دورا مهما في التشويق، نجح المخرج في استغلال أجواء المقابر وكذا رهبة الصحراء لتكثيف الجو النفسي المطلوب.. ولم يتكلف في ديكورات وإكسسوارات الشقق أو المكاتب، كان خالد موفقا في اختيار «الكاست».. كان دور البطل آدم وكأنه مكتوب من أجل عمرو واكد الذي تستشعر أن شخصيته الحقيقية ليست ببعيدة عن آدم! لعب الدور بتلقائية وكان واعيا بمتطلبات مشاهده.. كانت دهشته طبيعية.. وهدؤه مقبولا.. وانفعاله منطقيا اتساقا مع الموقف. أضاف تواجد رشوان توفيق ثقلا للعمل كما كان اختيار جميل راتب مهما برغم صغر مساحة دوره وأداه بعظمة، تحية مستحقة للوجوه الشابة التي شاركت في العمل وشكلت غالبية «الكاست» وكان معظمها علي مستوي راق من الأداء وخاصة بطل حلقة «النداهة» وبطلة «الحمل الكاذب» هي تجربة جريئة جديدة حاولت طرق أرض مختلفة عن تلك السائدة سعت إلي تقديم لون جديد علي الشاشات المصرية والعربية ربما لم تصل إلي النضج الدرامي المرغوب.. ربما غاب عنها التفسير أو ربما افتقرت إلي الرؤية الواضحة إلا أن عذرها أن موضوعها طالما حير عقول البشر بمفكريهم وفلاسفتهم منذ آلاف السنين.. ولا يزال!