فيما اعتبره البعض مراجعة في أفكار ومفاهيم جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، نفي المهندس محمد رياض الشقفة المراقب العام للجماعة في سوريا وجود أطماع لجماعته في السلطة مؤكداً في حوار له مع جريدة الشرق القطرية أن جماعته المبعدة جبرًا علي استعداد للتخلي عن اسم الإخوان إذا سمح لهم بالعودة إلي وطنهم سوريا، ونوه الشقفة في الحوار المطول بإيجابيات النظام السوري الذي يقوده الرئيس بشار الأسد ومنها دعمه للمقاومة في فلسطين أثناء حرب غزة التي تجاوب معها إخوان سوريا بتعليق أنشطتهم وبادلهم النظام بالسماح بإصدار جوازات سفر لكن هذه الخطوة توقفت في الفترة الحالية ولم يعد يتم تجديد جوازات السفر المنتهية لمن ينتمون إلي جماعة الإخوان. وأكد الشقفة الذي انتخب مراقبا عاما في أغسطس من مقر الجماعة في اسطنبول حدوث تضييق علي التدين بصفة عامة في سوريا وليس فقط علي الإخوان، مشيراً إلي قرارات بتحويل المدرسات المنتقبات إلي وظائف إدارية كما استنت وزارة التربية لوائح تحاسب أي مدرسة تقوم بتحفيظ القرآن للطلاب بتهمة إضافة مادة ممنوعة، وتحدث الشقفة عن تهم جاهزة تتهم بها الحكومة كل من يخالفها منها الاتهام ب" توهين نفسية الأمة" والتي تعد تهمة يمكن إلصاقها بأي مواطن لا يعجب المسئولين. ولفت مراقب عام الإخوان إلي حرص الإخوان علي عدم فتح معارك مع النظام السوري ورغبتهم في العودة وفق أربعة مطالب هي إلغاء القانون 49 وكشف مصير المفقودين والسماح للمهجرين قسراً خارج سوريا بالعودة إلي بلادهم لكن ليس عبر البوابة الأمنية، وإطلاق سراح المعتقلين مؤكداً أنها كلها مطالب إنسانية لكن لا تجد من يسمع لها. كما أكد الشقفة الذي كان يعمل في الجهاز العسكري لحركة الإخوان أن التنظيم متجذر في المجتمع السوري المتدين بطبيعته ولذلك أحب الإخوان وربما هذا ما ضايق النظام، مستعجبا في الوقت نفسه من التناقض الذي يقع فيه النظام من رفضه لجماعته ذات الطابع الإسلامي وقبوله إيواء حركة المقاومة الإسلامية حماس علي الرغم من أنها تنظيم مسلح. وقال الشقفة عن أعداد المعتقلين في السجون السورية": في عهد الرئيس حافظ الأسد كان هناك أكثر من 20 ألف معتقل في السجون من النخبة من الشعب السوري إخوان وغيرهم، هؤلاء مفقودون دخلوا السجون ولم يخرجوا وحوكموا بالقانون 49 ومعلوماتنا أنهم أعدموا لأن النظام لم يعط أي معلومات حول مصيرهم، والإعدامات كانت تجري في سجن تدمر يومين في الأسبوع وكل مرة بحدود مائة عنصر ينفذ فيهم حكم الإعدام، وهناك معلومات كثيرة في كتاب أخ أردني، اسم الكتاب "شاهد ومشهود" اجتمع مع الإخوان في السجن وروي لنا كيف كانت تجري الإعدامات في سجن تدمر. وعندما جاء الرئيس بشار وألقي خطاب القسم وعد بالحريات وتحسين الأوضاع وأعطي وعوداً كثيرة، والآن بعد عشر سنوات سئل عن وعوده فقال: أنا لم أعد بشيء وإنما كانت أفكاراً". وبالنسبة للمراجعات التي تمت داخل الجماعة فيقول "نعم جرت مراجعات كثيرة وآخرها إبان العدوان علي غزة وموقف النظام الايجابي الداعم للمقاومة حيث علقنا الأنشطة وانسحبنا من جبهة الخلاص وأوقفنا تحالفاتنا مع المعارضة، وتشجع كثير من الوسطاء للتدخل لإنهاء هذه الأزمة في ضوء التهدئة وتكلموا مع