الرئيس السيسي: ثورة 30 يونيو ملحمة وطنية سطّرها أبناء مصر (فيديو)    بأنشطة تفاعلية وتكريم للمتفوقين.. طلاب العلاج الطبيعي بجامعة قناة السويس يحتفلون بنهاية العام    تنسيق الثانوية العامة في الجيزة لطلاب الشهادة الإعدادية 2025 (صناعي وفني وتجاري وزراعي)    في ذكرى 30 يونيو.. تكريم أسر الشهداء بقصر ثقافة القناطر الخيرية بحضور محافظي القليوبية والقاهرة    «التضامن» تقر توفيق أوضاع 3 جمعيات في القاهرة والقليوبية    سعر الذهب اليوم الاثنين 30-6-2025 وعيار 21 الآن بمنتصف التعاملات محليًا وعالميًا    «السيارات والملابس في الصدارة».. أكثر القطاعات نموًا خلال الربع الثالث من العام المالي الجاري (انفوجراف)    أسعار الخضروات اليوم الاثنين 30 يونيو 2025 في أسواق الأقصر    النائب شريف هلال يرفض تعديلات الإيجار القديم: على أي أساس حُددت الفترة الانتقالية؟    جمعية الخبراء: تعديلات القيمة المضافة تساهم في علاج التشوهات وتوسيع القاعدة الضريبية    كونتكت تحصل على رخصة التكنولوجيا المالية للوصول بخدماتها لجميع شرائح المجتمع    ترامب: لا أعرض شيئا على إيران.. وطهران: تغير مواقفه بشأن العقوبات «ألاعيب» (تقرير)    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى وآخرون يهاجمون قرية شمال أريحا    لليوم ال160.. الاحتلال يواصل انتهاكاته فى الضفة الغربية    الرئيس السيسي يستقبل القائد العام للجيش الوطني الليبي    وزير الخارجية يستعرض جهود مصر لاستئناف وقف إطلاق النار فى قطاع غزة    وزير الخارجية الإسرائيلي: لا تنازل عن الجولان.. وإقامة الدولة الفلسطينية تهدد أمننا    الرئيس السيسي: لا سلام في الشرق الأوسط دون دولة فلسطينية على حدود 1967    إنزاجي يسعى لتحقيق أول انتصاراته على السيتي بثمن نهائي المونديال    «نحترم الجميع ولكن!».. عمر مرموش يتحدث عن مواجهة الهلال ومانشستر سيتي    مرموش يتحدث عن تحديات مانشستر سيتي في كأس العالم للأندية قبل مواجهة الهلال السعودي    السفير المصري بالمجر يزور بعثة الخماسي الحديث ويحتفل معهم بالإنجاز العالمي    وزير الرياضة: الأندية الشعبية تحظى بالدعم.. والقانون الجديد يشجع الاستثمار    نتيجة الصف الثالث الإعدادي 2025 في محافظة قنا الترم الثاني بنسبة 68%.. استعلم الآن    بيان مهم يكشف حالة الطقس اليوم ودرجات الحرارة المتوقعة غداً الثلاثاء (شديدة الحرارة)    إخماد حريق ب كشك في الفيوم.. والتحريات: بسبب ماس كهربائي    مصرع فتاة وإصابة 17 آخرين فى حادث انقلاب سيارة ميكروباص بصحراوى البحيرة    ضبط شخص لممارسته أعمال الدجل والنصب على المواطنين بالقليوبية    حملات مرورية لرصد المخالفات بمحاور القاهرة والجيزة    عرض سائق السيارة المتسبب فى حادث الطريق الإقليمى بالمنوفية لتجديد حبسه    انطلاق عرض «الملك لير» ل يحيى الفخراني 8 يوليو على المسرح القومي    آسر ياسين يكشف تفاصيل ارتباطه بزوجته: «حماتي قالت عليا بتهته في الكلام»    ذكرى ثورة 30 يونيو| الفن بين التوعية والتوثيق.. السينما ميدان المواجهة والوعي    30 يونيو.. ثورة حقيقية لحماية الهوية المصرية    حكم صيام يوم عاشوراء وفضله العظيم وعلاقته بتكفير الكبائر    وزير الصحة: 300 مستشفى تستقبل مصابي غزة للعلاج في مصر وأوجه الشكر للأطقم الطبية    «الصحة» تعلن حصول 22 منشأة رعاية أولية على الاعتماد    «الرعاية