نقابة «النيابات والمحاكم» تطلق مبادرة لتوفير لحوم الأضاحي بالتقسيط    منال عوض تبحث التعاون المشترك مع «انطلاق» و«رابيت موبيليتى»    منال عوض: «حياة كريمة» أحدثت طفرة في جودة الخدمات بقرى بني سويف    مجلس حكماء المسلمين يُدينُ بشدة انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بالقدس    خبر في الجول - اجتماع تنسيقي بين أبو ريدة ودياب وحسام حسن من أجل الموسم المقبل    البعثة المصرية للحج السياحي تعقد ندوات دينية وتوعوية للحجاج| فيديو    السيطرة على حريق نشب في محيط مدرسة بكفر الشيخ    محافظ المنيا: لا تهاون في صحة المواطن واستمرار الحملات الرقابية    محافظ الغربية: هدفنا راحة المواطن وتوفير الخدمة الصحية اللائقة له    الوزير محمد عبد اللطيف يلتقي عددا من الطلاب المصريين بجامعة كامبريدج.. ويؤكد: نماذج مشرفة للدولة المصرية بالخارج    رواتب مجزية ومزايا.. 600 فرصة عمل بمحطة الضبعة النووية    مجلس جامعة القاهرة يثمن قرار إعادة مكتب التنسيق المركزي إلى مقره التاريخي    كلمات تهنئة معبرة للحجاج في يوم التروية ويوم عرفة    خبير يكشف لليوم السابع موقف بيراميدز بالاحتفال بالدورى رغم تتويج الأهلى.. فيديو    قومية المنيا تعرض الإسكافي ملكا ضمن عروض الموسم المسرحي    بالصور- حريق مفاجئ بمدرسة في سوهاج يوقف الامتحانات ويستدعي إخلاء الطلاب    عيد الأضحى 2025.. هل يجوز التضحية في ليالي أيام النحر؟ وما هو أفضل وقت؟    وزير الثقافة يتابع حالة الأديب صنع الله إبراهيم عقب تعافيه    يوم توظيفي لذوي همم للعمل بإحدى شركات صناعة الأغذية بالإسكندرية    رئيس جامعة بنها يتفقد سير الامتحانات بكلية الهندسة في شبرا.. صور    موعد إعلان نتيجة الصف الثالث الابتدائي 2025 الترم الثاني محافظة المنوفية    عرفات يتأهب لاستقبال الحجاج فى الموقف العظيم.. فيديو    نتائج جهود الأجهزة الأمنية بالقاهرة لمكافحة جرائم السرقات    دموع معلول وأكرم واحتفال الدون وهدية القدوة.. لحظات مؤثرة في تتويج الأهلي بالدوري.. فيديو    إنريكي في باريس.. سر 15 ألف يورو غيرت وجه سان جيرمان    بحضور سينمائيين من السودان.. عرض فيلم طنين بمركز الثقافة السينمائية    بين التحضير والتصوير.. 3 مسلسلات جديدة في طريقها للعرض    رسميًا.. بايرن ميونيخ يُعلن عن أولى صفقاته الصيفية استعدادًا لمونديال الأندية 2025    انتهاء رحلة ماسك في البيت الأبيض.. بدأت بفصل آلاف الموظفين وانتهت ب«خيبة أمل»    كلمات وأدعية مؤثرة تهديها لمن تحب في يوم عرفة    حماس: إسرائيل تُهود الأرض الفلسطينية ضمن مشروع ضم صريح    السفير خالد البقلى وإلينا بانوفا يكتبان: يحرسون الأمل وسط الصراع حان الوقت لتمكين حفظة السلام التابعين للأمم المتحدة لمجابهة تحديات الغد    مصنع حفاضات أطفال يسرق كهرباء ب 19 مليون جنيه في أكتوبر -تفاصيل    تمكين المرأة اقتصاديًا.. شروط وإجراءات الحصول على قروض مشروعات صغيرة    صور.. رئيس الوزراء يتفقد المقر الجديد لجهاز حماية المستهلك    رئيس قطاع المتاحف: معرض "كنوز الفراعنة" سيشكل حدثا ثقافيا استثنائيا في روما    محافظ المنوفية يشهد استلام 2 طن لحوم كدفعة جديدة من صكوك الإطعام    بنسبة حوادث 