جهاز القاهرة الجديدة يُعلن جاهزية دفعة جديدة من أراضي بيت الوطن لتوصيل الكهرباء    وزيرة البيئة تبحث تعزيز التعاون مع تحالف الطموح الرفيع لإعلان محميات جديدة في المتوسط    مصر تحذر من أن الهجمات العسكرية الإسرائيلية على إيران تمثل تصعيدًا إقليميا سافرا بالغ الخطورة، وانتهاكًا فاضحًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وتهديدًا مباشراً للأمن والسلم الإقليمي والدولي    الهند.. محققون يبحثون في موقع تحطم طائرة إير إنديا عن أدلة ومزيد من الضحايا    النادي المصري ينعى نجمه وقائده الأسبق الكابتن سمير الغزناوي    تحذيرات هامة لطلاب الثانوية العامة.. أخطاء شائعة في الإجابة على الأسئلة يجب تجنبها    اندلاع حريق داخل مول تجاري بأكتوبر    ضبط 248 قضية مخدرات وتنفيذ 62 ألف حكم قضائي خلال يوم    رئيس البيت الفني للمسرح يفتتح أولى ليالي «الفندق» بأوبرا ملك.. صور    "happy birthday" يحقق إنجازًا مصريًا ويحصد 3 جوائز من مهرجان تريبيكا    إخلاء سبيل والدي عروسي الشرقية في واقعة زواج قاصر من مصاب بمتلازمة داون    مالك سيراميكا كليوباترا: الأهلي لو طلب عيني أقدمها له.. وأتمنى توسيع دائرة المنافسة    وكيل الأوقاف ببني سويف يوجه بضبط استخدام مكبرات الصوت لعدم إزعاج المواطنين    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر    الموجة 26.. استرداد 41 فدانًا من أراضي الدولة غرب الإسكندرية- صور    16 مليون جنيه.. ضبط مرتكبى جرائم الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبى    ضبط أسلحة ومخدرات وتنفيذ مئات الأحكام في حملات أمنية بأسوان    قطار الموت يدهس شابين بقنا.. أحلام "ولاد العم" انتهت في لحظة    بالمواعيد.. جدول مباريات الترجي في كأس العالم للأندية 2025    ماهر الكنزاري: الترجي لا يخشى شيئا في كأس العالم للأندية    مطلوب في ليفربول.. باريس سان جيرمان يغلق باب الرحيل أمام باركولا    أحمد السقا يتحدث عن إمكانية زواجه للمرة الثانية    طريقة عمل كباب الحلة بمكونات بسيطة ومذاق لا يقاوم    تحرير 137 مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق    سعر الدواجن البيضاء في الأسواق والمحلات المصرية اليوم 13-6-2025    أسعار السمك اليوم الجمعة 13-6-2025 في الدقهلية    رسالة سلام من الباليه الوطني الروسي للعالم بالأوبرا    بمشاركة 326 فنانًا| انطلاق فعاليات الدورة 45 للمعرض العام.. الأحد    روسيا تشعر بالقلق وتدين التصعيد الحاد في التوترات بين إسرائيل وإيران.    ميناء دمياط يستقبل 5 أوناش رصيف عملاقة من أوناش «STS»    "المستشفيات التعليمية": تقديم 2 مليون خدمة علاجية في الوحدات التابعة خلال 5 أشهر    «الأرصاد» تعلن حالة الطقس غدًا السبت 14 يونيو| إنفوجراف    بعد استهداف إيران.. رئيس الأركان الإسرائيلي: «كل من يحاول تحدينا سيدفع ثمنا باهظا»    «الأَوْطَانُ لَيْسَتْ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ» موضوع خطبة الجمعة اليوم    من صمت الصخور إلى دموع الزوار.. جبل أحد يحكي قصة الإسلام الأولى    محمد هاني: "لم