والمركز هو أول منارة إشعاع حضاري في قرية مصرية تنشئها جماعة من أصدقاء بهاء في قرية بأسيوط، ليقدم من خلاله 15 نشاطاً ثقافياً وتنويرياً وإبداعياً وتعليمياً، بهدف تكريم ودعم تراث فكري واسع ينتمي إليه الأستاذ أحمد بهاء الدين كما ينتمي إليه غيره، ولإتاحة الفرصة للشباب لمواصلة ذات المسيرة الفكرية، وهو ما يوافق رؤية صاحبه "بهاء" لضرورة النظر للأمام وتجنب التوقف عند لحظة تاريخية معينة. مركز أحمد بهاء الدين يحقق أفكار بهاء وقيمه ورؤيته للحياة يجيب عن تساؤلنا محمود عبد الحميد مدير عام جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين قائلاً حول ترسيخ أفكار وقيم بهاء في مركزه في ارتباط أنشطة المركز بالمجتمع في إطار ما نادي به بهاء من ضرورة أن يكون الفن للحياة وليس للفن ذاته، بالإضافة لتحقيقه نموذجاً لمطالبات بهاء لحقوق المجتمعات المهمشة كالأرياف في أن تنال حقها من الخدمات يما يعود بأثره علي اكتشاف مواهب إبداعية في الفنون ولعل فيها ما يعزي فقدنا لبهاء وغيره من المفكرين العظام، خاصة ومعاناة قريته من تهميش الخدمات لكونها من قري مراكز أطراف المحافظات، فقرية الدوير بمركز صدفا تقع علي بعد 61 كم جنوب مدينة أسيوط وتبعد 45 كم شمال مدينة سوهاج. موضحاً أن المركز يساهم كذلك في بلورة الحوار الحضاري مع الدول العربية عبر أنشطة ثقافية مشتركة كتزكية للنزعة القومية لأحمد بهاء الدين وهو ما يسير متسقاً مع احتضان المركز لأول مكتبة متخصصة في القضية الفلسطينية باعتبارها الجرح الغائر في القومية، وللإيمان بضرورة وجود أجيال جديدة تؤمن بالقضية وتتعرف علي مخاطر العدو الصهيوني تجاه أمتنا العربية. ويضيف محمود حول ارتباط المركز برؤية بهاء عبر نشاطه في حماية التراث وإحيائه كهدف لتأكيد الهوية وهو ما نادي به بهاء لمقاومة الهيمنة الثقافية، ومطالبته بنشر النشاط الفكري والتنويري لتنمية البشر صانعي الحضارات، فالتنمية في حد ذاتها تعتمد علي قيم الشعوب وثقافاتها، مثل تقديس الوقت والعمل والتعاون والشفافية، أو بدعم حقوق الأقليات، وهو ما يصنع الحضارات. لماذا إنشاء مركز أحمد بهاء الدين الثقافي في قرية وليس مدينة؟ يوضح الأديب حمدي سعيد المدير التنفيذي للمركز أن إنشاء المركز في قرية يمثل تحديات كبيرة علي عناصر التشغيل نظراً للطبيعة الثقافية التي تفرضها ظروف الفقر والبيئة القروية خاصة بالصعيد وما يرتبط بذلك من ضعف الإقبال والاهتمام الثقافي، ولكن مما لا شك فيه أن أسباباً كثيرة تقف وراء إصرار جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين علي إنشائه في قرية لإيمان الجمعية بوجهة نظر بهاء في ضرورة ألا تستحوذ المدن علي كل الخدمات ومحاربة تهميش القري والعشوائيات لتعاظم ذلك مع احتياج أهالي هذه المناطق للخدمات الثقافية، لذلك فالجمعية رفضت العرض السخي للدكتور رجاء الطحلاوي محافظ أسيوط الاسبق بمنحها بدون مقابل أرضاً في