اهتمت الصحف العالمية برصد تداعيات الهجوم الإرهابي علي كنيسة القديسين بالإسكندرية بعد دقائق من بدء العام الجديد، وأجمعت الصحف الأمريكية والبريطانية علي أن هذا الحادث هو الأسوأ ضد المسيحيين في مصر، وذهب بعضها إلي القول بأنه الأكثر دموية. فنجد صحيفة "نيويورك تايمز" قد تابعت الهجوم منذ الدقائق الأولي وحتي الآن، ووصفته بأنه أسوأ هجوم ضد الأقلية المسيحية في مصر في الذاكرة الحديثة. وقالت الصحيفة إن الدماء كانت واضحة بشكل كبير علي الجدران الأمامية للكنيسة التي كانت مثقوبة أيضا بفعل الانفجار، وفي الجهة المقابلة للكنيسة كانت جدران المسجد المواجه لها ملطخة بالدماء، ونقلت الصحيفة عن شهود عيان وصفهم كيف تناثرت أشلاء الجثث في الشوارع وفوق أسطح السيارات. ورصدت الصحيفة رد الفعل الحكومي علي هذا الاعتداء، ووصفت البيانات الحكومية ب"المتسرعة" خاصة فيما يتعلق بإلقاء المسئولية علي إرهابيين أجانب. وتطرقت الصحيفة كذلك إلي الصدامات التي وقعت بين الأقباط الغاضبين وبين قوات الأمن التي تجمعت خارج الكنيسة، ورأت أنها تذكر بما أسمته الصراع الداخلي المستمر منذ فترة طويلة، وأشارت إلي أن أعمال العنف المتكررة بين المسلمين والمسيحيين الذين يمثلون 10% من إجمالي سكان مصر قد أدت إلي اتهامات للحكومة بأنها تتجاهل حدوث فجوة طائفية خطيرة وهو ما أدي إلي تفاقمها، غير أن المسئولين يلقون بمسئولية هذا العنف علي الصراعات المحلية ويرفضون الحديث عن وجود توتر طائفي. ورأت نيويورك تايمز أنه يكاد يكون هناك شبه اتفاق علي أن هذا الهجوم، بسبب ضراوته واحتمال تورط شخص انتحاري، يمثل شيئاً جديدا،ً من ناحية أخري أشارت الصحيفة إلي أن المقابلات التي أجرتها مع أفراد من خارج الكنيسة كشفت عن مجتمع ممزق. فبعض الناس الذين عرفوا أنفسهم بأنهم مسيحيين سارعوا إلي اتهام "المصريين" بالوقوف وراء الهجوم، في حين قال المسلمون إنه تخطيط من الخارج". أما صحيفتا "واشنطن بوست" و"واشنطن تايمز"، فاعتبرتا أن هذا الحادث هو الأسوأ ضد الأقلية المسيحية في مصر خلال العشر سنوات المنفلتة. وأضافت إنه علي الرغم من أن الحكومة المصرية تصر دوما علي عدم وجود شبكات إرهابية علي أراضيها، وأن القاعدة لم تقم بتنفيذ أي هجوم في مصر، لكن في حال ثبوت تورطها في هذا الهجوم فإن هذا يثير احتمالات تهديد أمني جديد وخطير داخل البلاد. ووصفت الصحيفة الهجوم بأنه مختلف بشكل دراماتيكي عن الهجمات الماضية ضد المسيحيين والتي شملت حوادث إطلاق نار دون أن تكون هناك تفجيرات خطيرة. وأشارت الصحيفة إلي أن أحداث العنف الطائفي ليست جديدة علي مصر، لكن الحادث الأخير كان الأكثر دموية مما سبقه من أحداث. مخاوف من تصاعد التوتر ومن جانبها سلطت صحيفة " كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية الضوء علي الحادث قائلة إن التفجير زاد من المخاوف من استغلال المنظمات الإرهابية للتوتر الطائفي المتصاعد في مصر كفرصة لتبرير هجماتها ضد المسيحيين، كما أشارت إلي أن السلطات المصرية سرعان ما اتهمت جهات أجنبية بالتورط في الحادث، وأن تنظيم الدولة الإسلامية المرتبط بالقاعدة في العراق قام بالتهديد باستهداف أقباط مصر. وقالت الصحيفة الأمريكية إنه بالرغم من محاربة مصر للحركات الإرهابية علي مدي سنوات في التسعينات ومعاناتها من عدة تفجيرات استهدفت الحركة السياحية، إلا أن الحكومة المصرية أصرت علي أن تنظيم القاعدة لا يعمل داخل البلاد. ومن جهة أخري رأت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أنه بالرغم من أن الهجمات الدموية تعد غير مألوفة علي مصر، إلا أن الهجوم الأخير