يخطر على بالي انضمام زيزو إلى الأهلي"    مستعدون لأي تضحية.. بيان من الاتحاد الإيراني لكرة القدم بشأن هجوم إسرائيل    ارتفاع أسعار الحديد وانخفاض الأسمنت اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    رئيس الوزراء: نتابع الموقف أولا بأول وتنسيق بين البنك المركزي والمالية لزيادة مخزون السلع    وزارة الطيران: المجال الجوي المصرى آمن ويعمل بشكل طبيعي    كوكا: "الفترة الماضية كانت صعبة.. واللعب بدلًا من معلول تحدٍ كبير"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 13-6-2025 في محافظة قنا    في ختام رحلة الوفاء.. أسر الشهداء يغادرون المدينة المنورة بقلوب ممتنة    بعد مقتله.. من هو الجنرال غلام علي رشيد نائب رئيس الأركان الإيراني؟    جعفر: الفوز بكأس مصر كان مهم قبل بداية الموسم المقبل    عملية شعب كالأسد.. الجيش الإسرائيلي ينفذ هجوما استباقيا لضرب المشروع النووي الإيراني    الداخلية تكشف تفاصيل فيديو التحرش بالأطفال في بورسعيد    نتيناهو: نحن في لحظة حاسمة في تاريخ إسرائيل وبدأنا عملية «شعب كالأسد» لإحباط المشروع النووي الإيراني    «سهل أعمل لقطات والناس تحبني».. رد ناري من محمد هاني على منتقديه    "مستقبل وطن المنيا" ينفذ معسكرا للخدمة العامة والتشجير بمطاي    الاستماع لشكاوى المواطنين بقرى بئر العبد بشأن انتظام وصول المياه    وكيل وزارة الصحة بالشرقية يؤكد على دور الإعلام الحيوي في دعم المنظومة الصحية    100% ل 3 طلاب.. إعلان أوائل الابتدائية الأزهرية بأسيوط    3 أيام متتالية.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    تعرف على برامج الدراسة بجامعة السويس الأهلية    دينا عبد الكريم تلتقي بالسفير حبشي استعدادًا لجولة كبرى لبناء قواعد للجبهة الوطنية من المصريين بالخارج    موعد إجازة رأس السنة الهجرية 2025.. عطلة رسمية للقطاعين العام والخاص    تعامل بحذر وحكمة فهناك حدود جديدة.. حظ برج الدلو اليوم 13 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نبيل عبدالحميد.. رؤية تذوقية في «هشاشة عقول» و«الأشياء علي غصن أخضر»
نشر في القاهرة يوم 22 - 12 - 2009

منذ ما يقرب من نصف القرن و«نبيل عبدالحميد» يواصل مسيرته الإبداعية في القصة القصيرة والرواية في دأب وإصرار وإخلاص نادر.
وقد تعرفت عليه في منتصف الستينات عن طريق صديقنا الحبيب الغائب عنا والحاضر فينا ما بقي في صدورنا نفس يتردد- وهو ضياء الشرقاوي (1938- 1977) الذي اختطفه الموت منا ومن الحياة الأدبية والثقافية في بلادنا وهو في أوج تألقه القصصي والنقدي المتجدد والزاخر بتجاربه الرائدة، وقد أتاحت الصداقة الحميمة التي جمعت بيني وبين نبيل عبدالحميد بعري المحبة والمودة الخالصة أن أتابع بعض إنتاجه المبكر، سواء في ذلك قصصه القصيرة مثل: مجموعته الأولي «مسافة بن الوجه والقناع» وروايته البديعة «حافة الفردوس» وتصادف بعد ذلك أن غبت عن الوطن أكثر من أربعة عشر عامًا قضيتها في العمل معارًا لجامعة صنعاء، ثم جامعة الكويت.. فانقطعت متابعتي لأعمال الصديق العزيز وبقية الأصدقاء إلا فيما ندر.