الصحية» تٌقر انطلاق المرحلة الثانية للتأمين الشامل من مطروح سبتمبر المقبل وتعتمد قرارات جديدة    "القومي للبحوث": شرب المياه بطريقة صحية في الصيف لا يقل أهمية عن اتباع نظام غذائي متوازن    محافظ الدقهلية في جولة صباحية بالمنصورة وسلامون القماش لمتابعة مستوي الخدمات    سر تصدر آسر ياسين للتريند.. تفاصيل    "فاضل كام يوم وتعرفوا الخطة".. عمرو يوسف يروج لفيلمه الجديد "درويش"    الرئيس السيسي يستقبل وزير الدفاع    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 38-6-2025 في محافظة قنا    ضبط عناصر بؤر إجرامية بحوزتهم مواد مخدرة بقيمة 44 مليون جنيه    إسرائيل تعلن رفع أسعار البنزين للشهر الثاني على التوالي تحت ضغط الحرب    معاش شهري بدون عمل| رسميًا من التأمينات "اعرف الشروط والأوراق"    كريم رمزي يكشف عن مصير شيكابالا النهائي مع الزمالك    محافظ المنوفية يزور مصابي حادث الإقليمي للمرة الثانية خلال 48 ساعة: أنا تحت أمركم    الصور الأولى من عقد قران حفيد الزعيم عادل إمام    مجدي الجلاد: الهندسة الانتخابية الحالية تمنع ظهور أحزاب معارضة قوية    اتحاد الكرة: ننتظر موقف الشركة الراعية من مكان السوبر ولا نمانع إقامته في مصر    4 أبراج «سابقة عصرها»: مبتكرون يفكرون خارج الصندوق وشغوفون بالمغامرة والاكتشاف    قناة الأهلي تكشف حقيقة العروض الأوروبية لزيزو    مرصد الأزهر يحذر الطلاب من الاستسلام للأفكار السلبية خلال الامتحانات: حياتكم غالية    هل النمل في البيت من علامات الحسد؟.. أمين الفتوى يجيب    كيف أصلي الصلوات الفائتة في نهاية اليوم؟.. أمين الفتوى يجيب    ما هو حق الطريق؟.. أسامة الجندي يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«بابل الشعر».. رؤية عبدالمعطي حجازي للشعر العالمي
نشر في القاهرة يوم 26 - 04 - 2011


جمع الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي مجموعة من الدراسات والمقالات والقصائد المترجمة التي قام بها خلال السنوات الأخيرة لتصدر في كتاب بعنوان «بابل الشعر» وهو عنوان يوحي باستعارة تعبير برج بابل الذي اختلطت فيه اللغات البشرية المختلفة وهو يقصد اجتماع عدد من الأعمال الشعرية المترجمة من الآداب المختلفة في هذا الكتاب حيث يقول «بابل إذن هي مدينة الألسنة المتعددة المختلفة لكن شعراء العالم يستطيعون مع ذلك أن يسكنوها وأن يتلاقوا فيها ويجتمعوا ولأن ألسنتهم وإن اختلفت فلغتهم واحدة، لقد عقد الجزء الأول من كتابه للحديث عن شعراء الإسكندرية الكبار العالميين وهم قسطنطين كافافيس وجوزيف أو نجاريتي وفليب مارينيتي فالشاعر كافافيس يقودنا إلي الإسكندرية عبر شعره لأن شعره في الحقيقة هو رحلة في الإسكندرية الإسكندرية المرئية واللا مرئية مدينة الحلم واليقظة، الحاضر والماضي، رحلة استغرقت سبعين عاما هي عمر الشاعر وهي علاقة أليمة بقدر ما كانت حميمة قاهرة وهو يعترف بذلك اعترافا يمتزج فيه الألم بالراحة، الألم الناتج عن الاقرار بالضعف والراحة الناتجة عن الاستسلام ولقد حدثته نفسه بأن يرحل إلي أرض أخري فوق بحر آخر، كما يقول في قصيدته «المدينة» لكن محاولته كانت تبوء دائما بالفشل إذ يدرك أن الإسكندرية ليست خيارا بل هي قدر لا يملك معه إلا أن يقول لنفسه في هذه القصيدة، لكنك لن تري من هذا العالم الجديد برا ولا بحرا ولسوف تتبعك المدينة في هذه الشوارع