النشاط البدني ومرض الشرايين التاجية وضغط الدم الشرياني - الجزء الأول مقدمة من الصعب جداً التحقق بشكل مباشر ودقيق من دور النشاط البدني في الوقاية من مرض تصلب الشرايين التاجية وارتفاع ضغط الدم . وسوف تتطلب الدراسة المثالية اختيار مجتمع كبير من الأطفال عشوائياً موزعين إما على أسلوب حياة ساكنة أو نشطة . وبعد 60 عاماً من الملاحظة القريبة والدقيقة يمكن الحصول على نتائج مثالية . من الواضح أن مثل هذه الدراسة لن يتم إجراؤها . وهكذا كسباً لبعض الرؤية الثاقبة في العلاقة الأساسية بين النشاط البدني ومرض تصلب الشرايين التاجية وارتفاع ضغط الدم أصبح لا مفر من قبول خطوط غير مباشرة لبحث هذه المشكلة وذلك باستخدام طرق عديدة غير مباشرة مثل : أولاً : قيام علماء الأوبئة ببحث مدى انتشار مرض تصلب الشرايين التاجية بين السكان النشيطين وغير النشيطين . متخذين في الغالب وقت العمل أو الفراغ كمؤشر لمستوى النشاط . ثانياً : قارن هؤلاء الباحثون مدى انتشار مرض تصلب الشرايين التاجية بين الرياضيين المتقاعدين وغير الرياضيين . ثالثاً : لا حظ الباحثون تأثير التدريب الرياضي الذي يعتمد على التحمل الدوري التنفسي . على خفض عوامل خطر معينة للإصابة ب مرض تصلب الشرايين التاجية . رابعاً : حاول الباحثون استخدام الحيوانات لدراسة النشاط البدني ومرض تصلب الشرايين التاجية وارتفاع ضغط الدم الشرياني . خامساً : وأخيراً حاولت دراسات عديدة تحديد تأثير النشاط البدني على النظرة طويلة الأجل لأولئك المرضى الذين أصيبوا ب مرض تصلب الشرايين التاجية أي الذبحة الصدرية أو احتشاء عضلة القلب وجراحة الشرايين التاجية ومناقشة كل مجال من هذه المجالات الخمسة على حدة لتحديد ما إذا كان بالإمكان ظهور نمط مرتبط خلال ذلك . الدراسات الوبائية السكان النشطون والخاملون نشرت عدة دراسات قارنت بين الأفراد النشطين وغير النشطين بالنسبة لمدى انتشار مرض تصلب الشرايين التاجية وكان من أول الدراسات التي أجراها موريس وآخرون ونشرت سنة 1953 . وبها عقدت مقارنة بين سائقي الحافلات ( الأتوبيسات ) الساكنين والمحصلين النشطين الذين يعملون على حافلات من طابقين في لندن وتبين لهؤلاء الباحثين أن المحصلين النشطين المتحركين بدنياً كانوا أقل 30% من حيث حدوث كل مظاهر مرض الشرايين التاجية و50% بالنسبة لحدوث احتشاء عضلة القلب . كما أن نسبة الوفيات نتيجة مرض تصلب الشرايين التاجية كانت أقل بمعدل النصف في المحصلين وفي دراسة أخرى توصل نفس الباحثين إلى نتيجة مماثلة في دراسة أخرى متزامنة عن عُمال البريد ، حيث قارنوا بين سعاة البريد المتحركين وكتبة الخدمات البريدية الأقل حركة ونشاطاً . واتبع موريس وآخرون بحثهم الأول المنشور سنة 1956 بتقرير عنوانه :بنية عمال أوتوبيسات لندن : وبائية الزي الرسمي . فلقد قامت هيئة النقل بصرف الزي الرسمي أوسع بمقدار بوصة عند محيط الوسط للسائقين وليس للمحصلين وقد لاحظ الباحثون أن السائقين يعانون من ارتفاع الكوليسترول