فاز الروائي الليبي إبراهيم الكوني بجائزة الرواية العربية، وجاء في حيثيات الفوز التي قرأها عضو لجنة التحكيم الناقد السوري صبحي حديدي أن الكوني قدم منجزاً كبيراً عن الصحراء وثقافتها وشخوصها وعوالمها وطقوسها وعاداتها، وجعل من الصحراء معادلاً للكون عبر لغة قوية متفردة، وقد حقق مشروعه عبر منجز روائي وقصصي كبير تجاوز الأربعين كتاباً. كانت لجنة التحكيم المكونة من الأردني محمد شاهين رئيساً، وعضوية كل من المصريين إبراهيم فتحي وحسين حمودة، والسوري صبحي حديدي والبحريني عبد الحميد المحايدين، والمغربي عبد الرحيم العلام، واللبناني لطيف زيتوني، قد التقت في سلسلة من الاجتماعات، واقترعت عبر تصفيات خمس علي من يستحق الفوز بجائزة الرواية العربية لهذا العام، وكان الإجماع في مصلحة إبراهيم الكوني . وألقي الكوني كلمة طويلة كان مفادها أن ما يناله المبدع من تكريم فهو استحقاقه، وأن الإبداع أشبه بالصلاة في محراب الفن، وأن هناك من المبدعين من يعملون ليل نهار ولا ينالون شيئاً، وأن قلة منهم هي التي تأخذ ما تستحق علي عملها الجاد والدءوب في حقل الإبداع بوجه عام. وقال في نهاية كلمته انه حين فاز عام 2002 بجائزة الصداقة العربية الفرنسية استأذن مانحيها بأن يتبرع بقيمتها المالية لأطفال الطوارق بدولتي مالي والنيجر، وانه يستأذن لجنة الملتقي في التبرع لهم بالقيمة المالية لهذه الجائزة، وهو ما لاقي قبولاً كبيراً لدي الحضور. والكوني من مواليد 1948 في غدامس الليبية، وحصل علي ليسانس الآداب ثم الماجستير قي العلوم الأدبية والنقدية من معهد جوركي للأدب بموسكو عام 1977، وأنه يجيد تسع لغات، وينتمي الكوني إلي قبيلة الطوارق (الامازيغ) التي ينتشر ابناؤها علي مناطق تمتد بين ليبيا والجزائر والمغرب وموريتانيا والنيجر ومالي، وتشتهر بأن رجالها يتلثمون، بينما نساؤها يكشفون وجوههم. وحصل علي العديد من الجوائز من بينها جائزة الدولة السويسرية عن رواية "نزيف الحجر" (1995)، وجائزة الدولة الليبية عن مجمل الأعمال (1996)، وجائزة اللجنة اليابانية للترجمة عن رواية "التبر" (1997)، وجائزة التضامن الفرنسية مع الشعوب الأجنبية عن روايته "واو الصغري" (2002)، وجائزة الدولة السويسرية الاستثنائية الكبري عن مجمل أعماله المترجمة إلي الألمانية (2005)، وجائزة الرواية العربية بالمغرب عام 2005، وجائزة رواية الصحراء من جامعة سبها الليبية عام 2005، ووسام الفروسية الفرنسي للفنون والآداب (2006)، وجائزة الكلمة الذهبية من اللجنة الفرنكوفونية التابعة لليونسكو، وجائزة الشيخ زايد للكتاب عن مجمل الأعمال عام 2007. وقد صدر للكوني أكثر من ستين عملاً قصصياً وروائياً وكتبا فلسفية من بينها: ثورات الصحراء الكبري، الصلاة خارج نطاق الأوقات الخمسة، جرعة من دم، شجرة الرتم، رباعية الخسوف، التبر، نزيف الحجر، القفص، المجوس، السحرة، فتنة الزؤوان، بر الخيتعور، واو الصغري، عشب الليل، الدمية، الفزاعة، الناموس، ويمكن القول ان رواياته تنتمي أدبياً إلي مجال الرومانسية الجديدة التي تتسم بتخييل الواقع أو تغريبه حسبما يقول مصطلح الشكلانيين الروس. عالم الصحراء من يقرأ أعمال الكوني، لاشك سيدرك مدي الهوس والارتباط الوثيق بين هذا الروائي الفذ، وبين عالمه الروائي الذي أصبح بمثابة ماركة مسجلة باسمه، فرغم أن العديد من الروائيين العرب الكبار طرقوا عالم الصحراء وكتبوا عنه إلا أن الكوني لم يكتف بالكتابة فقط، بل عاش الصحراء، تشبع بها، تحدي الواقع وأطلق بصيرته ليستشف ما وراء الواقع، لينسج خيوطا متينة بين البشر والرمال والوديان والسهول، يستعدي أساطير قبيلة الطوارق التي ينتمي