من يدعي أن إيرادات الأفلام لا تعكس بصورة أو بأخري درجة من درجات النجاح يتجاهل قيمة المتفرج كقوة فاعلة ويحاول التأكيد علي أن رأيه النقدي أهم من رأي الجمهور.. ومن يتوقف أمام حصيلة شباك التذاكر فقط ينسي أن بعض الأفلام الخالدة لم تحقق عند عرضها من الإيراد ما يغطي مصاريف الكهرباء في دار العرض، بل وضربها الجمهور بالطماطم ثم أصبحت بعد ذلك من الكلاسيكيات، ومثال علي ذلك ما حدث مع فيلم «باب الحديد» وكما جاء علي لسان الكاتب الكبير عبدالحي أديب أكثر من مرة أمامي وأمام غيري. أقول هذا وأنا أرصد الحصيلة الهزيلة التي جمعتها المجموعة الجديدة من الأفلام التي يتم عرضها في الوقت الحالي، صحيح أن هناك عدة عوامل أو قل مبررات يسوقها ويستند إليها صناع هذه الأفلام.. لكن الفيلم الجيد كما يقولون ينادي جمهوره.. وإذا كنا نعيش في مخاض الثورة وسخونتها وتلك التحولات الكبري التي شهدتها البلاد، فالأكيد أن الفن ونجومه قد تأثروا سلبا وإيجابا بما جري، وهنا اتجاوز فكرة القوائم السوداء والبيضاء، لأنها قامت علي حسابات وامزجة فردية ومن السهل أن تطرح قائمة علي هواك بموقع ثم تسربها في دقائق معدودات إلي مواقع أخري، وفي هذا لا نستبعد أن يقوم الفنان نفسه وبمساعدة أعوانه بتحويل نفسه من خائن أو سلبي أو منتقد للثورة، إلي بطل وأحيانا إلي شهيد إذا اقتضي الأمر، والإنترنت مفتوح أمام الجميع وإذا قلنا إن مزاج الجمهور قد تغير وأنه مشبع بهذا الحراك السياسي الهائل، والبرامج الإخبارية لها الأولوية في التليفزيون علي حساب المنوعات والمواد الترفيهية فهذا رأي جدير بالاحترام، لكن لماذا لم يحقق فيلم «الفاجومي» المرتبة الأولي وهو يدور حول سيرة شاعر مناضل وحياته سلسلة من الأحداث المثيرة عبر عصور عبدالناصر والسادات ومبارك؟ والحقيقة أن مشكلة هذا الفيلم تكمن في أنه يتناول قصة حياة أحمد فؤاد نجم كما كتبها ولأنه يظهر بنفسه ويحكي بطريقته التي تتفوق علي عشرات الأفلام، فالمتفرج عنده الأصل أقوي، وان كان صاحب القصة في حياته من الاسرار ما يثير فضول المتفرج ويحب أن يراها علي الشاشة ولكن الرجل في الكتاب الذي صدر من جزءين قال ما لا يقال عن نفسه وبنفسه، وقد حقق الكتاب مبيعات كبيرة. والنقطة الأخري: إن الفيلم معروف إنه يروي حياة نجم، لكن علي الشاشة نراه باسم آخر، في عملية الهدف منها الحفاظ علي اسرار خاصة لشخصيات أغلبها لا يزال علي قيد الحياة، ومن هنا أرادوا استثمار «نجم» وجرأته ثم من ناحية ثانية انكروا هذا، وكانت النتيجة أن المتفرج حتي قبل أن يري الفيلم استغرب هذا وأدرك أن ما يسمعه ويراه من نجم شخصيا وبشكل مباشر أقوي. وإذا تركنا حياة «الفاجومي» إلي «صرخة نملة» وهو فيلم يغلب عليه الطابع السياسي، ومقدمته تقول إنه يرصد بعض ما جري في ميدان التحرير وما قبله وما بعده، أي أنه يلعب علي الوتر الحساس أو علي الوجيعة كما يقولون وفيه بعض لمحات كوميدية علي الماشي.. ومع ذلك تراجعت إيراداته واحجم الجمهور عنه. وهنا نقول ربما ارادها المتفرج فضاحكه للتسلية والخروج من الأجواء الملتهبة التي نعيشها والجدليات السياسية التي نخوضها جميعا حول مستقبل البلاد ومشاكلنا. وهنا نتجه إلي الكوميديا، وسنجد فيلم «سامي أوكسيد الكربون» وإن كان أفضلهم حظا من حيث الايراد لكنها في حقيقة الأمر ضعيفة ولا تناسب المعدلات الحقيقية والأرقام التي تعكس بحق الاقبال الجماهيري وما حققه فيلم هاني رمزي الجزء الأكبر فيه راجع للأطفال الذين انجذبوا إلي الطفلة التي تشارك في بطولة الفيلم، ومحاولات مغازلة الجمهور بكام نكتة عن الثورة: ابعدت الجمهور الحقيقي الذي يعرف قواعد اللعبة ولا يحبها، إلا صريحة، والفيلم يبان من عنوانه ومن إشارته، التي يفترض أنها تقدم أحلي ما فيه ثم يأتي الكلام عن الفيل الذي لم نجده في المنديل ولا مع المساطيل، وسقط بامتياز شكلا وموضوعا وهو ما فسره البعض بمعاقبة المتفرج لبطله طلعت زكريا علي موقفه ضد الثورة، وأنا أري في ذلك مبالغة في حق الفيلم وحق طلعت وحتي في حق الفيل. صحيح أن زكريا دون غيره استفزه الناس وهو يحاول الخروج من هذا المأزق، لكن هناك غيره أيضا هاجموا الثوار وساندوا مبارك، وإذا قلنا بأن الجمهور سوف يتربص بهؤلاء فإننا سوف نري مفاجآت حتي علي مستوي عرض مسلسلات رمضان وأبطالها بعضهم مدان في هذا الشأن. وعلي اختلاف الأفلام ومستوياتها وإيراداتها، اتفق صناعها جميعا علي أن عدم الاقبال سببه امتحانات الثانوية العامة وكأن البلد كلها اما أدبي أو علمي، وعملية وقف الحال تضرب اقتصاد البلد عموما، لكن حقيقة الأمر أن ما جري مع هذه الأفلام جرس انذار حقيقي لكل فنان أن البلد تغيرت وعليه أن يتغير، وأن البلد طالعة وعليه ألا ينزل بفنه!