نفسها ستتسكع، وفي هذه الأحياء نفسها ستهرم وتحت هذه السقوق سيبيض شعرك وإلي هذه المدينة ستنتهي دائما خطاك، إن أسلوب الشاعر حجازي في هذا الكتاب يجمع بين اللغة الشعرية المتوهجة بالنور والاشراق والدلالة علي أفق واسع من المعرفة الفلسفية والتاريخية والفنية وهي ثقافة واضحة اتضحت في نثره وشعره بعد رحلته الباريسية الطويلة وعلاقته الوثيقة باللغة الفرنسية والآداب الأوروبية في اللغات المختلفة، أما الشاعر الإيطالي أونجاريتي فقد ولد في الإسكندرية في عام 1888 وعاش فيها عشرين عاماً من عمره قبل أن يغادرها إلي باريس لينشر قصائده الأولي في مجلات المستقبليين باللغة الإيطالية ويتصل بعدد من الشعراء والفنانين الفرنسيين والأجانب الطليعين كابو للنير ومارينيتي. أونجاريتي وقد عرف عميد الأدب العربي طه حسين هذا الشاعر وقال عن أونجاريتي «عرفت أونجاريني منذ خمسة عشر عاما، كان ذلك في «فينيسيا» استرعي انتباهي بسرعة الجانب النبوئي فيه، صوته كأنه سيل يجرف الحصي، ويعلن نهاية العالم هذا الإيطالي المولود في مصر متوسطي في الجوهر يجعلني احلم بالشعراء العرب هؤلاء المغامرين الصحراويين العظام ذوي الأرواح التي كانت تصارع نفسها علي الدوام لتحترق أكثر ولتبني لنا صروحا علي هذا ما قاله لي هو نفسه «إنني اتقوس كبدوي لاستقبل الشمس ومن هذه الشمس التي استقبلها أونجاريني بحس ونحن نقرأه حرقة الحقيقة يقول أونجاريتي عن الإسكندرية وشمها «أعرف مدينة تمتلئ كل يوم بالشمس، كل ما فيها إذن مغتصب ذات مساء دخلتها كانت الحشرات نثرثر في قلبها بدأب من السفينة المدهونة بالأبيض اللماع رأيت مدينتي تختفي تاركة للحظة واحدة عناقا من النور معلقا في الهواء المضطرب»، أما فيليب توماس مارينيتي فقد ولد في ديسمبر من عام 1876 في الإسكندرية وقد تلقي تعليمه في المدارس الفرنسية التي كانت تعلم أبناء الجالية الفرنسية في المدينة ومن هنا كان اتصاله بالثقافة الفرنسية في الوقت التي تلقي فيه ثقافته الإيطالية علي يدي والدته التي كانت تتقن اللغتين الفرنسية والإيطالية، كانت أمه تلقنه منذ نعومة أظفاره أعمال دانتي ولبوباردي بلغتها القومية كذلك أعمال جان جاك روسو وبودلير باللغة الفرنسية، ويقول حجازي إنه ليس في أثار مارينيتي أو في اخباره ما يشير إلي اتصاله بالثقافة العربية التي عاش في ظلالها طفولته ومطلع شبابه ويشير الباحث والمترجم والشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي إلي نموذج من شعره وهو قصيدة «بابل الحلم» وهي التي نشرها مارينيتي في مجموعته الشعرية الثانية التي صدرت بعنوان «تخريب» حيث يقدم لنا صورة أخري تعود بنا إلي الإسكندرية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر أي في الوقت الذي أخذ فيه المهاجرون الأوروبيون يتدفقون علي هذا الميناء الشرقي المهجور ويحولونه إلي مدينة كبري تحقق الحلم الذي راود خيال المفكرين والشعراء، المدينة الجامعة أو المجتمع العالمي المفتوح الذي يتسع لكل الأجناس واللغات ويرمز له «برج بابل» لقد استلهم الشاعر مارينيتي أسطورة برج بابل وهو يتحدث عن الإسكندرية في هذه القصيدة التي يقول فيها «الأصائل ذات المخالب الذهبية، والأعراف المشتعلة، الاصائل المقمعية علي عتبة الأفق بقوائمها الشقراء الممدودة كأنها أسود مزقت جسدي المراهق زمنا طويلا، إنه أنت أيها البحر الشفقي الذي منحني حياة من غثيان لاذع وحزين لا ينتهي