مدينة أسيوط لإنشاء المركز الثقافي، وكان ذلك منذ بدء الفكرة أي من 11 عاماً سابقة. ويضيف حمدي أن المركز يكتشف 100 مبدع وأديب سنوياً من بين آلاف المتقدمين للمسابقات الثقافية التي عقدت عبر 6 أعوام متتالية وضمت 11 مجالاً إبداعياً للتنافس وفق مختلف الأعمار (الأطفال والشباب) وذلك في الآداب والفنون التشكيلية والموسيقية والأبحاث التنموية والإعلام والقرآن الكريم، ومما أسعد الجمعية أن بعض من هذه المواهب المكتشفة استطاعت أن تحصد فيما بعد المراكز الأولي بمسابقات ثقافية دولية وعلي مستوي الوطن العربي. 150 طفلاً يرعاهم المركز في القري والنجوع ويشير علاء سلام إلي سبب آخر لإقامة المركز بالقرية يتمثل في رسوخ المشاكل التنموية بها والمتأثرة بتغيب الثقافة والوعي المعرفي، لعدم إيمان الأهالي بأهمية الثقافة وعدم اكتشاف مهاراتهم وإبداعاتهم، وبالتالي فقدان احتياجهم وإحساسهم بالثقافة، موضحاً أنه في بداية العمل الثقافي للجمعية بقري الصعيد منذ 10 سنوات لم يكن هناك إقبال أو تفهم من أهالي الريف لدرجة عدم مشاركة سوي 90 طالبا و10 فتيات في 11 مسابقة ثقافية متنوعة ولكن بمرور الوقت أصبح عدد المشاركين يتجاوز 3 آلاف مشارك سنوياً منهم 1600 فتاة في المسابقات الثقافية ذاتها، وليس ذلك فحسب فقد بدأ الأهالي يعرفون أهمية الثقافة في تنمية شخصية أبنائهم وتأثيرها علي قدراتهم العقلية في العمل والدراسة، مما دعا الجمعية لإقامة 35 مسرح عرائس متنقل للقضايا المجتمعية يجوب القري و45 ورشة عمل للقضايا المجتمعية و35 دورة تدريبية للتنمية البشرية واللغات والحاسب، و150 ندوة ومحاضرة وملتقي ثقافي، بالإضافة ل 5 مسابقات رئيسية يضم كل منها 11 مسابقة فرعية بجوائز تتجاوز 100 ألف جنيه فضلاً عن مسابقة شباب الكتاب بجوائز 50 ألف جنيه سنوياً، و75 يوما ثقافيا، وهو ما لاقي نجاحاً وإقبالاً هائلاً، خاصة وافتقار المنطقة من الخدمات الثقافية، وتنامي تأثير هذه الخدمات الملموس علي الأطفال والشباب والأهالي. كيفية أداء المركز لدوره التنويري 3500 مستفيد من أنشطة المركز في الثلاثة أشهر الأولي يقول أحمد راشد عضو اتحاد الكتاب ومسئول النشاط الثقافي بمركز أحمد بهاء الدين الثقافي فيما يخص مركز أحمد بهاء الدين فبرغم مرور شهر واحد علي افتتاح المركز في أواخر شهر يناير الماضي إلا أنه أستطاع جذب أكثر من 3500 زائر مستفيد من طلبة المدارس والجامعات والباحثين والشباب راغبي المعرفة والثقافة، وفي خلال هذه الفترة الوجيزة أيضاً تم تنفيذ عدة أنشطة ثقافية كعدد 7 ملتقيات ثقافية و9 عروض مسرح عرائس و3 دورات للتنمية البشرية والحاسب و4 محاضرات وندوات ثقافية. يضيف أحمد راشد أن أحد أهم أوجه عمل المركز الثقافي هو جذب فئات جديدة من الشباب غير المهتم بالثقافة لذلك قامت الجمعية بإصدار عدة أسطوانات إلكترونية ثقافية ومعرفية تلائم طبيعة الشباب وسهولة البحث عن المعرفة، ومنها إسطوانة الأعمال