النظام لكنهم وصلوا إلي طريق مسدود، لكن هناك فرقاً بين العهدين؛ فالرئيس حافظ الأسد كان إذا تكلم معه أحد في قضية المصالحة مع الإخوان يغضب ويشتم ويقول هؤلاء محرومون فعلوا وفعلوا، أما الرئيس بشار فيتحدث بكلام لين ويقول إن شاء الله سوف ننظر في الملف.. لكن مضت عشر سنوات وهي ذات السياسة والنتيجة واحدة. وبعض التسريبات تقول إن النظام يقول عن الإخوان إنهم خرجوا من سوريا فليموتوا خارجها ولن نعيدهم إلي سوريا". ونفي الشقفة فكرة مركزية التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين التي لايزال مرشدها في مصر الدكتور محمد بديع هو الشخصية الأولي فيها قائلا " هو مجرد تشاور وتنسيق في بعض الأمور ونحن من يرسم سياسة الإخوان في سوريا وليس التنظيم الدولي وفي مصر التنظيم المصري هو الذي يرسم سياسته ونحن لو كانت السلطة تعاملنا فقط بالاعتقال ثم بإطلاق سراح المعتقلين، كما يحدث في مصر ما خرجنا خارج سوريا فهناك هامش حرية للإخوان في مصر لكن نحن نواجه بالإعدام لمجرد الانتماء ورغم مهزلة الانتخابات التي جرت في مصر لكن هناك هامش حرية. نشأة الجماعة في سوريا يعد القطر السوري من أوائل الأقطار التي نبتت فيها دعوة الإخوان خارج مصر، وذلك لاهتمام الإخوان بالطلبة السوريين المتواجدين بمصر للدراسة، وإحاطتهم بالرعاية والتكريم، ومن هؤلاء الطلبة مصطفي السباعي ومحمد الحامد، إضافة إلي رعاية الإخوان للعلماء السوريين أمثال عالم دير الزور محمد سعيد العرفي الذي استوطن مصر بعد خروجه من سوريا إثر ثورته علي الاحتلال الفرنسي الذي صادر أملاكه وكتبه وحكموا عليه بالنفي. وقد تعددت الآراء حول التاريخ الموثق لنشأة دعوة الإخوان في سوريا إلا أن الرأي القائل بنشأتها عام 1937هو الأرجح عندما نهض بالعمل للدعوة بضعة عشر فردًا من شباب الجامعة السورية وطلاب العلوم الشرعية، وأرادوا أن يتسموا باسم واحد، وأن تكون منظماتهم في مختلف البلدان مرتبطة بعضها ببعض رسميا، ولكنهم خشوا بطش حكومة الانتداب فالتجأوا إلي اللف والدوران حتي يصلوا إلي أغراضهم، فمن الثابت أن جريدة الإخوان المسلمين في 21 من فبراير 1935 نصت علي أن للإخوان المسلمين في مصر مندوبين في كثير من الأقطار الخارجية، وهم علي صلة بمكتب الإرشاد العام، ويعملون معه علي الوصول إلي الغاية التي تعمل لها جماعة الإخوان المسلمين، وذكرت من هذه الأقطار الشام وفلسطين. ومن الثابت كذلك أن الشام استقبلت عضوي الإخوان عبد الرحمن الساعاتي ومحمد أسعد الحكيم موفدين من مكتب الإرشاد إلي سوريا ولبنان وفلسطين في 5أغسطس 1935 م بهدف نشر الدعوة وتوضيح الفكرة الإخوانية في بلاد الشام. كذلك ورد في حصر شعب الإخوان الصادر في يونية 1937م اعتماد الإخوان لأربع شعب في سوريا، وهي شعبة دمشق ومندوبها الشيخ عبدالحكيم المنير الحسيني، وشعبة دير الزور ومندوبها محمد سعيد العرفي، وشعبة حيفا ومندوبها محمود أفندي عزت النحلي، وشعبة حلب ومندوبها الشيخ محمد جميل العقاد. في عام 1937 استطاع الإخوان تأسيس أول مركز مرخص للجماعة في حلب تحت اسم: دار الأرقم، وكان من أبرز المؤسسين: الأستاذ عمر الأميري، الأستاذ عبدالقادر السبسبي، الأستاذ أحمد بنقسلي، الأستاذ فؤاد القسطل، الشيخ عبد