الكبير يمثل تحديا كبيرا لنظام الرئيس مبارك الذي قام بحملات ضد المعارضة السياسية قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة في نوفمبر الماضي. وقالت إن النظام الحاكم ربما يواجه انخفاضاً كبيراً في شعبيته بسبب الحادث الأخير والأحداث الطائفية المتزايدة مؤخرا، رغم أن الاستقرار هو الأمر الذي يعد من أحد إنجازات الرئيس مبارك علي مدي ال29 عاما الماضية. وفي تحليل نشرته مجلة "تايم" الأمريكية أكدت أن "الخطاب الرسمي دائما ما يصور بأن المشاكل لا وجود لها"، وأضافت المجلة ان المراقبين سواء من المسيحيين او المسلمين يقولون ان الطائفية في ازدياد طوال السنوات الماضية نتيجة لتعمق التدين والتنافس علي الموارد وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية. ونقلت المجلة ايضا عن يوسف سيدهم رئيس تحرير جريدة وطني المعنية بالشأن القبطي في مصر قوله: "أظل علي قناعة بان هناك جماعة اسلامية جهادية متجذرة في مصر والاسكندرية تقف وراء كل ما حدث .. نحن نعرف انه عندما تنجح القاعدة في هجوم يعلنون مسئوليتهم عنها، وهو مالم يحدث حتي الآن". سمات "القاعدة" واتفقت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" مع باقي الصحف الأمريكية، وقالت إن الحادث كان الأكثر دموية علي مسيحي مصر في السنوات الأخيرة كما أنه أسوأ حادث إرهابي تشهده البلاد منذ عام 2006 وأضافت أن الحادث هو الأحدث في سلسلة الهجمات المروعة التي استهدفت مسيحي الشرق الأوسط وسط تزايد الخطر الذي بات يلاحقهم. وأضافت الصحيفة الأمريكية أن هذا الانفجار، الذي كان يستهدف حصد أقصي عدد من أرواح المدنيين، تبدو عليه سمات عمليات "القاعدة". وتطرقت الصحيفة ذاتها، إلي نسبة المسيحيين في الشرق الأوسط قائلة إن المسيحيين يشكلون نسبة لا بأس بها، في دول الشرق الأوسط باستثناء شبه الجزيرة العربية ، مشيرة إلي أنه بالإضافة إلي الأقباط في مصر، هناك المارونيون في لبنان، والأرمن في إيران، والأرثوذكس في سوريا، ولكن أرقامهم تضاءلت في القرن الأخير وفقا لخبراء، وأن المسيحيين الآن يشكلون 5 % من سكان الشرق الأوسط ككل، بعدما شكلوا 20% في الماضي، وأضافت أنه هناك مخاوف من انكماش عدد المسيحيين حتي في الدول الآمنة نسبيا مثل الأردن ولبنان وسوريا وإيران. وفي صحيفة "صنداي تليجراف" البريطانية، قدم الكاتب المتخصص في الشئون المصرية "هيو ميلز" تحليلا حول الهجوم، قال فيه إنه سيثير مشاكل أبعد مما هو متوقع للحكومة المصرية. وأشار ميلز إلي أنه بالنسبة للحكومة المصرية، فإن الخطر الأكبر من تصاعد التوتر الطائفي هو التأثير علي عائدات السياحة التي تمثل واحدة من حصون الاقتصاد المصري. وهذا قد يشرح إلقاء وزارة الداخلية باللوم علي عناصر خارجية في أي هجوم دون دليل واضح يدعم هذا الاحتمال. فتاريخيا لا يوجد تواجد قوي للقاعدة في مصر حيث تشتد قبضة الأمن حسب ما ورد علي لسان ميلز في تحليله للحادث. وقارن مايلز بين فترة ما قبل ثورة 1952 والفترة الحالية قائلاً: "في فترة ما قبل الثورة كان الأقباط يشكلون 20 % من سكان مصر في سيطرة علي مايقرب من نصف ثروة البلاد، إلا أن الكثيرين منهم غادروا إلي الغرب بعدما شهدت البلاد سياسات عبد الناصر والاشتراكية التي جعلت ممتلكاتهم تتركز في يد الدولة. أما حالياً فأصبح الأقباط يشكلون حوالي 10% من السكان مما يجعلها لا تزال أكبر طائفة مسيحية في الشرق الأوسط، وذلك بالرغم من انخفاض عدد المقاعد التي حصلوا عليها في انتخابات البرلمان الأخيرة إلي 3 مقاعد من أصل508 مقاعد". ووصف مايلز تفجيرات الاسكندرية بأنها الأعنف من نوعها منذ عام1999.