تقديم ونبذة تاريخية بقلم المترجم: نشرت مجلة الإيكونوميست اللندنية العريقة هذا التقرير الموجز عن جائزة البوكر العربية في 24 مارس 2011 وهو بقلم مراسلها في أبوظبي ولم تذكر اسمه كعادتها في جميع تقاريرها. والكلمات التوضيحية التي بين (قوسين) هي للمترجم. تأسست جائزة البوكر في بريطانيا عام 1968 باسم «جائزة بوكر- مكونيل» وذلك تبعا لاسم شركة «بوكر-مكونيل» التي أسستها وتم لاحقا اختصار الاسم لتصبح «جائزة البوكر» أو ببساطة «البوكر». وتعتبر شركة «بوكر-مكونيل» من أكبر شركات التجزئة البريطانية حيث تملك سلسلة شهيرة من السوبر ماركت باسم «بودجنز» وتواصل الشركة عملها التجاري حاليا باسم مجموعة بوكر. ومن ضمن مصالح الشركة العديدة والشهيرة احتكار صناعة السكر في مستعمرة غويانا البريطانية مع استغلال بشع لعمال السكر من خلال نظام العمل بالسخرة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. وفي ذروة ازدهارها سيطرت علي 75% من صناعة السكر في «غويانا البريطانية» وكانت للشركة سطوة كبيرة بحيث راجت نكتة تشير لتلك الدولة ب «دولة بوكر». وفي عام 1952 استلم جوك كامبل رئاسة مجلس إدارة الشركة وهو المعروف بميول سياسية واجتماعية يسارية بسبب تأثره بفكر «الجمعية الفابية» الإشتراكية الإنجليزية التي تأسست في عام 1884 لنشر مباداء الاشتراكية في بريطانيا بالوسائل السلمية. وقام كامبل بتحول دراماتيكي جذري في اتجاه الشركة لتصبح ذات قوة دفع خيرية في المجتمع للتكفير عن ماضيها الاستعماري/الاحتكاري البشع، وأصبحت الشركة تقدم فوائد ومزايا كبيرة للعاملين في مجال السكر. وهكذا أسست الشركة في عام 1968 جائزة البوكر وذلك ضمن برنامجها في تحقيق المواطنة الصالحة للشركة والنفع العام للمجتمع. وفي عام 1992، تأسست البوكر الروسية في موسكو، وكذلك في عام 2007 تأسست البوكر الآسيوية في هونغ كونغ. ولم تسمح مؤسسة الجائزة بالإعلان عن القائمة الطويلة المرشحة للجائزة إلا عام 2001 وكان المبلغ المخصص للجائزة في البداية 21,000 جنيه إسترليني (33,000 دولار) وتمت زيادته لاحقا ليصبح 50,000 جنيه إسترليني (78,000 دولار). وتمنح الجائزة الأصلية للروايات المكتوبة باللغة الإنجليزية من دول الكومنولث وأيرلندا وزيمبابوي. ويضمن الفائز بها شهرة عالمية ونجاحاً منقطع النظير ولذلك أصبحت ذات سمعة وأهمية فائقة مهمة في صناعة النشر العالمية وتجارة بيع الكتب. وتطور صيت البوكر ليصبح علامة جودة وتميز لا تضاهي للمؤلفين والمؤلفات المرشحين لها في القائمة الطويلة ومن ثم بالطبع في القائمة القصيرة بغض النظر عن فوزهم بها. وفي إبريل/ 2007 أُطلِقت الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية) رسمياً في أبو ظبي ، عاصمة الإمارات العربية المتحدة ، وهي ثمرة تعاون وتنسيق بين «مؤسسة جائزة البوكر» البريطانية و«مؤسسة الإمارات»، و«معهد وايدنفيلد للحوار الاستراتيجي»، الذي كان يتوق إلي تطوير جائزة خاصة بالرواية العربية. وتم إنشاء لجنة من الاختصاصيين