بإعلان نائب رئيس الجمهورية، اللواء عمر سليمان ، تخلّي الرئيس حسني مبارك عن منصب رئيس الجمهورية وإسناده الأمور إلي المجلس الأعلي للقوّات المسلّحة، تسقط الجمهورية الأولي بعهودها من عبد الناصر إلي السادات إلي مبارك، تتحوّل إلي ضميرالتاريخ لها ما لها وعليها ما عليها ! وما أسقطته ثورة 25يناير هونظام سياسي مصري عاش لأكثر من نصف قرن ، تسيطر علينا فيه وبالجبر،أقلية مستبدة، تتلاعب بالديمقراطية الوطنية. لقد اختصّ الرئيس مبارك بنصف تاريخنا المعاصر، ليذكّرنا في خطابه قبل الأخيربإنجازه الذي تقتضي شجاعة النقد أن نفرده ونبرزه في حساب ما أضفاه عليه بيان المجلس الأعلي من دور علي ساحة الحرب والسلام والعمل الوطني، ألا وهو هامش الحرّية والمناداة بالإصلاح والتغييرالذي عشناه في عهده، وقد أريد له أن يكون مغريا في كلماته ، محافظا وبليدا في ممارساته. سيعاتب التاريخ الرئيس مبارك علي الفرص السانحة التي ضيعها علي نفسه أوّلا قبل أن تضيع علي مصر وشعبها، لقد دعوناه لأن يكون أوّل رئيس مصري سابق علي قيد الحياة، وكم منّا من ناشده بتعديل المادتين 76 ، 77 من الدستور. فتلكّأ عن أن يكون الأمر بيده لا بيد عمرو، بل إنني أذهب إلي أن الكثيرين من العقلاء والمفكّرين في هذا البلد ، كادوا يقبّلون يده من أجل التحوّل السلمي يقوده بنفسه نحو الدولة الديمقراطية . فاستخفّه مستشاروه وناصحوه وكلّ من فرّغ جوف نظامه ليملأه بمصالحه وأغراضه، حتّي وجد نفسه وبعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة علي وجه التحديد وقد أصبح العائق الرئيسي أمام تطوّر البلاد. ولم تستطع بل فشلت كلّ التنازلات التي قدمها في ذروة الأحداث ودائما في الوقت غير المناسب في تحويل حماسة الشباب عن الشعار: الشعب يريد إسقاط مبارك وقد حمل علي كاهله، أزمة الهوية، والأزمة الاقتصادية والسياسية والثقافية.. والفساد أيضا! هدرت بالشعار لتدقّ أبواب المستقبل - أبواب الدولة المدنية الديمقراطية، ملايين الشباب المصري. لم يكونوا كائنات هبطت من الفضاء، لم يكونوا هذا المطلق الذي يحاول البعض الجاهل أن يضفيه عليهم. هذا البعض المتشرّب إلي النخاع بالعجز و النفاق والتطبيل وتملّق كلّ جديد، لا أمل فيه أن يفهم أنّ الشباب، هم ابني وابنك، ابنتي وابنتك ،إخواننا وأخواتنا..الذين كانوا حولنا من الصباح إلي المساء يعانون الضياع حائرين أمام خيارات الواقع الصعبة والضيقة. قد يتيح لنا الوقت أو لايتيح أن يشهد كل فريق- مصر- علي ماقدّمه لها ليكون هناك 25 يناير ويبزغ فجر الجمهورية الثانية علي يد شباب مصر! أمّا سرّ الإعجاب بأبنائنا وبناتنا فهو أنّهم في ظلّ الظروف التشاؤمية الحالكة تجاه الحياة، أصرّوا علي أن يكون لهم مستقبل. كانوا يفكّرون ويحاولون، ويجلسون إلي الكمبيوتر ويدوّنون ويتّصلون ويتواصلون ويجعلون معني لما نادي به الآباء كمبيوتر لكلّ بيت. يلعبون أويعملون، يتلهوّن أو يبحثون ،لكنّهم كانوا يحملون كثيرا من الأحلام والهموم التي تفجّر من أتونها هذا المنظور الجديد للثورة والتضحية والحبّ برؤية العصر التكنتروني (التكنولوجي الاكتروني) كما سمّاه بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس جيمي كارتر. هناك مصر الجديدة الآخذة في الظهور واستحقّت أن يرفع لها العالم القبّعة. تسبّب القلق وتحرّك الأمل، نعيد معها كما قال أوباما اكتشاف التاريخ! يكفي أن نلاحظ هذا الاهتمام بمصر والمصريين، لنفهم للسبب نفسه تحدّيات المستقبل التي تنتظرنا، والبلاغة التي تلزم لتستوعب ما قام به شباب مصر لم تتكوّن بعد. وطبيعي أن نمضي بضعة أيام احتفالا بالجمال الذي غشي ميدان التحرير، كزهرة اللوتس التي خرجت من أعماق الركود لتعوم علي سطح بحيرة من نار ونور تمتدّ بسعة مصر. وقريبا من نبالة الشباب ورقّته وعنفوانه، فبضعة شهور كافية، نقلّب فيها التربة المصرية تحت شمس 25 ينايرلتطرد آفاتها. قد لا ننصف 25 يناير إذا انفرطنا نتظاهر حول المشاكل الظاهرية، كالمطالب الفئوية، والبطالة والغلاء وضعف الأجور التي لاتكاد تفي باحتياجات المأكل والملبس والمسكن. لن نجري وراء الثارات وتصفية الحسابات، فكلّ شيء مرتبط بموضوع السياسة والحريات العامة، والحركة غير المقيدة بقانون الطوارئ .. الدستور، المؤسّس للدولة المدنية الديمقراطية التي تتيح لنا أن نقررّ كيف نعيش وكيف نفكّر ونوزّع الأدوار بيننا .