كتبت يمنى مصطفى محمود وضع يده علي كتف صديقه ووجه كلامه لرفاقه باسماً (رغم كل ما رآه من قسوة الأمن في التعامل معهم)، "عايزين ناخد صورة جماعية علشان لما نستشهد يعملوا صفحة ويسموها كلنا مع بعض".. و لم يدر أصدقاؤه أنه كان يقرأ بعين البصيرة ما خطه له القدر، اذ أنه استشهد برصاصة مطاطية بعدها بعشر دقائق.. هذا هو الشهيد بهاء السنوسي من ثوار 25 يناير و أحد مؤسسي حزب التيار المصري، .. تري هل كان يجب أن تسيل دماؤهم كي نستفيق و نكف عن لغونا و بهتان بعضنا في حقهم، و هل كان يجب أن يثبتوا لنا مدي وطنيتهم و عدم عمالتهم -كما يحاول أن يروج أعداء ثورتهم- بأن يعرضوا عيونهم للفقأ و أجسادهم للتمزق (مرة أخري) .. سالت دمائهم و استشهدوا كي نصدقهم، فهل صدقناهم الآن! هل يعقل أن يذهب انسان للميدان مهما كان حجم تمويله كما يدعي اللواء الفنجري كي تفقأ عينه! هي أشياء لا تشتري كما قالها أمل دنقل في قصيدته الخالدة لا تصالح: أتري حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما.. هلي تري؟.. هي أشياء لا تشتري هذه الوجوه هي الوجوه التي رأيناها في ثورة 25 يناير، ثارت لترد لهذه الثورة روحها بعد أن كادت تسلب منها، الا انها ثورة لا ترتوي و لا تتجدد الا بدمائهم الطاهرة و حجم تضحياتهم.. هؤلاء الشباب أبسط من كل نظريات المؤامرة التي حيكت، و كل الاتهامات التي ألقيت جزافاً كما أثبت تقرير لجنة تقصي الحقائق في مسألة التمويل الخارجي، هم أبسط من كل ما يقال عن التدريبات و التمويلات، هم شباب أرادوا الحق حقاً، و علموا أن في أعناقهم دينا لمن استشهد من قبلهم بان يكملوا ثورتهم أو يلحقوا بهم.. هل يصير دمي -بين عينيك- ماء؟ اتنسى ردائي الملطخ.. تلبس – فوق دمائي- ثيابا مطرزة بالقصب؟ ان كانوا تآمروا فانهم تآمروا علي أنفسهم كي تترك الخوف و اغراء الراحة مجدداً، تآمروا عليها و قالوا كما قال عبد الله بن رواحة يا نفس إن لا تقتلي تموتي.. هذا حمام الموت قد لقيت وما تمنيت فقد أعطيت ... إن تفعلي فعلهما هديت وان تأخرت فقد شقيت نعم هو تمويل و لكنه تمويل لنفوسهم بالاصرار و الثبات علي مطالبهم و استعدادهم لاثبات ذلك و لو بحياتهم.. هؤلاء الشباب لم يكتفوا باظهار وجوههم في تظاهرة 18 نوفمبر ثم العودة الي بيوتهم الدافئة و لكنهم قرروا المبيت ليحرسوا ثورتهم كي لا تخطف بليل، أنهم أثبتوا أنهم أكثر من أي شخص آخر ثابتون علي مطلبهم بتسليم السلطة، و سطروا ذلك بالدماء.. كنت أتساءل ما الذي سيرد لهذه الثورة روحها فعلمت الآن أن هذه الثورة تتغذي بأرواح شهدائها، كلما ضحي لأجلها شهيد، كلما تجددت و دبت فيها الحياة، ثمن فادح للحرية.. ولكن للحرية الحمراء باب .. بكل يد مضرجة يطرق علمت أن الروح عادت، حين رأيت دماء الشهداء و كأنها تسري في أجساد من أماتهم حب الاستقرار و لو حتي في القاع، فاذا بهم يفيقون، و اذا بالمدد ينزل الي الثوار.. علمت أن الروح عادت حين رأيت مرشحي الرئاسة العوا و أبو اسماعيل ينزلون الي الميدان لأنهم يعلمون أن الشرعية كل الشرعية في مساندة الحق و من يطالبون به.. و علمت أن الروح عادت حين رأيت أيادي المسيحيين متشابكة مجدداً لحماية اخوانهم المسلمين المصلين.. لا تصالح, ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ, والرجال التي ملأتها الشروخ, هؤلاء الذين يحبون طعم الثريد, وانتطاء العبيد, هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق اعينهم, وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ لا تصالح, فليس سوى ان تريد انت فارس هذا الزمان الوحيد وسواك . المسوخ! لا تصالح لا تصالح!! للثورة شباب يحميها و لا عزاء للشيوخ..