كتب محمد عجلان تعد الثورة المصرية بمثابة بركان قذف على السطح كثيرا من مكنونات هذا الشعب الذى عاش قرونا وليس عقودا تحت وطأة الاستبداد والظلم، فقد ثبت من خلال ثورة يناير أنه ليست هناك شعوب تقبل بالظلم والاستبداد أبدا، وأن الحاكم مهما قويت سواعده واستفحل بطشه، فإن تلك القوة لا تقارن بقوة الشعوب إذا أرادت الحياة بحرية وكرامة. والثورة فى إجمالها فعل إيجابى إذا ترفعنا عن كثير من التفاصيل، لكن لو سلطنا الضوء على زاوية أخرى للمشهد الثورى، لوجدنا أن الثورات كما أنها تظهر مميزات الشعوب فى مقاومة الطغيان، فإنها فى الوقت عينه تفضح تاريخ تجهيل تلك الشعوب وتشويهها عقليا وأخلاقيا. برزت تلك العيوب التى يعانى منها كثير من أفراد الشعب المصرى واضحة فى رد فعله على أحداث مجلس الوزراء الأخيرة، حيث كان من المتوقع أن يكون رد الفعل على القتل والانتهاك الذى تعرض له الثوار هو الرفض الشديد ، بل والمشاركة كما تعودنا خلال الأشهر السابقة من عمر الثورة، لكن الغريب أن ما يطلق عليهم حزب الكنبة فى مصر هاجموا الضحية متغافلين أو متعامين عن بطش الجانى وقسوته فى التعامل مع شباب مصر، وكأن ما حدث من العسكر هو التصرف الطبيعى كرد فعل على اعتصام يعبر عن موقف سواء اتفقوا معه أو اختلفوا حوله. وقبل أن يقفز إلى خاطرك أن العسكر كانوا يقتلون وينتهكون بلطجية ميدان التحرير، فأولا ليس هناك قانون سماوى أو وضعى يجيز أن تتعامل مع الخارجين على القانون بهذه الوحشية التى عرضتها تليفزيونات العالم –ما عدا التليفزيون الحكومى طبعا- هذا على افتراض أن هؤلاء بلطجية، فما قولك حين تعلم أن من بين من قتلوا فى الأحداث الأخيرة الشيخ عماد عفت أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، وطالب بطب عين شمس هو علاء عبدالهادى، وغيرهم من خيرة أبناء هذا الشعب. هل هؤلاء يستحقون القتل لأنهم خرجوا رافضين ضياع الثورة التى قامت من أجلك ومن أجل كل المصريين؟ إذن فإن ما يحدث كان يستوجب من المهاجمين وقفة مع العقل والضمير، مع العقل كى نعرف من الجانى ومن المجنى عليه والتى ظهرت واضحة جلية فى كثير من الصور ومقاطع الفيديو، ووقفة أخرى مع الضمير كى نرفض هذا القتل وهذه الانتهاكات أيا كانت مبررات العسكر، فلا يجوز انتهاك فتاة بهذا الشكل الوحشى أيا كانت مبرراتهم، فلا الدين ولا القانون يجيز هذا. فما كان يجب لهؤلاء الجالسين على أريكة التحليل الفارغ أن يخرجوا علينا بآراء من قبيل أن الفتاة تستحق ذلك فما الذى أنزلها إلى ميدان التحرير، أو يعلقون على نوعية الثياب التى ترتديها وكأنهم جميعا صاروا من العارفين بنوعيات الزى الشرعى، متغافلين رفض الشرع نفسه لبشاعة ما حدث لها. وإذا أردنا أن نحلل الموقف السابق للأغلبية الصامتة كما يقال، فإننا نجد أن قرون الاستبداد والقهر خلقت نوعا من العِشرة بين الجلاد وضحاياه، لدرجة أنهم لم يعودوا قادرين على رؤية الحقائق بأعينهم، فأصبحت عين الجلاد وسيطا فى الرؤية بينهم وبين حقيقة ما يحدث لهم ولإخوتهم فى الوطن، فأصبح ما يقوله الجلاد هو الصواب وما يفعله هو عين الواجب. فلم تعد أعينهم تستغرب فعل الاعتداء، حيث أن هذا المشهد ليس غريبا على عقلهم الباطن، بل الغريب على وعيهم هو مشهد أناس يقولون لا للحاكم المستبد.ويبدو أنهم يكرهون سعى الثوار نحو اقتناص الحرية والكرامة من بين يدى الحاكم، لأن سعى الثوار نحو الحرية يفضح استمراءهم للاستعباد. وهم بالطبع لا يدركون حقيقة ذلك، وإنما الوضع أقرب إلى المرض منه إلى الموقف القائم على اختيار وتدبر. ويبدو من رد فعل تلك الأغلبية الصامتة على ما حدث من قتل وانتهاك، أن لديهم قابلية عالية للاستعباد، وأنهم يفتقدون مبارك اسما وممارسة، ولو أطعناهم من البداية لظل مبارك ونظامه جاثما على صدورنا حتى الآن، فإذا ذهب مبارك فإنهم يبحثون بلا كلل ولا ملل عن مبارك آخر كى يسوقهم بعصاه الأمنية الغليظة، فإما أن يعَالج هؤلاء أو لا يعبأ بهم الثوار فى مسيرتهم الثورية، فليست هناك ثورة قام بها أغلبية الشعب، بل الطبيعى أن الأقلية هى التى تقوم بالثورة وتستمر فى طريق المحافظة عليها، فليقل حزب الكنبة خيرا أو ليصمت.