لم يكد يمضي أسبوعان علي عرض فيلم 365 يوم سعادة حتي اندلعت مظاهرات التحرير وتوالت أحداث ثورة 25 يناير . لا شك أن السادة المنتجين والموزعين يندبون حظهم علي الإيرادات المتدنية لفيلم راهنوا علي نجاحه وعلي قدرته علي إنعاش السوق في موسم إجازة منتصف العام الدراسي الذي أصبح يشهد رواجا جماهيريا . ولكن من ناحية أخري فإن ظروف الثورة هي التي أتاحت لفيلم كهذا أن يبقي في دور العرض لما يقرب من شهرين متصلين ، دون أن تظهر أفلام جديدة تسعي لأخذ مكانه والاستفادة من الشاشات المخصصة لعرضه. فهل كانت ثورة 25 يناير ضد فيلم 365 يوم سعادة أم في صالحه؟ بداية سوف تظل كوميديا الرجل المزواج أو الشاب المتعدد العلاقات العاطفية من الموضوعات الشيقة والجذابة . وهي وإن كانت تنجح في العالم كله فإنها تحظي بتجاوب جماهيري فوق العادة في مجتمعات عربية أو شرقية مازالت النظرة الذكورية مسيطرة عليها . ومازالت عالقة في الذاكرة رائعة فطين عبدالوهاب (الزوجة 13) كأحد أجمل الأفلام التي جمعت فتي شاشاتنا الأول رشدي أباظة ونجمتنا الدائمة شادية . وسوف نظل نضحك مع هزلية (مطار الحب) برشاقة وخفة دم فؤاد المهندس وجمال ودلال شويكار . فلماذا لا تسعي السينما اليوم إلي تقديم معالجة جديدة لها بنجمنا الأكثر وسامة أحمد عز مع الصاعدة المتمكنة المحبوبة دنيا سمير غانم ؟ ثروة خرافية سوف نعرف من بداية الفيلم أن صاحبنا الشاب هادي أبو العز يمتلك ثروة خرافية . وهو مثل معظم رجال الأعمال المستفزين ينفق هذه الثروة علي ملذاته وزيجاته العرفية المتعددة. ولديه شركة كبيرة وناجحة بفضل علاقاته النسائية بسيدات يصعدن إلي أعلي المناصب ويحفظن ذكري الأيام الحلوة معه ، ويردون له الجميل في صورة خدمات ومساعدات وتسهيلات وغيرها من الأمورالتي كنا نراها طبيعية جدا واكتشفنا الآن فجأة أنها من مظاهر الفساد. سنلاحظ بسهولة أن شركته لا يعمل بها إلا الجنس اللطيف ، باستثناء مساعد مخلص وأمين - لطفي لبيب - يعمل من أيام والد هادي الراحل، وهو بمثابة عم له . ينصح هذا الرجل هادي دائما بالبحث عن فتاة صالحة يتزوجها رسميا ويستقر معها . ولكن هادي مصمم علي مواصلة مغامراته العرفية. يتميز إيقاع المشاهد الأولي بإيقاع الفيديو كليب ببصمات المخرج سعيد الماروق. وذلك بصرف النظر عن مشهد ما قبل العناوين الغامض إلي حد الإبهام ، للبطل وهو يمزق ورقة لا نعرفها ويلقي بقصاصاتها من شرفة الفندق في فرحة غير مفهومة . لكن المشاهد الأولي تكشف عن تميز صورة وائل درويش بالجاذبية والأناقة وتألق ألوانها الساخنة المعبرة عن أجواء الغرام المشبع بها الفيلم . كما تتسم زوايا ولقطات المخرج بالخيال والابتكار وطرافة التكوين بمفردات بسيطة اعتمادا علي ديكور سامر الجمال الذي يعكس الواقع المخملي الخرافي الذي يعيشه هذا الشاب العابث ، بشياكة يمتزج فيها الأثاث العصري في شركته بالكلاسيكي الغالب