ورؤساء التحرير و الصحفيين المتخصصين بالأدب من أجل تقديم المشورة حول طريقة تنظيم الجائزة وتأليف مجلس أمنائها، الذي اختير أعضاؤه من العالمين العربي والأنغلوفوني، وهم مسئولون عن إدارة الشئون العامة للجائزة. وقد دعمت «مؤسسة الامارات» هذه المبادرة منذ بداياتها، معنوياً ومادياً علي السواء. وهي تكافيء كلاً من الروايات الستّ التي تصل إلي القائمة النهائية بعشرة آلاف دولار أمريكي ، بالإضافة إلي خمسين ألف دولار أمريكي للفائز. انتهي تقديم المترجم ويليه تقرير الإيكونوميست: الرواية العربية... رقصة الحرية الكتاب العرب الذين اختيروا سابقا للفوز بجوائز القذافي أو مبارك في الأدب يواجهون حاليا اختبارا محرجا لضمائرهم بالإضافة للازدراء من أقرانهم لأنهم التهموا ذلك الطُعم. ولكن للأمانة التي تسجل لتاريخ بعضهم، فقد رفض بعض الكتاب العرب تلك الجوائز بشجاعة. ولكن الآن الجائزة العالمية للرواية العربية (IPAF) أي البوكر العربية Arabic Booker) تقدم أكاليل المجد للكتاب العرب بدون تأنيب ضمير. فالآن وفي عامها الرابع، تُمنح «البوكر العربية» لأفضل رواية في السنة في تلك اللغة ، وتعتبر - بحق - سباقا نزيها مفتوحا للجميع بدلا من ما كان يعتبر في كثير من الأحيان مستنقعا مريبا من رعاية الحكومات العربية للأدب الخاضع غالبا لعوامل «غير مهنية». فبواسطة مال مقدم من «مؤسسة الإمارات للنفع الاجتماعي» في أبو ظبي وخبرة فنية من مؤسسة جائزة بوكر البريطانية، ومع تعهد بعدم التدخل «غير المهني» من المؤسستين ، أصبحت الجائزة العالمية للرواية العربية (IPAF ) البوكر العربية أشهر جائزة أدبية في العالم العربي متفوقة بجدارة واستحقاق علي جائزة الشيخ زايد للكتاب ذات الصبغة الاحتفالية والتي اكتسبت سمعة سيئة العام الماضي عندما تم سحب جائزة مقدارها 200,000 دولار في فئة الأدب من الفائز بسبب الانتحال. وفي حفل الإعلان عن الفائزين بالجائزة هذا العام في أبو ظبي يوم 14 مارس صفق الحضور بحماس شديد بعد كل مرة ذكرت فيها «الثورة العربية» وهو ما فاجأ الراعين. ومع انضمام دولة الإمارات العربية المتحدة مع السعودية للحد من الاحتجاجات الشعبية في البحرين ، أشاد رئيس لجنة التحكيم الشاعر العراقي فاضل عزاوي باللائحة القصيرة للجائزة التي انسجمت مع هتافات الحرية في الشوارع. وأضاف عزاوي: «الفيس بوك» كان مجرد وسيلة ، ولكن الرسالة جاءت من آلاف الكتاب العرب الكادحين «لتحرير العرب من قيود الاستبداد». وتم تقسيم الجائزة التي تبلغ قيمتها 50,000 دولار بين روايتين فائزتين: الرواية الأولي هي «القوس والفراشة» لمحمد الأشعري من المغرب حيث يشَرِّح فيها مجتمعا فاسدا يفشل في النهوض بشبابه ، ويعلم أب أن ابنه مات عندما فَجَّرَ نفسه منتحرا كعضو في تنظيم القاعدة. وبالنسبة للسيد الأشعري وهو كاتب دخل السجن سابقا وأصبح لاحقا وزيرا للثقافة، فإن الديمقراطية وحدها هي التي تستطيع هزيمة التطرف. والرواية الفائزة الثانية هي «طوق الحمام» لرجاء عالم من المملكة