وضغط الدم . ولأن الجماعتين كانتا تختلفان عند الالتحاق بهيئة النقل كان من الصعب تحديد ما إذا كان النشاط الأكبر للمحصلين قد ساعد على خفض خطر مرض تصلب الشرايين التاجية أو ما إذا كان المحصلون مختلفين حتى قبل الالتحاق بخدمة هيئة النقل . هذه الدراسات الأولية بمعرفة موريس وآخرون أدت إلى إجراء دراسات مماثلة ، معظمها تؤيد عملهم الأول . لخصت الدراسات سنة 1986 في استعراض شامل لشفارد معظم هذه الأبحاث ما عدا الإستثناءات القليلة توضح معدلاً أقل لحدوث مرض تصلب الشرايين التاجية في الجماعات النشطة . وإذا وجد المرض فإنه غالباً ما يكون أقل حدة في الجماعات الأكثر نشاطاً كذلك كانت معدلات الوفاة نتيجة مرض تصلب الشرايين التاجية أقل . وفي معظم الحالات كان الخطر يتراوح ما بين الضعف والثلاثة أضعاف في أسلوب الحياة غير النشطة والساكنة . هذه الدراسات الأولية أوصت بالنقاط التالية : أولاً : إنه لا يبدو من الضروري ممارسة تمرينات رياضية كثيرة أو مكثفة للغاية لتحقيق الوقاية من الإصابة بمرض تصلب الشرايين التاجية . ثانياً : إن الوقاية المكتسبة من أسلوب حياة يتسم بالنشاط والحركة تبدو عابرة وقتية ما لم يكن النشاط متصلاً ومستمراً مدى الحياة . ونستعرض باختصار النتائج المستفادة من دراسات عديدة أخرى تناولت هذه القضايا النوعية الخاصة. لقد أوضح زوكل وآخرون وجود علاقة دالة معنوياً بين مرض تصلب الشرايين التاجية وساعات العمل المرهق الشاق – كما أوضحت بياناتهم أن الأفراد الذين ينهمكون في عمل جسماني شاق لمدة تتراوح ما بين ساعة واحدة وساعتين يومياً كانوا أقل تعرضاً للإصابة بمرض تصلب الشرايين التاجية بنسبة الخمس بالمقارنة مع أولئك الذين لا تضمن حياتهم أي عمل شاق . لسوء الحظ هذه البيانات لم تسمح بإجراء تحليل بالنسبة للعمل الشاق لمدة تقل عن ساعة يومياً . ووجد فرانك وآخرون في تقريرهم عن البحث الكبير الخاص ببرنامج التأمين الصحي في منطقة نيويورك الذي شمل 55000 رجلاًً أن الفرق الرئيسي في حدوث الوفيات نتيجة الأزمة القلبية كان بين المجموعات الأقل نشاطاً والمعتدلة النشاط . ويبدو أن المشي لمسافات إضافية قليلة ، وصعود السلالم الإضافية والأنشطة الأخرى المعتدلة تساعد على الوقاية من وفيات الأزمات القلبية مما يوحي بمزايا وفوائد محتملة بالنسبة للنشاط " المفيد " الزائد بدون تغير كبير لأسلوب الحياة . لقد قال باسلر أن أسلوب حياة عدائي المارثون ضروري لتوفير المناعة والحصانة من مرض تصلب الشرايين التاجية وقد حسب سكنر وآخرون أن زيادة الإنفاق للسعرات الحرارية اليومي من 400 إلى 500 سعر حراري فوق مستوى النشاط المعتاد كانت مرتبطة بانتشار أقل لمرض تصلب الشرايين التاجية في المجتمعات متعددة الأعراق والأجناس بإقليم إيفانس بولاية جورجيا . وقررت روز أن مجرد المشي 30 دقيقة أو أكثر إلى العمل كان مرتبطاً بحدوث نسبة أقل بمعدل الثلث من انحرافات وتغيرات تخطيط القلب الكهربائي بسبب نقص التروية القلبية وفي الأونة