وها أنا، إذ أتامل مليا صورتك في صباي أترنح في رائحتك ثملا بالقنوط أمسيات. هناك في افريقيا الساحرة، لقاءات فيها علي شواطئك الكئيبة، كلنا قطعان من تلاميذ الكوليج المقطبين يسحبون أقدامهم بوداعة، في حرس صارم من كهشان تسربلوا بالسواد، ايتها الرسوم المدادية التي كانت تبقع الحرير الأصيل في سماء شرقية صاحية، وكنت تقبل علينا بتكاسل أيها البحر الشهواني، غضاً أخضر نصف عار تسير في كشكشات الزبد، لتجفف أقدامك البيضاء فوق الرمل تنقلها في مكانك مغيظا كطفل همجي كنت تعاند المساء الجميل المتباطئ المساء الجميل عاشقك الذي يزخرف وجنتيك وكنت تقذف عاليا حتي ألمت من طياتك وتجويفاتك وسطوح موجاتك، كنت تقذف نجومنا وأحلامنا، بالخرز الطري الذي يجيئنا من الشرق، لقد سكر قلبي بهدير اللآلئ التي تظل يدك تدفعها إلي تجاويف الصخور، انتخب قلبي بين أصابعك الملتهبة كفيشارة شيطانية، أراخت المداعبات أوتارها المشدودة فانخرطت فجأة في ضحكات مؤثرة قلبي. لقد طويته في جدائلك الغجرية، قلبي لقد سحبته، لاهثا علي أمواجك المزبدة المسننة كأنها منشار من فضة"، تعد هذه المقطوعة نموذجا ساطعا علي قدرة أحمد عبدالمعطي حجازي علي ترجمة الشعر حيث نري لغة دقيقة بالغة الدلالة علي الصورالشعرية التي أبدعها الشاعر والبنية الفنية المكثفة التي حاول من خلالها رسم لوحة نادرة لصورة البحر، بذبذباته الرقيقة وأمواجه كأنه صورة حية لوجدان الشاعر وقلبه وروحه، لقد تحدث الشاعر بعد ذلك عن واحد من أهم شعراء أوروبا في القرن العشرين هو ريتر مارياريلكه الذي ولد في عام 1875 وزار مصر في عام 1911 ويري حجازي أن ريلكه قد أعطي قدرا هائلا من شعره وفكره لمصر، حيث يقول عن ابي الهول «في نور القمر يتجلي ذلك السادن الأبدي الذي يحرس كل شيء توأم السادن القابع قرب النيل، أبي الهول النبيل، المهمة الملكية التي حددت بصمت وإلي الأبد ملامح البشر بمقاييس النجوم «لقد أشار المؤلف إلي القصائد التي أبدعها ريكله والتي ترجمها عدد كبير من المترجمين إلي اللغة العربية ومنهم فؤاد رفقة وعبدالرحمن بدوي وعبدالغفار مكاوي وبديع حقي ثم تحدث الشاعر حجازي بعد ذلك عن الشاعرين والتي ويتمان وماياكسو فسكي ثم عقد فصلا مهما عن الشعر الفرنسي الحديث وهناك بعض القصائد من هذا الشعر نقله المؤلف بجدارة إلي اللغة العربية رغم صعوبة ترجمة هذا الشعر بسبب الطبيعة التجريدية والميتافيزيقية لهذا الشعر ومن أهم فصول هذا الكتاب الفصل الخاص بالشاعر الفرنسي «رينيه شار» الذي ولد في عام 1907 يقول حجازي «لا نستطيع أن تقرأ رينه شار». الحرية إختياراً ومن دون أن نتمثل أفكاره، فهذا الشاعر الذي منح نفسه وجسده لبلاده لا يكتب شعرا سهلا، والواقع أن انخراطه في المقاومة ضد الألمان لم يكن نوعا من الوطنية السهلة بل كان حرية واختياراً ومجابهة للموت، كان التزاما بالأفكار ذاتها التي يدور حولها شعره ومن هنا رفضه للمساومة وكراهيته للابتذال، إنه لا يسعي إلي ارضاء أحد بل يحاول فقط أن يحقق ذاته لقد جاء هذا الكتاب «بابل الشعر» للشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي حصاداً ثريا لخبرة وتجربة هذا الشاعر في ممارسة الكتابة الشعرية وكذلك تعبيرا عن القدرة الواضحة والتمكن النادر من اللغتين الفرنسية والعربية والكتاب يشمل المتعة الأدبية والرؤي الفنية والفكرية العميقة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.