الوهاب التونجي، والأستاذ سامي الأصيل. أما في دمشق فتأسست جمعية الشبان المسلمين، وكان علي رأسها الشيخ محمد المبارك، ومن أعضائها الدكتور فايز الميط، والأستاذ محمد خير الجلاد، والأستاذ بشير العوف، والدكتور زهير الوتار. أما في حمص فأسست جمعية الرابطة الدينية، وكان سكرتيرها العام الدكتور مصطفي السباعي. أما في حماة فأسست جمعية "الإخوان المسلمون"، وكان من أبرز مؤسسيها الشيخ محمد الحامد الحموي، والتي أُنشئت عام 1939، وكان الشيخ محمد الحامد يرتبط بعلاقة قوية مع الإمام البنا. ويقول عنه الأستاذ سعيد حوي: "كان الشيخ محمد الحامد يعتبر الإخوان المسلمين هم الفئة التي يجب أن تدعم، وكان حريصًا علي إيجاد صيغة من التلاقي بين الإخوان المسلمين والعلماء والصوفية". كما أسست مراكز في بعض بلاد الغرب، والتي كان يجتمع فيها بعض الدارسين، وكان من أبرزها جمعية دار الأرقم في حلب وباريس، والتي أسسها الأستاذ عمر بهاء الأميري، وكانت هذه الجمعيات المختلفة الأسماء وثيقة الصلة بجميع الحركات الوطنية والإصلاحية العربية والإسلامية، وعلي رأسها الإخوان المسلمون، وكانت تشكل بمجموعها جماعة واحدة مع تعدد الأسماء، واتفقت فيما بينها علي التسمي ب"شباب محمد". وعقدت هذه الجمعيات عدة مؤتمرات، منها مؤتمر في حمص سنة 1937 م، ولما عقد المؤتمر الثالث بدمشق سنة 1938م كانت الجماعة قد قطعت شوطًا بعيدًا في التنظيم، وقد قررت في هذا المؤتمر اتخاذ مركز رئيسي لسائر الجمعيات يكون مركزه دار الأرقم في حلب، وأخذ نطاق الأعمال يتسع تدريجيا، ومؤسسات الجماعة تتركز مع الأيام. حرب فلسطين عندما اندلعت حرب فلسطين شارك الإخوان في مصر وسوريا وكثير من البلاد بالتصدي للصهاينة، كما زار الإمام حسن البنا سوريا وذلك في 23 من مارس 1948، كما استقبل في فندق أوريان كوكبة من رجالات سوريا وعلمائها مثل الأستاذ مصطفي السعدني سكرتير المفوضية المصرية بدمشق، والأستاذ كامل الحمامي، والأستاذ عمر بهاء الدين الأميري، والأستاذ معروف الدواليبي النائب في البرلمان السوري، والأستاذ محمد المبارك الأخ النائب البرلماني، والأستاذ عبد الحميد الطباع عضو الجمعية الغراء، والأستاذ مصطفي الزرقا الأستاذ بمعهد الحقوق، والدكتور عارف الطرقجي رئيس مؤسسة الطب الشرعي... وغيرهم. ولقد استطاعت الجماعة بسوريا في هذه المرحلة بمناهجها التربوية وبرامجها التوجيهية المبدعة كالأسرة والكتيبة ومنبر الجمعة ونشر الكتاب الإسلامي، وإنشاء المكتبات، وإحياء المناسبات الدينية والتاريخية والوطنية أن تكسر موجات التغريب والإلحاد والانحلال والأفكار المنحرفة، وظهر جيل من الدعاة ومن المناصرين، وتوسع انتشار الجماعة في أوساط الطلاب والمثقفين، وأثمرت الجهود عن تيار إسلامي عارم؛ وتمثل النشاط الإعلامي للجماعة بصدور جريدة المنار السياسية اليومية عام 1946. وقرر الإخوان خوض انتخابات عام 1947 بمباركة الإمام حسن البنا بأربعة مرشحين فاز منهم: الشيخ معروف الدواليبي عن حلب، ومحمود الشقفة عن حماه، ومحمد المبارك عن دمشق، وأمام صعود الإسلاميين قام الزعيم حسني الزعيم بالانقلاب الأول مدعوماً ببقايا ضباط جيش الشرق الفرنسي وبتخطيط أمريكي، ثم قام العقيد سامي الحناوي بالانقلاب الثاني