الأخيرة آثار لا بورت وآخرون مسألة ما إذا كان يجب التميز بين مستويات النشاط اللازمة لتوفير الوقاية من مرض تصلب الشرايين التاجية ، وفي اعتقادهم أنه من الممكن الحصول على مكاسب كبيرة من ارتفاع مستوى اللياقة البدنية . هذا تصور هام يلقي تأييداً من علماء البحوث الوبائية ، على أية حال لم يتم اختبار هذا التصور مباشرة . يبدو أن مزايا أسلوب الحياة النشط مرتبطة بمستويات النشاط مدى العمر . فلقد وجد براون وآخرون أن مظاهر أمراض القلب لمن تجاوزوا سن ال 65 أقل عند أولئك الذين أنماط نشاطهم مدى الحياة تضعهم ضمن جماعة أكثر نشاطاً بالمقارنة مع زملائهم من قليلي الحركة والساكنين وهذا يدل على مدى الوقاية التي يوفرها أسلوب الحياة المتسم بالنشاط والحركة . ولقد استعرض العالم كهن تحليله لعمال البريد بواشنطون دي سي الذي يوحي بأن الفرق في حدوث الإصابة بمرض تصلب الشرايين التاجية أصبح غير موجود وغير معروف خلال خمس سنوات بعد ترك الفرد لمركزه الوظيفي الأكثر نشاطاً وحركة . وهكذا يبدو أن المزايا المتحققة من النشاط البدني لا يمكن تخزينها والسحب منها طوال باقي العمر . ولكن يجب علينا الاستمرار في نشاطنا البدني بانتظام إذا أردنا المحافظة على المزايا والفوائد الوقائية والصحية . ومن الملاحظ أنه تكاد كافة الدراسات السابقة تركز على تعريف وتحديد الجماعة النشطة المتحركة أو الساكنة فقط على أساس المهنة . ولكن من المهم إدراك أن أفراداً كثيرون في منتهى الحركة والنشاط يعملون في وظائف وأعمال ساكنة فعلى سبيل المثال ابتداء من منتصف السبعينات حتى الآن اتجه آلاف من الأفراد إلى المشاركة في سباقات الماراثون ومن حيث مهنتهم يندرج معظم هؤلاء ضمن مهن ساكنة قليلة الحركة . اعترافاً بهذا القصور في تصميم الدراسات السابقة وادراكاً بحقيقة أن العمل في المجتمعات المتقدمة يتجه بشكل مضطرد ومتزايد إلى أن يصبح دقيقاً وأقل حركة حاول موريس وآخرون دراسة أوقات الفراغ وحدوث الإصابة بمرض تصلب الشرايين التاجية في جماعة من المسئولين المدنيين التنفيذيين وبذلك أبقوا عنصر أو عامل المهنة ثابتاً . إذ قام هؤلاء الباحثون بدراسة أنماط النشاط في وقت الفراغ لدى 16883 رجلاً يومي الجمعة والسبت في الفترة ما بين عامي 1970- 1978. وفي تقرير المتابعة الأول الصادر سنة 1973 وجد الباحثون أن الأشخاص الذين قاموا بتمرينات عنيفة خلال اليومين المذكورين كان حدوث مرض تصلب الشرايين التاجية بينهم 33% بالمقارنة مع أولئك الذين لم يقوموا بتمرينات عنيفة . وفي متابعة لاحقة وحديثة قرر موريس وآخرون أنهم لاحظوا 1138 حالة من نوبات مرض تصلب الشرايين التاجية في العينة الأصلية وقد استنتجوا أن الرجال الذين اشتركوا في رياضات عنيفة وظلوا لا ئقين في المسح المبدئي 1968 –1970 أصيبوا بمرض تصلب الشرايين التاجية في ال 8.5 سنة التالية ولكن نسبة الإصابة بينهم كانت نصف الإصابة مقارنة بزملائهم الذين لم يمارسوا رياضات عنيفة .