ملاحظات وانطباعات
شرفني وأسعدني- بعد لقائين في نادي القصة نوقشت فيهما مجموعة قصصية بصديق آخر ومجموعة أخيرة لي- بإهدائي مجموعتيه القصصيتين الأخيرتين اللتين استمتعت بهما غاية الاستمتاع (وهما الأشياء علي غصن أخضر.. 2001) و(هشاشة عقول.. 2005) ومع أني لست ناقدًا أدبيًا بالمعني الدقيق للنقد الأدبي، بل ولم أعد نفسي لمهمة النقد علي الإطلاق (علي الرغم من قيامي طوال العقود الخمسة الأخيرة بعشرات الدراسات في الأدب الغربي- لاسيما الألماني- والشعر العالمي) فسوف أقدم بعض الملاحظات والانطباعات السريعة التي خرجت بها من صحبتي للمجموعتين المذكورتين، ويشرفني أن أجملها في السطور التالية مع علمي بأنها عابرة وشديدة التواضع:
- يتميز نبيل عبدالحميد، شأنه في هذا شأن معظم كتاب جيل الستينات بأنه يكتب ويفكر بالصورة الحسية، لا من خلال اللفظ واللغة البليغة كما هو الحال مع الأجيال السابقة (علي الأقل في معظم الأحوال ولا أبري نفسي!) إنه يرسم بمنتهي الدقة صور شخصياته ويقف وقفات مطولة عند ملامح وجوهها وتفاصيلها الجسدية الخارجية ودقائق الأشياء والموجودات في المكان المحيط بها وداخل تيار الأحداث التي تجري لها أو تقع حولها، وتكون هذه الشخصيات في الغالب «استثنائية» أو شاذة من الناحية النفسية والعقلية أو الخلقية، ولكنها تحمل دلالات مهمة علي تيارات سلوكية وأنماط اجتماعية جدت علي المجتمع المصري خلال العقود الخمسة الأخيرة بفعل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية الهائلة، والتناقضات الفادحة بين الطبقات الفقيرة إلي حد الجوع أحيانًا كثيرة، وطبقة واحدة تملك كل شيء وتتمتع بكل شيء ولا تكاد تتذكر «الآخرين» إلا في القليل النادر، من هذه الشخصيات الشاذة ذات الرأس الأكرت النافر (من مجموعة الأشياء علي غصن، ص11) الذي يثير في أذهاننا قضية التحرش بالنساء وجرائم الاغتصاب التي باغتت المجتمع المصري المحافظ وأرقت أصحاب الضمائر فيه كما أقضت مضاجع الآباء طوال العقدين الأخيرين.. كذلك تجد شخصيات أخري تتسم بشذوذ نفسي وعقلي مع طموح خيالي حالم إلي تحقيق المستحيل، مثل شخصية الشاب الذي حاول- في واقعة مشهورة تحدثت عنها الصحف في حينها- أن يحلق بجناحيه ويرتفع إلي السماء من فوق برج القاهرة وقيل في ذلك الحين إنها كانت محاولة انتحار أثارت الأشجان علي حظ الشباب الضائع والضال بين العبث والمخدرات من ناحية أو التطرف والهوس الديني من ناحية أخري (قصة عصر الجوارح من مجموعته السابقة الذكر ص 27 وما بعدها).