0.06%.. قناة السويس تؤكد كفاءتها الملاحية في لقاء مع الاتحاد الدولي للتأمين البحري    قرار مفاجئ من الأهلى تجاه معلول بعد دموعه خلال التتويج بالدوري    «أحد سأل عني» ل محمد عبده تتجاوز المليون مشاهدة خلال أيام من طرحها (فيديو)    إعلام إسرائيلى: نتنياهو وجه بالاستعداد لضرب إيران رغم تحذيرات ترامب    "قالوله يا كافر".. تفاصيل الهجوم على أحمد سعد قبل إزالة التاتو    ندب الدكتورة مروى ياسين مساعدًا لوزير الأوقاف لشئون الواعظات    انفجار ضخم قرب مركز توزيع مساعدات في محيط نتساريم وسط غزة    أردوغان: "قسد" تماطل في تنفيذ اتفاق الاندماج مع دمشق وعليها التوقف فورًا    الكرملين: أوكرانيا لم توافق بعد على عقد مفاوضات الاثنين المقبل    لندن تضغط على واشنطن لتسريع تنفيذ اتفاق تجارى بشأن السيارات والصلب    الدوخة المفاجئة بعد الاستيقاظ.. ما أسبابها ومتي تكون خطيرة؟    الإحصاء: انخفاض نسبة المدخنين إلى 14.2% خلال 2023 - 2024    انطلاق المؤتمر العلمى السنوى لقصر العينى بحضور وزيرى الصحة والتعليم العالى    استشاري أمراض باطنة يقدم 4 نصائح هامة لمرضى متلازمة القولون العصبي (فيديو)    ياسر ريان: بيراميدز ساعد الأهلي على التتويج بالدوري.. ولاعبو الأحمر تحرروا بعد رحيل كولر    رئيس الوزراء يصدر قرارًا بإسقاط الجنسية المصرية عن 4 أشخاص    كل ما تريد معرفته عن سنن الأضحية وحكم حلق الشعر والأظافر للمضحي    جامعة حلوان تواصل تأهيل كوادرها الإدارية بدورة متقدمة في الإشراف والتواصل    91.3 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال تداولات جلسة الأربعاء    نشرة التوك شو| ظهور متحور جديد لكورونا.. وتطبيع محتمل مع إسرائيل قد ينطلق من دمشق وبيروت    ماريسكا: عانينا أمام بيتيس بسبب احتفالنا المبالغ فيه أمام نوتينجهام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاضطرابات الجسمية النفسية.
نشر في البداية الجديدة يوم 14 - 11 - 2012


الدكتور كمال المويل
إنّ مصطلح الاضطرابات الجسمية النفسية (psycosomatic disorders) يستعمل لوصف مجموعة من الأمراض التي يكون فيها العامل النفسي من أهم الأسباب المؤهبة لحدوث هذه الأمراض وإظهار أعراضها، فهي أمراض عضوية والعوامل النفسية تظهرها أو تزيد في شدتها أو تؤدي لحدوث نُوَب شديدة منها أو تطيل من فترة بقائها، ويستعمل مصطلح الاضطرابات الجسمية النفسية لمعرفة أثر العوامل النفسية والاجتماعية على المريض بشكل عام إضافة إلى تأثير العامل الفسيولوجي عليه، وقد كان بافلوف أول من تكلم عن علاقة الأمراض العضوية بالاضطرابات النفسية، وكان فرويد ومدرسته أول من استعمل مصطلح السايكوسوماتيك (psycosomatic)، حيث الاضطراب النفسي يُظهر المرض العضوي ولا يسببه.
وفي الكلام عن العوامل المؤهبة للاضطرابات النفسية العضوية نقول: إنّ نمط الشخصية له دور أساسي في حصول مرض بعينه دون آخر فالشخصية التي تتصف بالدلال قد تصاب بالربو القصبي والشخصية التي تتصف بالكمال قد تصاب بالقرحة الهضمية، وكذلك يوجد أعضاء مستهدفة وهي عادة الحلقة الضعيفة في سلسلة حلقات الأجهزة البشرية، ولكل من الوراثة أو الجهاز الغدي أو الجهاز المناعي دورها في حصول مرض بعينه دون مرض آخر.