وانتهى الباحثون إلى " أن عمومية الفائدة والميزة توصي بأن الرياضة القوية دفاع طبيعي للجسم البشري ولها تأثير وقائي على القلب المسن والشائخ ضد أمراض تصلب الشرايين التاجية ونقص التروية القلبية " وقام العالم هولم وآخرون بدراسة الارتباط بين النشاط البدني أثناء العمل ووقت الفراغ وعوامل الخطر لمرض تصلب الشرايين التاجية والطبقة الاجتماعية ومعدل الوفيات لدى 1500 شخصاً بمدينة أوسلو يتراوح أعمارهم ما بين 40-49 سنة . لقد أوضح البحث أن معدل الوفيات الكلي والوفيات نتيجة مرض تصلب الشرايين التاجية خلال 4 سنوات سجل انخفاضاً في الخطر مع درجة النشاط في أوقات الفراغ . قام افن بارجر وآخرون بدراسة عمال الشحن والتفريغ بميناء سان فرانسسكو وجامعتي هارفارد وبنسلفانيا في سلسلة من الدراسات تعتبر من أكثر الدراسات تعريفاً بالموضوع . وفي سنة 1977 أصدروا تقريراً عن متابعة 3686 رجلاً من عمال الشحن والتفريغ . ووجدوا أن إنتاج الطاقة العالي في العمل أدى إلى تقليل خطر النوبات القلبية المميتة ، لا سيما الموت المفاجئ وفي المجموعتين العمريتين الأصغر والأقل نشاطاً زاد الخطر ثلاثة أضعاف ولقد قدر هؤلاء الباحثون أن الإفراط في التدخين وارتفاع ضغط الدم الشرياني بالإضافة إلى انخفاض بذل الطاقة زاد من الخطر 20 ضعفاً . والأهم من ذلك أنهم أوضحوا أن استبعاد تلك المؤثرات العكسية الثلاثة كان من الممكن خفض معدل النوبات القلبية المبينة إلى 88% خلال ال 33 سنة . وفي دراستهم ل 16936 من خريجي هارفارد المذكور في المجموعة العمرية 35-74 عاماً ذكر أفن بارجر وآخرون أن الأشخاص الذين يتجاوز نشاطهم البدني أسبوعياً 2000 سعر حرارياً كانوا أقل تعرضاً لخطر الإصابة بمرض تصلب الشرايين التاجية من زملائهم الأقل نشاطاً وحركة . على أية حال لم يتضح أي فارق بالنسبة للموت الفجائي . وقد لخص أفن بارجر وآخرون إلى أن هذا المستوى من النشاط بالمقارنة مع أسلوب الحياة الساكن الأقل حركة ، سيؤدي إلى إطالة عمر الإنسان عاماً أو عامين كذلك قام بوول وآخرون بمراكز مكافحة الأمراض بولاية أطلنطا بإجراء تحليل موسع للبحث لتعريف كافة الدراسات والبحوث التي تناولت العلاقة بين عدم النشاط البدني ومرض تصلب الشرايين التاجية . ودرسوا 403 دراسة لتحليلها بتعمق على أساس محطات اختبار صارمة . محكمة وقد خلصوا إلى أن المشاهدات التي ذكرت في السابق تؤيد الاستنتاج بأن النشاط البدني يرتبط ارتباطاً عكسياً وأيضاً سبباً لحدوث مرض تصلب الشرايين التاجية . وفي تعليق منشور على ذلك البحث ذكر أن عدم النشاط البدني عامل للخطر أكثر أهمية من ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم والتدخين وارتفاع الضغط الشرياني والتي تمثل عوامل الخطورة الرئيسية . وهذا القول مبني على حقيقة أن قوة ارتباط عدم النشاط البدني بالإصابة بمرض تصلب الشرايين تعادل قوة ارتباط عوامل الخطورة الثلاثة وعلى حقيقة أن هناك أناساً غير نشطين أكثر ممن يدخنون أو ممن لديهم كوليسترول مرتفع أو ارتفاع ضغط الدم الشرياني .