بدأت مكتبة الإسكندرية مشروعًا قوميا ضخماً لرقمنة محتويات دار المحفوظات العمومية، بالتنسيق مع وزارة المالية وإدارة دار المحفوظات، وذلك انطلاقًا من دور المكتبة الرائد في مجال التوثيق الرقمي والتحول الرقمي لجميع أنواع أوعية المعلومات، وإدراكًا منها بأهمية السعي نحو عصر التكنولوجيا. وتعد دار المحفوظات العمومية حاليا واحدة من أهم وأغني أوعية الوثائق بمصر؛ فهي تحتوي علي كم هائل من الوثائق والملفات التي تتنوع وتختلف لتغطي جميع أنشطة الكيان الرسمي للدولة. وتُقدر محتويات دار المحفوظات العمومية بما يقارب ثلاثة مليارات ورقة، وهي بذلك تعتبر من أهم مصادر البيانات والمعلومات لكل فئات المجتمع؛ سواء المواطن العادي أو للباحثين أو الجهات الرسمية بالدولة، كما أنها تحوي كمًا هائلاً من الوثائق التاريخية. ويهدف مشروع مكتبة الإسكندرية إلي رقمنة مجموعة مختارة من وثائق وملفات ودفاتر الدار، وذلك باستخدام أحدث التكنولوجيات المتاحة للتوثيق الرقمي، واعتمادًا علي خبرة المكتبة في تنفيذ مشروعات في هذا المجال. وتم تجهيز معمل تقني علي أعلي مستوي يضم أحدث الأجهزة في أرشفة وحفظ الوثائق القديمة في دار المحفوطات العمومية من أجل تنفيذ المشروع. وينفّذ مشروع التوثيق في إطار ثلاثة محاور رئيسية؛ وهي:إعادة فرز وتصنيف محتويات الدار لتحديد الوثائق والملفات ذات الأهمية القصوي والتي ينبغي البدء برقمنتها وذلك لتحديد أولويات المشروع وتنظيم العمل، والتجهيز المناسب لإعداد مجموعة منتقاة من وثائق ومقتنيات الدار لتكون نواة لمتحف وثائق يتم تأسيسه داخل مبني الدار القديمة لعرض نماذج من درر الدار من الوثائق والمستندات مع عرض لطرق الحفظ بالدار باعتبارها ثاني أقدم دار محفوظات في العالم، وأخيرًا الانطلاق نحو المشروع القومي لرقمنة جميع وثائق الدار وذلك بعد تحديد أولويات العمل بالدار وكذلك بعد الانتهاء من تجهيز بيئة مناسبة للمشروع داخل الدار. ويهدف مشروع المكتبة، بالإضافة لتلك المحاور الثلاثة الرئيسية، إلي تدريب عدد من العاملين بالدار، وذلك من خلال برنامج تدريب خاص لتأهيلهم للتعامل مع مشروع الأرشفة الرقمية، بهدف خلق كوادر من داخل الدار يمكنها دفع المشروع والمساعدة علي استمراره وتواصله. وتعمل المكتبة علي توثيق عدد من الوثائق التاريخية من خلال المشروع، حيث تضم دار المحفوظات العمومية كماً هائلاً من تلك الوثائق؛ ومنها وثائق وزارة الداخلية؛ التي تضم دفاتر عتق الرقيق ودفاتر قيد العربان، وسجلات أحوال العمد والمشايخ وغيرها. وتتضمن الوثائق أيضًا دفاتر مكلفات الأطيان وكل ما يخص الأرض الزراعية، والعقارات، وما طرأ عليها من تغيرات، منذ أن كان الفلاح المصري مكلفاً وليس مخيراً في زراعة أرضه. وتعتبر ملفات خدمة الموظفين من أهم المجموعات المحفوظة بالدار، وتقدر بحوالي 90 ألف ملف، وتتباين أهميتها بأهمية الشخص صاحب الملف، وتعد تلك الملفات من أهم وثائق الدار حيث يتضمن