علي فيللته أو في اختيار ممتاز لأماكن تصوير تضعنا في قلب عالم الشخصية وأجواء الطبقة المرفهة بصورة لم يكن يصدقها عقل. ولكن من سوء حظ الفيلم أن يأتي عرضه بعد الثورة فتفتقد الصورة طرافتها ويتحول تأثيرها الملطف إلي إثارة حالة من الاستفزاز لدي المشاهد من هذا المجتمع الفاسد، وهذه الثروات التي تتحقق بلا أي جهد يذكر أو دون موهبة يملكها البطل سوي القدرة علي اصطياد الفتيات . خطة محكمة نكتشف سريعا خلال الأحداث أن هادي عندما يريد إنهاء علاقة يلجأ إلي حيلة الادعاء بأنه اكتشف إصابته بمرض قاتل وأنه لم يتبق له في الحياة سوي ستة أشهر. وبشهامة النبلاء يودع حبيبته ويمنحها حريتها لكي لا يجني علي مستقبلها ويدعها تترمل. يستغل هادي لإحكام الخطة صديقه الطبيب شوقي الذي يستسلم له معرضا سمعته المهنية للخطر . ويرسم شادي خلف ملامح الشخصية بكاريكاتيرية زائدة في المظهر والأداء وبخوف مبالغ فيه من زوجته مي كساب ربما ليقنعنا بسهولة استسلامه لمطالب صاحبه. وفي المقابل تواصل لاميتا فرنجية تقدمها، وإن كانت في دور العشيقة المتكرر. ولكنها تنجح في اكتساب ثقة في الأداء وتحقيق كل مشهد ولقطة بالتعبير الذي يناسبه وبفهم لروح الفيلم المرحة. وتتوالي المشاهد والمغامرات الغرامية للبطل في إطالة معتادة للكاتب يوسف معاطي وكأنه سيناريو كان مخصصا لعادل إمام وضل طريقه لأحمد عز. ويمكنك أن تلحظ مدي التكرار في الأسلوب عندما يضطرالبطل لحضور عزاء في نفس البيت الذي تسكن فيه عشيقته. ويتكرر اضطراره للدخول علي نفس طريقة أفلام معاطي وإمام. ولأن هذه المشاهد تعوق حركة الدراما ولا تتسم بخفة الظل ولا يؤديها كوميديان محترف فإنها كفيلة بأن تصيبك بالملل حتي تبدأ الأحداث الفعلية مع قصة الغرام الحقيقية . أحداث متوقعة مع ظهور مخصوص تطل مدرسة الأطفال دنيا سمير غانم وسط زينات الحفل والأوراق الملونة وفرحة الأطفال بها. ويتألق جمالها أكثر في لقطات رد فعل هادي المنبهر بها وهو يتهيأ للانقضاض عليها كفريسة جديدة. ولكنه يتلقي صدمة عنيفة من ردها القاسي عليه، تنهيه بجملتها الحاسمة " منظرك يكسف ودمك يلطش". وكلما واصل هادي محاولاته لنيل قلبها يتلقي مزيدا من الصدمات والإهانات بل والصفعات. ولكنها فجأة وبعد فترة تستسلم وتطبع قبلة علي خده وهي تصارحه بأنها تعامله بجفاء رغم حبها له لأنها مصابة بمرض لعين سوف يقضي علي حياتها في خلال سنة. وعلي الرغم من هذا يصمم البطل علي الزواج رسميا هذه المرة من هذه الفتاة بالتحديد . وهو يعدها أن يحقق لها السعادة في الأيام الباقية لها من العمر . يمكنك عزيزي القارئ أن تتوقع كل ما تبقي من الأحداث التي تشغل تقريبا نصف مساحة الفيلم.. ولا أري في هذا عيبا فادحا ، ففي أفلام الكوميديا العاطفية لا توجد في رأيي مشكلة كبيرة أن يحسن المشاهد توقع الأحداث فهو ليس فيلم إثارة ولا مغامرات. ولكن المشكلة أن الفيلم يفقد