الكاملة لأحمد بهاء الدين والتي تضم الاسطوانة 7600 مقالة و40 كتاباً، واسطوانة الأعمال الكاملة للدكتور إسماعيل صبري عبد الله. أما رحمة تمام مسئولة تدريب الإعلام فتقول إنها تكتشف يومياً مواهب وإبداعات من أطفال القري في الصحافة والإذاعة وهو ما يجدد الأمل في أن نجد بهاء آخر وغيره من الكتاب والمفكرين العظام. وتضيف كريمة علاء مسئولة المكتبات أن بالمركز 3 مكتبات إحداها متخصصة في القضية الفلسطينية والأخري الخاصة بأحمد بهاء الدين، موضحة أنه جاري إنشاء 3 مكتبات أخري للطفل وأخري بحثية وأخري لأمهات الكتب، مشيرة إلي أنه يجري حالياً التعاون مع قسم الوثائق والمكتبات بكلية الآداب بجامعة أسيوط لإتاحة تصنيفات المكتبات بشبكة الإنترنت مسرحيات تعالج المشكلات الاجتماعية يضيف المخرج المسرحي شعبان كامل عضو اتحاد الكتاب ومسئول النشاط المسرحي بمركز أحمد بهاء الدين أن عنصراً مهما لكيفية أداء المركز لدوره التنويري يكمن في كون جميع المسرحيات التمثيلية ومسرح العرائس التي ينفذها المركز الثقافي تقوم بمعالجة المشكلات والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للصعيد وخاصة بالقري، بأسلوب ولغة تلائم المتلقي، وتساير أفكاره وقيمه، وهو ما يترجم ما نادي به أحمد بهاء الدين في أن الأدب ليس لذاته بل للحياة أي لخدمة الحياة البشرية، وفق رؤية استخلاف الله للإنسان في الأرض. الفن التشكيلي وإنتاج جمالي يحاكي الريف وتتحدث الدكتورة صفاء كامل (دكتوراة في الفنون التشكيلية) ومستشار الفن التشكيلي بمركز أحمد بهاء الدين الثقافي عن كيفية أداء المركز لدوره التنويري قائلة إن الناس في القري قد لا تتفهم الفنون التشكيلية وكيفية قراءة اللوحات التجريدية والتعبيرية أو النحت الرمزي، ولكن بمرور الوقت تفهم الكثيرون كيفية تذوق الفنون واستشعار متعة وأهمية وجودها الذي يدعم من وجود الجمال ونشره والمحافظة عليه، خاصة عندما يتلائم مع بيئتهم الطبيعية وواقعهم الحياتي، ونقوم حالياً بإنتاج العديد من الأعمال التي تحاكي طبيعة الريف مثل أبراج حمام جمالية المنظر بخامات البيئة الريفية، فضلاً عن استخدام مخلفات الزراعة مثل البوص والطمي في تصنيع أشكال جمالية ومجسمات، بالإضافة لتعليم ذلك لأطفال وشباب القري، وهو ما يحاكي رؤية أحمد بهاء الدين بأن الفن لابد أن يرتبط بواقع الهوية الذاتية للمواطنين ويلبي احتياجاتهم. رؤية مستنيرة لوحدة البحوث والرأي العام ويضيف الباحث أحمد عبد المتجلي بأقليم وسط وجنوب الصعيد الثقافي ومسئول وحدة البحوث بالمركز الثقافي عن الوحدة ومعالجة القضايا المجتمعية بأسلوب علمي، بالقيام بإجراء ندوات وورش بحثية ومسوحات ميدانية حول مشكلات تهم البيئة المحلية بالصعيد، ومن خلال إثارة حالة من الحراك الثقافي والاجتماعي مع الخبراء حول أهم المشكلات ورصدها وتحليلها لتتوصل لحلول واقعية لها. مشيراً إلي دور الوحدة كذلك في قياس واستطلاع رأي المترددين