العربية السعودية وهي أول امرأة تفوز بالجائزة، وهي رواية جريئة ذات نفس صوفي وتقدم بورتريه لمكة المكرمة التي تدمرها مافيا للعقارات من أجل الهوس بالربح المادي. ستنشر رواية السيد الأشعري بالإنجليزية في العام المقبل. مؤسسة قطر/بلومزبري للنشر وهي مشروع قطري/بريطاني مشترك في الدوحة رشحتها للقائمة القصيرة للجائزة. ونشرت الرواية الفائزة الأولي وهي للمصري بهاء طاهر وعنوانها «واحة الغروب» في بريطانيا بواسطة دار سبتر عام 2009. وسيتم نشر روايتين تاليتين باللغة الانجليزية في عام 2012. ويقول الناشرون العرب إن الجائزة تشجع العرب علي القراءة. ولكنهم ليسوا جميعا منبهرين بالجائزة، فمثلا: رواية السيدة رجاء عالم لا تزال رسميا «غير متوفرة» في بلدها. أي علي الأغلب لم يتم فسحها من قبل الرقيب السعودي. ناشرها واثق من أنها سترفض من قبل الرقابة. ولكن بالرغم من ذلك، القراء هناك يحصلون عليها من «تحت الطاولة» أو عبر الإنترنت، أو من معارض الكتب أو من الخارج. كما ارتفعت مبيعات رواية «ترمي بشرر» للسعودي عبده خال إلي السماء بعد فوزها بالجائزة العام الماضي. الرقيب فسح الرواية بعد فوزها ولكن ناشره خالد المعالي (دار الجمل: ألمانيا/بيروت) منع في العام التالي 2011 من المشاركة في معرض الكتاب في الرياض ذي الأهمية التجارية الفائقة مما حفز المؤلف إلي الدعوة لمقاطعة المعرض. الناشر والشاعر العراقي خالد المعالي (دار الجمل) الذي نشر «ترمي بشرر» يعتقد أنه تجري معاقبته بسبب مبيعات رواية السيد الخال الهائلة ويقول: «إنهم يرون الكتب التي تتمتع بشعبية ويعتقدون أنها بالضرورة هدامة!!!». إذا كانت الجوائز تسبب زيادة الرقابة، فليس جميع الناشرين فزعين من ذلك. فالناشر بسام كردي (المركز الثقافي العربي: بيروت/الدارالبيضاء) الذي نشر الروايتين الفائزتين لهذا العام متأكد أنه إذا حظرت رواية السيدة عالم في السعودية، فإنها ستجد الطريق للقراء هناك لأنه «حتي أولئك الذين يقومون بالرقابة ليسوا مقتنعين بها، وهم يريدون غالبا فتح الأبواب». ولكن إذا بقيت تلك الأبواب مغلقة، فهذا أمر يرجع للسياسة وليس للجوائز ومدي انتشار تسونامي الثورة العربية. كيف ولماذا أصبحت السيرة الذاتية لمارك توين؟ «بست سيلر» بعد 100 عام من وفاته؟ تمهيد للمترجم عن مارك توين Mark Twain: (1835-1910) : )مارك توين اسمٌ مستعارٌ لكاتبٍ وقاصٍ ورحالة أمريكي اسمه الحقيقي صموئيل لانغهورن كليمنس. يعتبر أعظم الظرفاء في الأدب الأمريكي. وأطلق عليه بعض النقاد «أبو الأدب الأمريكي». وتؤكد الدكتورة كاي ردفيلد جاميسون في كتابها الفريد «المس بالنار» أن توين كان يعاني بشدة من ذهان الهوس الاكتئابي أو الاضطراب ثنائي القطب Bipolar Disorder. المقال: مات مارك توين رائد السخرية والنكتة الأمريكية منذ قرن. ولكن بطريقة مدهشة وعجيبة إلي حد ما ، أصبح كتاب سيرته الذاتية الصادر مؤخرا في نوفمبر 2010 عن قسم النشر في جامعة كاليفورنيا (762 صفحة في طبعة فاخرة هارد كوفر) «بست