إيقاعه وقوته الدافعة من اللحظة التي يفترض أن ينطلق فيها إلي آفاق المتعة والتدفق الدرامي. فمن هذه اللحظة سوف يتوه سيناريو يوسف معاطي بين الدراما العاطفية وكوميديا التناقض الاجتماعي حين يدخل هادي إلي عالم أسرة الفتاة الفقراء جدا، بل حين يدخلهم إلي قصره هو ونعيش معاناته منهم ومن تصرفاتهم المزعجة وسلوكياتهم الفجة المثيرة للتقزز والاشمئزاز . بين الفقر والقذارة ولكن السادة صناع الفيلم لم يدركوا أبدا أنه لا توجد علاقة مباشرة بين الفقر والقذارة ، ولا بين ضيق ذات اليد وضيق العقل والغباء ، ولا بين سكن الأحياء الشعبية وممارسة السرقة وتعاطي الحشيش والأفيون. هذه هي الصورة التي جسدها الفيلم لأهل البطلة الفقراء والتي تصدرها بأسلوب رديء ومغرق في الفجاجة صلاح عبد الله في أحد أسوأ أدواره. ولكن مشكلة هذه النظرة وتلك المشاهد لا تنبع من السيناريو وحده في رأيي. ولكنها نابعة من رؤية صناع الفيلم بوجه عام للعمل باعتباره مجموعة من الكليبات . فاسكتشات الفقراء يمتزج بها اسكتشات خيالية في عالم الإسكيمو وأخري واقعية أقرب للخيال حين يقرر البطل أن يحقق كل أحلام حبيبته فيأتي لها بوائل جسار ليغني علي ناصية الشارع وخلفه فرقته. وهكذا تتوالي فقرات الإعجاب والتحية تارة بعبد الحليم حافظ وأخري بعبد الباسط حمودة بل وتظهر مشاهد بلا أي فائدة درامية إلا لإرضاء الممثلين بما فيهم سليمان عيد . تتوالي المشاهد والمونتير لا حول له ولا قوة مع انه كان بإمكانه أن ينقذ هذا الفيلم بحذف عشرين دقيقة علي الأقل من نصفه الأخير. وعلي الرغم من كل هذا تظل دنيا سمير غانم قادرة علي أن تضيف إلي رصيدها بأداء بسيط وهادئ. أما أحمد عز فلم يوفق في مشاهد التمثيل داخل التمثيل بعد أن اكتشف اللعبة والتي أداها بانفعال طبيعي لا يناسب هذه النوعية من المواقف. في اعتقادي أن انشغال الجماهير بالثورة كان مبررا مقبولا لفشل هذا الفيلم الذي لا اعتقد أنه كان بإمكانه أن ينجح تجاريا تحت أي ظروف . ففيلم 365 يوم سعادة لم يحقق أي سعادة إلا لصناعه الذين اعتقدوا أن بإمكانهم أن يثيروا ضحك الناس من واقع مستفز ومثير للتقزز.. والذين اعتقدوا أن سخريتهم من واقع الفقراء وسكان الأحياء الشعبية سيجد تعاطفا لدي جمهور معظمه من سكان هذه الأحياء ويدرك واقعها أحسن منهم .. وعلاوة علي هذا فإن النجم أحمد عز اعتقد خاطئا أن إمكانياته كممثل تتيح له القيام بكل أنواع الأدوار . ويبدو أنه تقمص شخصية رجل الأعمال أحمد عز الذي كان يلعب بالفعل كل الأدوار . ولعل دوره القادم يكون في فيلم تدور أحداثه في سجن طره وسوف تستمر بالتأكيد لأكثر بكثير من 365 يوم . علي صناع الأفلام ألا يعتبروا الثورة شماعة يعلقون عليها فشل أعمالهم ، فعليهم أن يعملوا بجد وجدية وأن يسعوا لأن تحقق أعمالهم قدرا من المصداقية وأن تعبر عن فهم للواقع الحقيقي حتي لو اتسم بقدر من المبالغة والسخرية