إليها، يفتش في التاريخ البعيد عن أصل هذا الفضاء الأصفر الممتد، عن فلسفته ومغزاه. لاشك من يقرأ للكوني يتوقع أن يري رجلا من قبيلة الطوارق، يرتدي العمة واللثام، تماماً كما يظهر في صوره علي أغلفة بعض كتبه، وكانت هذه الصور تمثل قمة التوحد بين الحالة الروائية التي يمثلها، وبين العالم الذي يكتب عنه، ورغم أنه ترك الصحراء منذ سنوات وقضي فترة في موسكو. ويأخذ عليه البعض أنه أسير الرواية الصحراوية بعناصرها المتكررة إلي درجة الملل، وانه انحاز إلي الصحراء وأهلها من الطوارق إلي درجة نكران عناصر أخري مهمة في حياته، خاصة أنه عاش بعيدا عن الصحراء أكثر مما عاش فيها، وعن هذا يقول الكوني "لم يرو لي أحد شيئا غير الصحراء، الصحراء هي الجدة التي ربتني وهي التي روت لي وهي التي دفنت في قلبي سرها ولهذا عندما أتحدث عن الصحراء أشعر بأن الصحراء مسكونة، أشعر بأنني مسكون بالصحراء، يعني لست أنا من يسكن الصحراء ولكن الصحراء هي التي تسكنني لأن في الصحراء فقط يتجسد مبدأ وحدة الكائنات، في الصحراء تعلمت أن تكون الشجرة، أصغر شجرة أو أصغر نبتة قرين لي، في الصحراء أيضا تعلمت تحريم أن تنتزع عودا أخضر، في الصحراء تعلمت أن لا أفقس بيضة طير". ويعيش الكوني حاليا في سويسرا في غربة عن الوطن، لكنه يشعر بالحنين له فيقول "الغربة عمق، الغربة إعادة تشكيل الروح، وإعادة تشكيل الروح بحيث تعيد اكتشاف نفسك مش خارج نفسك يعني لا تعطيك شيئا من خارج ولكنها تعطيه لك تكشفه لك من الداخل من الباطن يعني تعري لك كنوزك كنوز اللي فيك أنت مش الموهوبة لك، فالوطن دائما نموذج مصغر من العالم، الوطن دائما قيمة وليس غنيمة، مشكلتنا مع الأوطان عندما نكون في الأوطان دائما أننا نعاملها كغنيمة لكننا عندما نغترب نعاملها كقيمة ولهذا الذين ينقذون الأوطان أولئك الذين اغتربوا عن الأوطان وليس أولئك الذين تشبثوا بالأوطان، هذه أيضا مفارقة". الكتابة في الأديان ويكتب الكوني عن القرآن الكريم كما يكتب عن الإنجيل كما يكتب عن العهد القديم كما يكتب عن الفلسفات الهندية اليونانية، وبعض الفلسفات الصينية أيضا، فيقول عن هذا "الديانة البدئية التي أحملها في هذه الجينات هي في واقع الأمر سلسلة طويلة فيها حلقات، أقصد أن الديانات لا تنفي نفسها، عندما يأتي دين لا ينفي الدين الذي قبله، عندما أقرأ القديس بولس أو أقرأ القديس أوجستين ركيزتا المسيحية الرئيسيتان أشعر بأن خطابهما موجه لي ونابع مني أيضا، وأنا أستشهد بهما لأنني أحبهما وأتمثلهما وأري أنهما لا يختلفان عن محيي الدين بن عربي أو عن الغزالي أو عن أي إمام من أئمة الفكر الإسلامي". في عمله (ملحمة المفاهيم) كتب الكوني عن الطوارق "وإن هددتهم العزلة وقساوة الطبيعة بالانقراض علي مر العصور إلا أن لهذه العزلة بالذات يرجع الفضل في فوزنا اليوم بذلك الكنز النفيس الذي كان هاجس الإنسانية دائما في بحثها الدائم عن سر اللسان المجهول الذي انبثقت منه بقية الألسن الحية منها والميتة علي حد سواء" إلي هذه الدرجة مهم تاريخ الطوارق بالنسبة للإنسانية واللغة، ويقول عن ذلك "هناك تأكيدات علمية أن في لغات اللاهوت، اللغات التي أسميها لغات الديانات سواء القديمة أو ديانات الوحي السماوي، هذه اللغات كلها تحمل مفاهيم منبثقة من لغة الطوارق، لأن اللغة البدئية يجب أن تكون ذات حرف ساكن واحد، هذا الحرف يكون كلمة، هذه خاصية موجودة في لغة الطوارق فقط ولذلك تجد كلمة في اللغة اليونانية القديمة مثلا أو اللغة المصرية أو اللغة السومرية أو إحدي اللغات المنبثقة من اللغات اللاتينية كلمة واحدة هي في الواقع جملة في لغة الطوارق هي جملة تفسرها تفسر مضمونها".