علي المركز والممارسين لأنشطته، لمعرفة مستوي المنتج الثقافي للمركز عبر استمارة توزع علي المشاركين في كل نشاط، بالإضافة لسعي وحدة الدراسات والبحوث - كمرحلة أولي - لعقد لقاء شهري بإجمالي 12 لقاء سنوياً عن أبرز هموم المحافظة، حيث تعد أسيوط الأعلي بين محافظات مصر في معدلات الفقر والأمية ووفيات الأطفال الرضع وإصابات حوادث الطرق، مضيفاً أن الوحدة ستقوم بإنتاج 3 أبحاث عن 3 موضوعات مختارة وإصدار دورية فصلية كل 6 شهور تعني بقضايا التنمية في أسيوط، وذلك من منطلق دور المركز في نشر الثقافة بمفهومها الحقيقي، فالثقافة لا قيمة لها إلا إذا كشفت الفارق بين الواقع كما هو كائن، وبين ضرورة تغيير هذا الواقع إلي الأفضل، أي إلي ما يجب أن يكون. وحدة اللغات وفق أرقي الهيئات الدولية ويقول محمد شافع مسئول وحدة اللغات بأنه بينما تمثل البطالة مشكلة عاصية لدي الشباب فإن الحصول علي تدريبات متقدمة في اللغة والحاسب مقوماً رئيسياً في الحصول علي فرص العمل، ويتم حالياً تصنيف المتقدمين حسب مستوياتهم، ورغباتهم تمهيداً لوضع برامج تلبي هذه الرغبات، مع مراعاة التكوين الثقافي للقرية بحيث تحصل الفتيات علي دورات في مواعيد تناسب ظروفهن وبشكل منفرد بخلاف دورات البنين، وذلك وفق مناهج لغوية متقدمة معتمدة من أرقي الهيئات الدولية في مجال اللغات، ويقدمها مدربون مؤهلون ومحترفون وفق آليات حديثة ومتنوعة كوحدات النطق والاستماع والاتصال الإلكتروني المنطوق، فمعمل اللغة يهدف تيسير التواصل مع مختلف شعوب العالم وحضاراته، فاللغة تخلق كيانا معرفيا عالميا راقيا ومتميزا يتشاطر فيه وينهل منه الجميع ، انه مجتمع معرفي ضخم بمقدور أي فرد أو جماعة الدخول عليه في أي وقت شاء وفي أي بقعة في العالم كان، لأنه ببساطة هو أو هم جزء من هذا العالم. بينما تضيف كريمة مختار "22 سنة" عضو بالمركز أنها تقيم بمركز البداري وتقوم بقطع مسافة 85 كم من أجل الاستمتاع بإفادة الأطفال وتنمية قدراتهم الذاتية، قائلة إنه لا يستشعر أحد كم اللذة التي نستشعرها مع نمو الأطفال المعرفي واتساع مداركهم الثقافية، مؤكدة أن عنصر جذب المتطوعين يتركز في عدم البيروقراطية وإحساس كل منا بأن المركز هو موقعه وبيته الثاني، فيفعل فيه ما يشاء كيفما يشاء ما دام يتسق مع أهدافه، فلا حدود لطاقاتنا وأفكارنا. من تجارب المتطوعين يوضح محمود يحيي متطوع أن نجاح المركز في جذبه 120 متطوعاً عشقوا الحلم العربي من خلال مبادئ بهاء في القومية والحضارة والانتماء للوطن ومحاربة التهميش بالقري، وهؤلاء المتطوعين يتواجدون الآن بشكل يومي حسب وقت فراغهم وقدراتهم ومجالاتهم، مضيفاً أن الجمعية نفذت 350 يوم عمل تطوعي علي مدار 7 سنوات منها 75 يوماً ثقافياً في المدارس ومراكز الشباب وقصور الثقافة. وأخيراً، فإن مركز أحمد بهاء الدين يظهر كنموذج حضاري لترسيخ الأفكار والقيم التي نادي بها صاحبه، فهل تتكرر الفكرة في قري أخري؟