ماذا بعد تحطيم رموز النظام؟ حفلت الصحف البريطانية الصادرة صباح الأربعاء بالتقارير الإخبارية والتحليلات والتعليقات على تطورات الوضع في ليبيا. في صحيفة الديلي تلغراف كتب ديفيد أوين مقالا بعنوان "أثبتنا في ليبيا أن التدخل يمكن أن يكون فعالا". وجاء في المقال :"في أحلك ساعات الحملة العسكرية للناتو بدا لفترة أن التقدم البطيء يعكس موت مبدأ التدخل الإنساني، حيث الغرب الرازح تحت وطأة التدخل العسكري في العراق وأفغانستان والذي تثقل كاهله الديون يفتقر الى الموارد المالية والمبرر الأخلاقي والموارد العسكرية اللازمة لاتخاذا خطوات ضد الخارجين على القانون". ثم يتابع قائلا "الآن وقد اجتاح المتمردون طرابلس، فان العكس هو ما يتردد، ان نجاح حملة الناتو يمثل نموذجا لخلع الطغاة قابلا للتطبيق في سورية وأماكن أخرى". لكن الحقيقة أن ليبيا ليست خلفا لكوسوفو وسيراليون، إنها مثال على نموذج جديد للتدخل، يعكس العالم المختلف الذي نعيش فيه، كما يرى الكاتب. منذ البداية واجهت المهمة حملات تشكيك من خبراء عسكريين ودبلوماسيين، ولكنها كانت مدعومة بجملة من العوامل، فمن جهة كانت مشروعة من حيث أنها انطلقت بناء على تفويض من مجلس الأمن الدولي، وثانيا كانت مدعومة من الذين يخجلون من العجز الدولي عن حماية المدنيين في رواندا وسربنيتسا، حسب المقال. ويرى الكاتب أنه كان لتفويض الأممالمتحدة الذي شنت بموجبه طائرات الناتو غاراتها، ولقصر قرار مجلس الأمن العمليات العسكرية على الجو، بما يضمن عدم تعرض ليبيا لاحتلال عسكري، أثر في نجاح المهمة. هل يستطيع المتمردون الحكم؟ ظهور سيف الإسلام ألقى بظلال من الشك على مصداقية المتمردين وفي صحيفة الغارديان كتب ستيف نيغوس مقالا بعنوان "هل سيتمكن المتمردون من الحكم؟". دار الكثير من الجدل حول إمكانية حصول انقسام بين الجهات المختلفة التي يتكون منها المجلس الوطني الانتقالي، بل حول إمكانية حدوث صدام دموي، كما يقول الكاتب، الذي يرى أن هذا الجدل له ما يبرره. وكاتب المقال موجود في بنغازي، حيث استطاع المجلس الوطني الانتقالي بسط سيطرته بسهولة في شهري فبراير/شباط ومارس/آذار، بسب شعور عارم لدى سكان المدينة بتعرضهم للإهمال من قبل نظام القذافي، كما يقول، وهذا ربما يجعله يسيء تقدير الصعوبات التي قد يواجهها المجلس، حسب رأيه. ويبرز أهم الصعوبات فيقول إن هناك ما يزيد على 40 ميليشيا خاصة تنشط ضمن القوة العسكرية للمجلس، معظمها مكونة من متطوعين، وهذا يعطي فكرة عن مقدار الأسلحة في أيدي المواطنين. ويتطرق الكاتب الى اغتيال عبدالفتاح يونس في 28 يوليو/تموز الماضي على يد بعض "الميليشيات المارقة" والذي أدى الى بروز المعارضة لاستقلالية الميليشيا. ويرى الكاتب أن المجلس سيواجه المعارضة من بعض القبائل الكبيرة المتعاطفة مع القذافي، رغم سعيه لتمثيل أكبر عدد ممكن من القبائل بين صفوفه. ويقول كاتب المقال ان نظام القذافي كان مبنيا على حكم جماعة واحدة، لذلك فالمجتمع الليبي ليس متعودا على التعددية ، وليس للقوى السياسية تجارب فيها. ويشير الكاتب أيضا الى أنه بعد أن تبدأ الأمور بالاستقرار ربما بقي الناس متخوفين من نشاط سري لأعوان القذافي، وربما أدى انفجار هنا وهناك الى بث الذعر ومطالبات الميليشيات بحق الاحتفاظ بسلاحها. بعد أن ينقشع الدخان "بعد أن ينقشع الدخان يجب أن يتحول المتمردون إلى بناة دولة"، هذا كان عنوان افتتاحية صحيفة الانبندنت. وتنافش الافتتاحية مدى قدرة تحالف قوى المعارضة على انتزاع السلطة من نظام القذافي. وترى الافتتاحية أن بعض سلوكيات المعارضة في الأيام الأخيرة أفقدتها شيئا من مصداقيتها، منها ادعاؤها بالسيطرة على طرابلس بشكل أكبر مما تبين على أرض الواقع في وقت لاحق. وجاء الإعلان عن إلقاء القبض على سيف الإسلام القذافي، ليفنده ظهوره لاحقا أمام كاميرات التلفزيون حرا طليقا، ليزيد الطين بلة. "سقوط الديكتاتور ليس نهاية اللعبة، كما كان واضحا في حالة العراق" تقول الافتتاحية، وتحذر من أن خطر الانقسام وارد، فهناك خلافات وانقسامات قبلية، ولعل اغتيال قائد قوات المعارضة عبدالفتاح يونس كان بمثابة مؤشر الى ذلك. وحين يكتمل سقوط نظام القذافي ستجد المعارضة نفسها أمام تحد كبير، وهو فرض سلطة القانون لمنع عمليات النهب والفوضى التي سادت العراق عقب سقوط صدام حسين، وكذلك إعادة تفعيل الخدمات كالمياه والكهرباء وضمان استمرارالإمدادات النفطية، ثم يجب أن تتبع ذلك إصلاحات دستورية، كما ترى الافتتاحية. وتختتم الافتتاحية بالقول إن المرحلة النهائية للثورة يجب أن تكون انتقالا الى عملية الحكم الجيد وإقامة العدالة الاجتماعية وتحقيق النمو الاقتصادي الذي ينتفع منه المجتمع بأسره.