كل ملف تاريخ حياة الموظف صاحب الملف وكل ما يتعلق بالوظائف التي شغلها خلال حياته وما ربط له أو لورثته من بعده من معاش. ويوجد من بين تلك الملفات ملف خدمة الإمام محمد عبده وسعد زغلول وطلعت حرب ومصطفي النحاس والدكتور طه حسين ومكرم عبيد ونبوية موسي والسير إلدون جورست، والمسيو ماسبيرو، وغيرهم. ويمكن تقدير عدد باقي ملفات ووثائق الدار بحوالي 70 نوعا من أنواع الملفات، وهي تغطي جميع وزارات ومصالح الحكومة. وتضم الدار مجموعة أخري من الوثائق المهمة مثل دفاتر الطب الشرعي وأوراق الكتاتيب وأوراق الجبايات، وأوراق السيرك، ودفاتر رخص الموسيقي والغناء. ويوجد بدار المحفوظات مجموعة التقاسيط الديوانية، تتضمن 99 دفترًا تحت عنوان: دفاتر قيد التقاسيط والأبعديات ودفاتر تقاسيط الأباعد العشورية، وهي وحدة فرعية من الوحدات المكونة لموضوع الرزق التابع للمتكاملة الأرشيفية المسماة (ديوان الروزنامة)، وتشمل هذه الدفاتر التاريخية من سنة 1245 إلي 1298 ه/ من سنة 1829 إلي 1881م. وتضم الدار دفاتر حصر بصمة الأختام، وهي مجموعة من الدفاتر تحصر بصمات الأختام منعًا للتزوير، ويتكون كل دفتر من صفحات مسجل بها اسم صاحب الختم وجنسيته ومحل إقامته ومهنته أو صناعته وبصمة الختم الخاص به وشهادة الشهود وإمضاءاتهم. وهناك أيضًا كشوفات الجيش السنوية، وهي عبارة عن كشوفات لتوزيع الضباط الموجودين بالخدمة العسكرية والمحالين للاستيداع، وأسماء الضباط الحائزين علي نياشين، وتفيد تلك الكشوف في التعرف علي قيادات الجيش المصري ورتبهم (مثل: الأميرالاي والقائمقام والبكباشي واليوزباشي والصاغ قول أغاسي والصاغ والقومندان والملازم والملازم أول) وتشكيلات القوات (مثل: الهجانة والسواري والبيادة والموسيقي والطوبجية وإدارة الاشغال) وأماكن توزيعهم. وتحتوي دار المحفوظات علي عدد آخر من الوثائق، منها: الرخص، وتذاكر البدلية، ودفاتر التاريع، ودفاتر السركي (السراكي)، ودفاتر الموصي عليه، ودفاتر تعداد النفوس. ويوجد بالدار مكتبة تجمع الدكريتات (المراسيم) وقرارات مجلس الوزراء، وأعداد من الوقائع المصرية (الجريدة الرسمية)؛ تبدأ من سنة 1885 م، وقوانين الدولة واللوائح، واتفاقيات السفراء بوزارة الخارجية، وميزانية الدولة، والحسابات الختامية، والإحصاء السنوي العام للقطن المصري يبدأ من سنة 1911، والمعاهدات بين مصر وبعض الدول الأجنبية، وقانون البوليس المصري القديم، والدليل الجغرافي للقطن المصري، وقوانين الدولة واللوائح. وتضم المكتبة مؤلفات في العلوم والآداب والتاريخ بالملفات العربية والتركية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية، ويبلغ عددها ما يزيد علي سبعة آلاف مجلد، ومنها مؤلفات للأمير عمر طوسون وأمين باشا سامي وأحمد باشا شفيق وعبد الرحمن بك الرافعي وعبده حسن الزيات، وغيرهم، مهداة منهم مقابل استعانتهم في بحوثهم بما استقوه من معلومات من مؤلفات المكتبة ومحتويات الدار.