نشرت جريدة (القاهرة) في عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 17 نوفمبر 2009م تحت عنوان "يوم عالمي باسم مانديلا" تقول: "اختارت الأممالمتحدة يوم الثامن عشر من يوليو من كل عام ليكون (اليوم العالمي لمانديلا) اعترافاً منها بإسهامات رئيس جنوب أفريقيا السابق من أجل الحرية والسلام. تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأعضائها ال192 قراراً بتكريم مانديلا الحائز علي نوبل للسلام بسبب التزامه بإيجاد حل للنزاعات وتحسين العلاقات بين الأعراق والدفاع عن حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين. يتم الاحتفال بيوم مانديلا العالمي المقبل ليتزامن مع عيد ميلاد مانديلا الثاني والتسعين". والواقع أن للزعيم الأفريقي الشهير نيلسون مانديلا رئيس جمهورية جنوب أفريقيا السابق مقولة شهيرة يقول فيها "نغفر رغم أننا لا نستطيع أن ننسي". قال مانديلا مقولته هذه عقب خروجه من السجن والذي قضي بين جدرانه نحو 28 عاماً بعد فترة نضال دافع فيها عن قضية بلاده أمام المستعمرين الأوروبيين البيض، هؤلاء الأخيرون الذين استمروا في احتلال البلاد وحُكمها حتي عام 1994م، ليقدم الزعيم نيلسون مانديلا درساً عملياً في معني التسامح والمغفرة. إنني كثيراً ما أتذكر هذه المقولة حين أقرأ في بعض الجرائد والمجلات، وبعض المواقع الإلكترونية أيضاً، مقالات وموضوعات عدة تعادي الآخرين وتركز علي إساءاتهم وسلبياتهم، وقد يكون الآخر هذا هو شخص واحد أو جماعة بعينها في إطار علاقة فردية شخصية وضيقة، وقد يكون الآخر في إطار علاقة أوسع ومن ذلك مثلاً الغرب بالنسبة للشرق، بما يحمله الغرب من توجهات سياسية وقيم ثقافة، قد نتفق عليها وقد نختلف، ولكن المشكلة تكمن في أن هذه الكتابات تنطوي في بعض الأحيان علي الكثير من الكراهية والرغبة في المقاطعة. ولعلي أتعجب هنا من دعاوي البعض الخاصة بمقاطعة الغرب ومخاصمة أوروبا وكراهية أمريكا، وربما يتطور الأمر عند البعض إلي كراهية كل العالم من حولنا، وكأننا نعيش في جزيرة منعزلة ومنفصلة، أو كأننا لا نحتاج إلي التعامل مع الآخرين. لا أنكر أنني شعرت بحالة من الحزن والاستياء، كغيري من المواطنين المصريين فضلاً عن المجتمع الدولي، علي مقتل الشابة المصرية مروة الشربيني في ألمانيا، لكني أبداً لم أقتنع بكتابات البعض التي عملت علي تفسير وتحليل ما حدث بأنه منهج غربي وأنه أسلوب في التعامل أو أنه مخطط ألماني/ غربي للقضاء علي المسلمين والتخلص منهم ومن تواجدهم في بلاد الغرب. لقد ذكرتني تلك الكتابات التي حللت هذا الحادث بقاعدة متفق عليها والتي تُعد واحدة من أسس التفكير السليم وهي خطورة التعميم وإطلاق الكل علي الجزء، واعتبار الحادث الفردي ظاهرة عامة، إذ إنه يجب عدم تعميم الخطأ وعدم تعميم الحوادث الفردية ووصفها بالعمومية، وذلك حتي لا ينطبق علينا المثل الشعبي المصري الذي يقول "يعمل من الحبة قبة". إذ في المقابل ينبغي أن نضع الأمور في وضعها الصحيح دون تهويل ودون تهوين. وفي إطار السجال الدائر في المجتمع المصري بين بعض المسيحيين وبعض المسلمين من أهل مصر، تتجلي أمامنا خطورة التعميم، فأن يخطئ أحد المسيحيين ويهين الدين الإسلامي فإن ذلك لا يعني أن الديانة المسيحية تعادي الإسلام أو أن كل المسيحيين يكرهون المسلمين، والعكس صحيح. فقد تكون تلك الإساءة تعبيراً عن تيار أو اتجاه يدعمه البعض ولكنه ليس اتجاهاً عاماً وليس منهجاً وأسلوباً سائداً. قد لا نستطيع أن ننسي الإساءة ولكننا نستطيع أن نتجاوزها إلي آفاق أكثر وسعاً وأكثر رحابة من التسامح والحب والغفران. فإن التحلي بقيمة التسامح يساعدنا علي تحقيق الكثير من المنجزات التي تفيد الإنسان أولا وأخيراً أياً كان انتماؤه الديني أو النوعي أو الجنسي أو العرقي أو الفكري.. إلخ. فنقبل الآخرين المختلفين انطلاقاً من قيم السلام والتعاون والبناء والعمل الجماعي والعيش المشترك.. الإيجابي والفعال، وغيرها من قيم التحديث والتمدن والتطوير. إن التسامح لا يعني أن تتنازل عن حقوقك، التي يجب أن تطلبها دوماً بالطرق المشروعة، التي لا تتعدي فيها علي حقوق الآخرين. ولكن التسامح وفي أحد معانيه إنما يعني أن تكون هناك مساحة واسعة من قبول الآخر. ومع عودة إلي مقولة نيلسون مانديلا "نغفر رغم أننا لا نستطيع لا ننسي".. فإنه ليتنا نتدرب علي التسامح والحب والمغفرة للآخرين، وكذا قبول الآخر الذي يخالفنا الرأي والمعتقد.