سيلر» عظيم الشعبية. ووفقا للناشر ، فقد اشترط مارك توين أن تبقي مذكراته سرية بدون نشر لمدة 100 سنة حتي يكون حرا في التعبير عن رأيه في كل شيء. وعلي الرغم من أن مؤلفها توفي منذ فترة طويلة ، فإن المجلد الأول من أصل ثلاثة مجلدات من سيرة مارك توين التي كتبها بنفسه وصل إلي قمة قوائم البست سيلر مع طلب متزايد بصورة غير مسبوقة لدرجة أن الناشر لم يتمكن من طباعة كميات إضافية بسرعة كافية لتلبية الطلب الهائل علي هذا الكتاب الضخم. ولكن السؤال المهم هو: ما الذي يجعل تأملات وخواطر توين المكتوبة قبل قرن من الزمان تلاقي هذا النجاح الباهر الذي حققته الآن؟ لعل أفضل جواب هو أن طرافة مارك توين تبقي خالدة ولا يؤثر فيها مرور الزمن. فسخرية مارك توين المكتوبة قبل قرن لا تزال صالحة الآن كما يقول الناقد ميشيل فيتزسيمونز في مجلة «صالون دوت كوم» لأنه يعتبر ، قبل كل شيء، أب ورائد ذلك النوع من السخرية اللاذعة التي تشبه اللسع المؤلم والذي شكّل مرجعاً للكتابة الساخرة الأمريكية في التعليق علي أحداث السياسة والمجتمع الأمريكية. وقال ناشر كتابه «إنه رجل ذو سمات غريبة فهو عصبي ومغرور وصريح بصورة فجة ولو كان حيا فسيكون تماما بلوغر (مدون)». ويشير الناقد تشارلز لارسون في مجلة «كونتر بانش» أن توين نجح في خلق إثارة وتشويق حول محتويات سيرته تراكمت لدي القراء والنقاد عبر عشرة عقود لأنه أراد تجنب الإساءة لاصدقائه وأحبائه بسبب أرائه حول الدين والسياسة والمجتمع التي كانت مثيرة للجدل لدرجة أنه لم يتمكن من التعبير عنها بحرية كاملة قبل قرن أثناء حياته. ولذلك، يقول لارسون: وهكذا أصبح الناس متلهفين بصورة هوسية لمعرفة الآراء التي لم يجرؤ أعظم كاتب أمريكي علي الجهر بها أثناء حياته. معظم الذين اشتروا الكتاب كانوا يأملون في العثور علي فضيحة من نوع ما عن توين ، والجميع يسأل نفس السؤال تقريبا: ما هي الفضيحة التي تم كبتها لمدة مائة سنة وسيكشفها الكتاب؟ هل هي عن حياة توين الجنسية؟ أم رأي جدلي في الدين أو مسألة خلافية مثل العلاقات بين الأعراق داخل أمريكا؟ إذا كان الأمر كذلك ، فسوف يصابون جميعا بخيبة أمل ولا يجب توقع الكثير كما أشارت جوديث شولفيتز في مجلة «سليت دوت كوم» لأن أفضل ما ورد في هذا الكتاب قد نشر بالفعل في كتب عن سيرة توين ألفها كتاب عديدون متخصصون في السيرة من قبل ولا تزيد عن كونها آراء محرجة ولاذعة عن أصدقائه ومشاهير عصره. علي العموم ، فبحسب وصف ناقد راجع الكتاب فإنه يمكن وصف هذا الكتاب بأنه غير منقح، وودود، ومراوغ، ومحرج ناهيك عن طوله فهو المجلد الأول من أصل ثلاثه مجلدات، وعدم تنظيمه حيث لا يوجد تسلسل زمني للأحداث. وكان ينبغي ويمكن أن يكون أكثر تكثيفا. ووصفت مجلة «ببليشرز ويكلي» المتخصصة بأخبار نشر الكتب تعليقات توين بأنها لاتزال مضحكة بصورة مدهشة وتدعو للإعجاب بقدرته الفذة علي السخرية اللاذعة وسلب لب القراء حتي بعد مرور مائة عام علي وفاته في 1910. إهداء خاص من المترجم إلي: عبده خال ورجاء عالم