وفيما يلي نستعرض أهم الاضطرابات الجسمية النفسية:
أولا: الربو القصبي:
يتصف مرض الربو بحصول هجمات متكررة من عسرة التنفس وصعوبة الزفير وتترافق هذه الهجمات بالوزيز وتطاول زمن الزفير ويتخلل هذه الهجمات فترات من الراحة، وإنّ الآلية الرئيسية لهذه الهجمات هي تضيق لمعة القصبات الصغيرة الناجمة إما عن تشنج عضلات القصبات الدائرية أو عن الوذمة الحادثة في الغشاء المخاطي القصبي، وقد يشاهد إضافة إلى ما ذكر تشنج عضلات الحنجرة وعضلات جدار الصدر وهذا يزيد في عسرة التنفس.
والدراسات التي أجريت على عينات عشوائية لمرضى الربو في مختلف الأعمار أظهرت عدد من العوامل المؤثرة في حدوث الربو وهي: (1) الالتهاب: خاصة التهاب المجاري التنفسية العلوية. (2) الأليرجيا أو التحسس: وخاصة من غبار المنزل أو غبار الطلع أو الحقن الدوائية أو العطور أو الدخان أو الزيت المقلي أو الأطعمة. (3) العوامل النفسية: حيث يعتبر التوتر الانفعالي من أهم العوامل المسببة لحدوث الربو، وللتوتر الانفعالي أشكال مختلفة كالقلق، والسخط، والذل، والأسى، والضحك، والسرور، وحتى الابتهاج لتوقع حدوث شيء ما قد يكون له دور في حصول الأزمة الربوية.
وهناك تجارب أجريت على مرضى الربو للتحري عن العوامل المحسسة وذلك بإعطائهم إرذاذات معينة ثم دراسة الارتكاسات بواسطة مقياس التنفس وقد ظهر أنّ الارتكاس تجاه كميات معينة من المحسسات تكون أشد بكثير إذا كان المريض بحالة توتر مما لو كان بحالة الراحة والاسترخاء. وهذا التبادل في التأثير بين الانفعال والتحسس قد تمت ملاحظته منذ فترة طويلة من قبل شخص فرنسي يدعى تروسو والذي كان مصابا بالربو، ففي أحد الأيام قبض على مدربه وهو يسرق الشوفان من إسطبله فأراد أن يوبخه وهو في حالة من الاستياء والغضب ولكنه لم يتمكن من ذلك لأنه تعرض لنوبة ربوية حادة، وعندما وصف حالته فيما بعد قال بأنّ هناك ارتباط واضح بين غضبه والأغبرة التي كانت في الاسطبل وبين حدوث نوبة الربو الحادة، وقد علل ذلك بأنه قد تعرض مسبقا لكميات مماثلة من الأغبرة ولم يُصب بهجة ربوية حادة. وكذلك هناك ارتباط واضح بين الانفعال وتطور الالتهاب، فقد أظهرت التجارب أنّ التوتر الانفعالي يمكن أن يسبب انتباج وفرط إفراز وتهيج في مخاطية القصبات وهذه الأشياء جميعها يمكن أن تسبب الالتهاب، وفي بعض الأحيان تتطور هجمة الربو عند بعض المرضى نتيجة تراكب تأثيري الانفعال النفسي والالتهاب معا، فقد حدث مرة لمريضة في العاشرة من عمرها تعاني من هجمات متكررة من التهاب القصبات ولكن دون وجود هجمات ربوية، أن دخل لص إلى المنزل فشعرت بالخوف والرعب وكانت آنذاك مصابة بالتهاب قصبات فأثار ذلك عندها نوبة ربوية حادة. وهكذا فإنّ التحسس والالتهاب والانفعال عوامل تتضافر معا لتسبب حلقة مفرغة من التأثيرات والتي ينتج عنها استمرار المرض وتطوره.