فساد المجتمع
وفي كثير من القصص يرصد الكاتب نماذج أخري من الشذوذ الذي ترتب علي الاضطراب الاقتصادي والاجتماعي منذ بداية الانفتاح الفاسد (راجع قصة رائحة الشواء ضمن مجموعته هشاشة عقول ص 59 وما بعدها) أو الشخصيات التي لجأت لارتكاب الجرائم البشعة التي لا عهد للمجتمع المصري العائش منذ الفراعنة في حمي القيم والتقاليد العريقة التي حافظت طوال تاريخه علي تماسكه وتراحم أفراده حتي فتح عيونه فجأة علي تلك الجرائم البشعة التي لا عهد له بها (راجع قصة «خرم الإبرة» ضمن مجموعة هشاشة عقول، ص 43) وهناك قصص أخري تسلط الضوء الكاشف لجوانب الضعف الأخلاقي الذي يدفع رئيس العمل للطمع في مرءوسته الجميلة واستغلال ظروفه الاجتماعية والاقتصادية الصعبة (راجع قصتي رجال تتكسر أمام الحائط المثقوب، والأشياء علي غصن أخضر) وقد يصل الطمع والجشع إلي حد لا يتوقعه أحد يعش في عالمنا ومنطقتنا المتدينة، وأعني بذلك التجارة في جثث الموتي وبيعها لبعض الأطباء أو طلاب الطب مقابل أسعار مرتفعة (راجع قصة «دورة الانتباه» علي سبيل المثال في المجموعة الأخيرة) ولكن صد الجرائم والمجرمين- مهما تم في جو كابوسي أو لا معقول- لم يمنع الكاتب من رصد نماذج أخري جديرة بالتعاطف معها لفرط إنسانيتها وعجزها بسبب النزعات الأنانية والمادية التي طغت علي المجتمع في العقود الأخيرة- فهذه هي الأم العاجزة التي يريد أبناؤها وبناتها أن يتخلوا عن تحمل مسئوليتها ويدخلوها بيت المسنين (قصة واحدة نكل نفسها، من مجموعة هشاشة عقول، ص 19-30) أو قص المرأة المتسلطة المستبدة، زوجة لواء الشرطة المعدوم الشخصية إذا طغيانها، هذه المرأة التي استبعد ابنة البواب الطفلة مستغلة فقرها وبؤس والديها (قصة «مسألة إنسانية» من نفس المجموعة الأخيرة ص 105).
واقعية نقدية
ويطول بنا الاستطراد لو حاولنا تتبع ما ترصده عن الكاتب النافذ إلي آفات المجتمع ومصائبه التي جدت عليه في زمن الفساد والاضطراب والعشوائية، فالأمثلة السابقة تؤكد ارتباط الكاتب بمجتمعه وأهله، وحرصه علي أداء رسالته الأخلاقية في الإطار الفني والجمالي اللائق بها، وإثبات أنه من أصحاب الضمير الذين يحملون أمانة الكتابة وينهضون بمسئولياتها الإنسانية والأخلاقية والجمالية في وقت واحد- وكل هذا يؤكد- إن لم أكن مخطئًا- أنه ينتمي لتيار الواقعية النقدية في الأدب، دون أن تمنعه هذه الواقعية الملتزمة المسئولية من الاهتمام بجوانب فنية مستحدثة والإفادة من بعض عناصرها كما نجد في قصة «هشاشة عقول» من المجموعة التي تحمل نفس العنوان، ص 31 وبعدها.. وهي القصة التي تستفيد من عالم أدب «الخيال العلمي» استفادة واضحة.
لكن هذه الواقعية النقدية لا تمنع الكاتب من رصد البراءة والنقاء والصفاء في عيون الأطفال بجانب تسجيله الدقيق للجرائم والرذائل والنقائص التي ترتبت علي الانهيار الاقتصادي القيمي.
وقد استوقفتني قصتان رائعتان غاية الروعة تعبران عن النزعة الشاعرية التي لم تستطع النزعة النقدية القاسية أن تحجب أضواءها أو تخمد ضحكاتها الطاهرة (راجع قصتي: ضحكة الأسد في المجموعة القصصية التي تحمل هذا الاسم ولم أستطع نسيانها بعد عقود من قراءتي لها.. وكذلك قصة صوت العصفور وقصة تسنيم من الأشياء علي غصن أخضر..) وألاحظ أخيرًا أن الكاتب- كما هو متوقع منه- لم يكن لينسي قضيتنا الكبري أو الأخري جرحنا الأشد إيلامًا، وهو قضية أرضنا المحتلة وشعبنا المستلب المنهوب والمغدور به سواء من دولة الإرهاب الصهيونية أو من بعض أبنائه المضلين (راجع قصتيه في مجموعة هشاشة عقول: مبرو وهبتك نفسها وعيون حجرية).
وأخيرًا: فلم تكن هذه سوي ملاحظات قارئ محب لا ناقد متخصص وهي في الوقت نفسه انطباعات صديق مر بتجربة الكتابة عن تجارب صديقه التي أحيت فيه مشاعر الإعجاب المتجدد وتمنياته بالتوفيق الدائم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.