وأجري انتخابات نيابية فاز الإخوان فيها بعشرة مقاعد، وشكلوا مع حلفائهم كتلة برلمانية كان لها تأثير كبير علي مجري الأحداث الداخلية والخارجية. وبسطوا نفوذهم علي النقابات العمالية والحرفية وتبنوا مطالبها في المجلس النيابي، ودافعوا عن حقوق الفلاحين ورفضوا استغلال كبار الملاكين لهذه الطبقة المحرومة، ودعوا الحكومة لتخفيض أسعار الخبز ورفع الضرائب عن الفقراء، ورفضوا تأجيج الصراع الطبقي بين شرائح المجتمع وكانوا أبعد الناس عن استغلال الفقراء والمحرومين. وعني الإخوان بالتعليم وحالوا دون توسع الزحف التبشيري بإنشاء عدد من المعاهد والمدارس في المدن السورية، واستعانوا بعدد من المربين والمدرسين الأكفياء، وهيأ الإخوان الفرص للالتحاق بمدارسهم الليلية. بعد حل الإخوان في مصر واعتقال قادتهم واغتيال مرشدهم حسن البنا عمل الإخوان علي مبايعة الدكتور مصطفي السباعي ليكون مرشداً عاماً غير انه رفض وقال "إن مصر بها رجال يستطيعون تحمل هذا الأمر" الجماعة وحزب البعث قفز حزب البعث إلي السلطة من خلال انقلاب 8 مارس 1963 الذي شاركت فيه مجموعة اتجاهات سياسية اشتراكية وقومية، وقد استطاع رجال حزب البعث إقصاء شركائهم والاستئثار بالسلطة. كان هذا الانقلاب نقطة انعطاف خطيرة في تاريخ سوريا الحديث، ومنذ ذلك التاريخ تعيش البلاد تحت ظل قانون الطوارئ الصادر بالأمر العسكري رقم (2)، حيث استولي حزب البعث علي السلطة فاتحاً بذلك الباب أمام الأقليات الطائفية لتمسك بمفاصل القوة والسلطة في سوريا لأن معظم أعضاء اللجنة العسكرية البعثية المشرفة علي نشاطات التنظيم العسكري كانوا من الأقليات الطائفية. ومن المعروف أن حزب البعث العربي الاشتراكي الذي حكم حافظ الأسد باسمه مدة 30 سنة، ليس حزباً علمانياً بالمفهوم الغربي للعلمانية فحسب، وعلي الرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين لم تبد خلال هذه الفترة أي معارضة عنيفة ضد النظام، إلا أن السجون لم تَخْلُ من معتقلين إسلاميين (وخاصة من الإخوان) كانوا يتعرضون لأقسي أنواع العذاب، وكانوا يعتقلون في أسوأ الظروف التي تهدر فيها آدمية الإنسان. كانت الفترة التي سبقت اندلاع المواجهة بين النظام والجماعة في صيف 1979 حافلة بالإرهاصات والنذُر التي تؤكد حتمية المواجهة والوصول إلي نقطة التفجر. وكانت مجمل السياسات التي يمارسها النظام تخدم هذا الهدف، وهو دفع الحركة الإسلامية إلي ساحة المواجهة بغرض ضربها وتصفيتها، وهو ما أدي إلي خروجها للنضال من الخارج. مراقبو الإخوان في سوريا يعتبر الشيخ الدكتور مصطفي السباعي (1945-1964) أول مراقباً عاماً للإخوان المسلمين بسوريا ولبنان، تلاه الأستاذ عصام العطار (1964- 1973)، ثم الشيخ عبدالفتاح أبو غدة (1973-1975)، الأستاذ عدنان سعد الدين (1975-1981)، الدكتور حسن هويدي (1981- 1985)، الدكتور منير الغضبان (لمدة ستة أشهر عام 1985)، الأستاذ محمد ديب الجاجي (1985أيضا لمدة ستة أشهر)، الشيخ عبدالفتاح أبوغدة (1986- 1991)، د.حسن هويدي (1991- 1996)، ثم الأستاذ علي صدر الدين البيانوني (1996- أغسطس 2010) الذي يعتبر أكثر المراقبين مكوثا في منصبه، ثم وأخيرًا المهندس محمد رياض شقفة الذي تولي منصبه في أغسطس الماضي.