وللإيحاء كعامل نفسي دور كبير في إثارة نُوَب الربو حتى في حال غياب العوامل المحسسة نفسها، مثال ذلك إذا زار أحد المتحسسين لغبار الطلع معرضا فنيا فيه صور لحقول القمح فقد يتعرض لهجمة حادة من الربو أو حمى العلف، وأما الذي يتحسس للغبار فقد يصاب بأحد الهجمات الحادة لمجرد أن يرى صورة لرعاة البقر وهم يفرُّون مثيرين وراءهم كمية كبيرة من الغبار، بينما الذي يتحسس للأزهار فقد يتعرض لهجمة ربوية حادة بعد رؤية الأزهار مباشرة حتى لو كانت هذه الأزهار اصطناعية.
كما للإيحاء كعامل نفسي دور هام في تهدئة وإزالة نوبة الربو الحادة، فقد ذكر أحد الأطباء المصابين بالربو أنه ذهب مرة إلى أحد الفنادق النائية في الريف لقضاء عطلة الأسبوع، واستيقظ في منتصف الليل إثر تعرضه لهجة ربو حادة، فأخذ يتلمس طريقه في الظلام بحثا عن مفتاح الإضاءة دون أن يجده، فمسك حذاءه وقد تملكه اليأس وتلمس النافذة وحطم زجاجها ثم بدأ يتنفس بعمق حتى انتهت النوبة، ثم أمضى بقية الليل بسلام، ولكن عندما استيقظ في الصباح أصيب بالدهشة عندما وجد أنه حطم زجاج المرآة بدلا من زجاج النافذة.
ثانيا: التهاب الأنف الوعائي الحركي:
يتصف التهاب الأنف الوعائي الحركي بحدوث هجمات متقاربة من السيلان والعُطاس وانسداد الأنف وتترافق هذه الأعراض بإفراز غزير من غدد الغشاء المخاطي مع فرط توعية دموية وتسمك في الغشاء المخاطي الأنفي.
والعوامل المسببة لحدوث التهاب الأنف الوعائي الحركي هي كما في الربو: الالتهاب والتحسس والانفعال النفسي. ويقال في دور العامل النفسي مثل ما قيل في الربو القصبي.
ثالثا: حمى العلف:
حمى العلف مرض يتصف تحسس تجاه غبار الطلع ويصيب الغشاء المخاطي للأنف والملتحمة والبلعوم والطرق التنفسية العلوية، وهو مرض فصلي ترتبط هجماته بعلاقة واضحة مع كمية غبار الطلع الموجودة في المحيط. ويقال في العوامل المسببة ودور العامل النفسي مثل ما قيل في الربو القصبي والتهاب الأنف الوعائي الحركي.
أما الآلية المرضية التي يؤثر بها العامل النفسي على الجسم لإثارة نوبات الربو والتهاب الأنف الوعائي وحمى العلف فهي فتتم عن طريق الجهاز العصبي نظير الودي، حيث إنّ فرط فعالية هذا الجهاز هي التي تحدث التبدلات الفسيولوجية المرضية خلال الهجمات.
رابعا: القرحة الهضمية:
لقد تبيَّن سريريا ومنذ سنوات بعيدة أنّ أعراض القرحة الهضمية قد تظهر أو تزداد أو تتفاقم عندما يتعرض المريض لاضطرابات عاطفية أو لحالات من الشدة النفسية. وقد تم وضع التقارير الأولى عن العلاقة بين التفاعلات الحادثة في المعدة وبين الاضطرابات العاطفية من قبل بيمونت حيث أجرى دراسته على مريض مصاب بناسور معدي ناجم عن جرح ناري قديم، وتبيَّن أنّ هضم مختلف أنواع الأطعمة يتعلق بحالة المريض والاضطرابات العاطفية لديه. كما قام الطبيبان وولف وولف بدراسات هامة على مريض لديه ناسور معدي وسمح لهما بإجراء الدراسات عليه والتعرف على وظيفة الغشاء المخاطي في مختلف الظروف التي يتعرض لها، وضمن خطة التجربة اتهم المريض وهو عامل بأنه قد طلب ثمنا باهظا مقابل أحد الأعمال التي سينجزها لرئيسه، وقد استاء من هذا الاتهام وكبت ذلك في نفسه لأنه لم يستطع التعبير عن هذا الاستياء، وفي هذه الحالة العاطفية تمت مراقبة الغشاء المخاطي لمعدته حيث بدت محتقنة ومزدادة الحموضة والإفراز وبدا الغشاء المخاطي باللمس سهل التفتت والنزف.
فالاضطرابات العاطفية تُحدث تبدلات في وظيفة المعدة والتي بدورها تهيئ لحدوث القرحة، فبازدياد هشاشة الغشاء المخاطي تزداد قابليته للتسحج والتقرح بآلية ميكانيكية كما ترتفع نسبة الحموضة والإفراز مما يؤدي إلى إزمان القرحة وتأخر شفائها.
ولكن العوامل العاطفية ليست هي الوحيدة المسؤولة عن حدوث القرحة الهضمية، فالدراسات أظهرت ارتفاع مولد الببسين عند المصابين بالقرحة، ونسبة مولد الببسين في الدم يتم تحديدها منذ الفترة الأولى من الحياة وقد يكون ذلك مرتبطا بالوراثة.
وكذلك يجب الإشارة إلى العامل الجرثومي في إحداث القرحات الهضمية حيث وُجد أنه يحيط بالقرحة عادة منطقة التهابية، وبدراسة هذه المنطقة الالتهابية وُجد خمج موضعي بجرثوم يسمى كامبيلوباكتر بيلوري (campilobacter pylori) وقد ثبت وجود هذا الخمج في أكثر القرحات المعدية وفي جميع القرحات المعوية، وهذا الجرثوم يُحدث خللا في الغشاء المخاطي الظاهر للمعدة والأمعاء ويؤهب بذلك لحصول القرحات.
خامسا: التهاب القولون التشنجي والقرحي:
لقد وُجد أنّ الاضطرابات الأساسية الحادثة في الأمعاء الغليظة سواء كانت تشنجية أو قرحية ناجمة بالدرجة الأولى عن العوامل النفسية والعاطفية، حيث تمت مراقبة المرضى الذين أجري لهم خزع كولون أو أعور فلوحظ تغيرات واضحة في التوعية الدموية وفي إفراز الليزوزيم خلال الحالات العاطفية، فالحالات العاطفية تزيد من حركة الأمعاء كما تزيد من التوعية الدموية وإنتاج الليزوزيم، وهذا الأخير يعتبر من العوامل المسؤولة عن حدوث المرض، حيث يقوم بتجريد مخاطية الكولون التي تشكل طبقة واقية له، وبهذا يصبح الكولون سريع العطب بتأثير العوامل الضارة كالالتهاب والعوامل الميكانيكية.
كما يُعتقد بأنّ التشنج المديد العضلات الكولون الناجم عن التوتر العاطفي يسبب نقص في تروية مخاطية الكولون وعندما ترتخي هذه العضلات يحدث تنخر في المخاطية مما يؤدي إلى حدوث النزف.
وهناك نظرية بأنّ محتويات الأمعاء الدقيقة تمر إلى الكولون نتيجة لزيادة حركة الأمعاء الناجمة عن الانفعال، وأنّ الأنزيمات الموجودة في هذا السائل والتي لها قدرة هاضمة تفوق قدرتها الطبيعية يمكنها أن تسبب عطب للوسائل الدفاعية لمخاطية الكولون، وهذه العوامل كلها تؤدي إلى هضم سطح الأمعاء وبالتالي غزو الجراثيم لها وحدوث التقرح.
على كل حال فإنّ تجنب المريض المصاب بالتهاب الكولون للشدات العاطفية له أهمية علاجية واضحة، حيث لوحظ أنّ المعالجة النفسية خاصة في المراحل الأولى للمرض لها تأثير واضح ومفيد، إلا أنّ هذه المعالجة تصبح ذات تأثير ضئيل عندما يزمن المرض ويستمر فترة طويلة حيث تحدث تبدلات نسيجية غير قابلة للتراجع.
سادسا: القمه العصبي:
القمه هو فقدان الشهية، والقمه العصبي هو اضطراب يكاد يكون مقتصرا على الفتيات الصغيران وقد يصاب به النساء الأكبر سنا وأحيانا الرجال، وكلمة القمه تعبير خاطئ بالنسبة لهذا المرض لأنه يبدأ عادة بتحديد كمية الطعام التي يتناولها المريض حيث يأخذ كمية قليلة منه ويذهب خفية إلى مكان آخر فيتخلص من الطعام أو يجبر نفسه على تقيؤه، ولا ينتبه عادة لوجود المرض إلا بعد أن يفقد المريض ثلث وزنه أو أكثر، ومع تناقص مقدار الطعام يمكن أن يفقد المريض شهيته وقد يصاب بنهم شديد فيتناول كميات كبيرة من الطعام ويشعر بالذنب ومن ثم يجبر نفسه على تقيؤ الطعام أو يقوم بتمارين رياضية شديدة ليستهلك ما تناوله من طعام، وهذا ما يجعل المريض نحيلا وكأنه من ضحايا معسكرات الاعتقال النازية.
فالأعراض الأساسية للقمه العصبي هي فقدان (25%) من الوزن على الأقل، وغياب الطمث لمدة ستة أشهر على الأقل، والتعب والإرهاق والغثيان والقيء، وغياب الأشعار وتساقط الأظافر، حتى يصبح الشكل هيكلا عظميا، والأساس في القمه العصبي هو نظرة الفتاة إلى ذاتها وجسدها واعتبار الذات بدينة ومن ثم مكافحة هذه البدانة المتخيلة، وهذا الافتراق بين الخيال والواقع هو السبب في تصنيف المرض ضمن الأمراض النفسية.
والأساس في تدبير هذه الحالة هو تصحيح نظرة المريضة إلى نفسها من خلال بناء الثقة مع المريضة والعلاج في المستشفى مع التدرج في العلاج، وقد يكون من المفيد إعطاء المريضة المهدئات النفسية البسيطة ومضادات الاكتئاب وفاتحات الشهية، ولا يمكن أن نقول أنّ العلاج قد نجح إلا بعد عودة الدورة الطمثية، وفي حال فشل العلاج فإنّ الموت سوف يحدث بسبب الجوع الشديد أو الالتهاب المتكرر بذات الرئة أو التدرن.
سابعا: الاضطرابات الجلدية:
إنّ التي تم الوصول إليها أثبتت أنّ العوامل العاطفية تؤثر في الجلد كاحمرار الوجه الناجم عن الارتباك، والشحوب بسبب الخوف، والشحوب والاحمرار الناجم عن الامتعاض والغيظ، وهذه الحالات تعتمد على الحالة العاطفية للمريض، كما أظهرت التجارب أنّ الاضطراب العاطفي له صلة وثيقة في إحداث كل من الحالات التالية: تنظيم التوعية الدموية للجلد، تنظيم إفراز العرق، التأثير على درجة النتوح، التأثير في الميل لحدوث الحكة، ومثال ذلك الداء الشروي (الشري) فالتحريض الفيزيائي والإنتانات والعوامل المحسسة والعوامل العاطفية والتبدلات الجلدية تؤدي إلى تحرر الأستيل كولين والهيستامين، والمرض الحاك يضع المريض في حلقة مفرغة لأنه يثير عنده الرغبة في الحك في مناطق معينة من الجلد، فإذا ما حك المريض جلده المثار نبَّه بذلك مناطق الجلد المجاورة فيحكها أيضا وهكذا دواليك، فالتوتر العاطفي بزيادته للتوعية الدموية وإحداثه النتحة والحكة يعتبر من العوامل التي تزيد في شدة الاضطرابات العاطفية.
ثامنا: ارتفاع التوتر الشرياني الأساسي:
يطلق ارتفاع التوتر الشرياني الأساسي على ارتفاع التوتر المجهول السبب حيث لا يوجد آفة شريانية أو كلوية أو غدية أو غير ذلك من الآفات العضوية، وقد لوحظ أنّ العوامل العاطفية تلعب دورا مهما في حدوثه، فكل طبيب يعلم أنّ قياس الضغط الشرياني لأول مرة عند المريض يكون أعلى مما هو عليه في المرات التالية وذلك بسبب خوف المريض، فالقلق والتوتر والاستياء والغضب والعدائية يمكنها أن تثير وتحرض ارتفاع التوتر الشرياني وذلك من خلال تحريض القسم الودي من الجملة العصبية الذاتية وانطلاق النور أدرينالين من لب الكظر ومنه حدوث تقلص في شرينات الكلية وهذا بدوره يؤدي إلى إطلاق بعض المواد الكيميائية التي تلعب دورا كبيرا في حدوث وتطور ارتفاع التوتر الشرياني.
تاسعا: خناق الصدر والجلطة القلبية:
إنّ خناق الصدر وتخثر الشرايين الإكليلية هما من أهم المشاكل الطبية والاجتماعية من حيث التواتر وإحداث العجز والموت عند الناس، وقد لوحظ أنّ للعوامل العاطفية دورا مهما في إحداثهما وذلك أنّ الانفعال يؤدي إلى ارتفاع مستوى الكولسترول في الدم وهذا بدوره يؤهب لحدوث خناق الصدر، وكذلك الانفعال يؤدي إلى ازدياد قابلية التخثر ونقص زمن تشكل العلقة وهذا بدوره يؤهب لحدوث احتشاء العضلة القلبية (الجلطة)، فليس من النادر حدوث الأمراض الإكليلية بسبب فرط الإجهاد والقلق بشأن المال والعمل والوطن.
ويقال مثل ذلك في الحوادث الوعائية الدماغية سواء كانت نقص في التروية الدماغية أم كانت جلطات دماغية، فالتوتر الانفعالي الناجم عن النزاعات والشدات والصعوبات المختلفة له علاقة مؤكدة بالأمراض الجسمية من حيث إظهارها أو زيادة شدتها أو طول مدتها، وكان جون هنتر صاحب طبع نزق عات، وقال حين وجد نفسه عرضة للذبحة الصدرية: إنّ حياتي في يد أي وغد يطيب له أن يضايقني ويغيظني، وحدث أنّ أحد زملائه ناقضه فاستشاط غضبا، ولم يلبث أن فارق الحياة بعد دقائق قليلة.
وهناك العديد من الأمراض التي يلعب التوتر الانفعالي دورا في حدوثها لم نذكرها واكتفينا بذكر الأمراض الأهم، ولا بد من التنويه هنا بدور العلاج النفسي في شفاء هذه الأمراض أو التقليل من خطرها إضافة إلى دور العلاجات الأخرى كالعلاج الدوائي والجراحي وغيرهما.
إنّ القصة المذكورة آنفا ومثلها كثير تشير إلى دور العامل النفسي في الشفاء من الأمراض أي إنّ الاعتقاد بأنّ عمل ما يؤدّي للشفاء قد يحصل الشفاء فعلا بهذا الاعتقاد حتى لو لم يكن للعمل أي دور مقنع أو علمي في الشفاء، كما دلت الإحصاءات على مئة مريض بعد إعطائهم دواءً غفلاً (أي: دواءً وهميا) أنّ 20% منهم قد شُفي من مرضه، وإنّ العلاج الحقيقي لا بدّ أن يشمل الروح والجسد جنباً إلى جنب وهذا ما يتفق مع النظريات العلمية الحديثة عن أهمية العامل النفسي في العلاج الحديث، فقد دلّت الإحصاءات على أنّ أغلبية المرضى بشتى أنواع الأمراض ترجع أمراضهم إلى أسباب نفسية، وأنّ قسماً كبيراً من المرضى ليس لديهم أي مرض عضوي، وليس معنى ذلك أنّ هذه الأمراض مجرد أوهام خيالية فهي أمراض حقيقية ولكن مسبباتها نفسية.
إنّ الأسباب الرئيسية للأمراض العقلية والنفسية هي الشعور بالخوف أو الإثم أو الخطيئة أو الحقد أو الكبت أو الشك أو الغيرة أو الأنانية أو الملل والسأم والضجر، ومن المعروف أنّ الخوف بشكليه المباشر وغير المباشر أو الخوف من معلوم والخوف من مجهول هو جوهر ما يسمّى بالعُصابات في الطب النفسي كعصاب القلق وعصاب الاكتئاب وعصاب الرهاب وعصاب الهستريا وعصاب الوسواس القهري وعصاب وسواس المرض، إنّ هذه المجموعة من الأمراض يقف خلفها الخوف كعامل مسبب، كما إنّ أمراضا عضوية كثيرة قد تنجم عن المشاعر المرضية التي ذكرناها سابقا وإنّ كثيرا ممن يشتغلون في العلاج النفسي ينجحون في تقصّي أسباب الأمراض ولكنهم يفشلون في العلاج لأنهم لا يلجؤون إلى بثِّ الإيمان في نفوس المرضى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.