وزيرة الهجرة: مصر والمملكة المتحدة تربطهما علاقات تاريخية وثيقة    وزير الإسكان يصطحب نائب رئيس غينيا بالبرج الأيقوني ويستعرض جهود إنشاء العاصمة الإدارية    حزب الله يعلن مقتل أحد عناصره متأثرًا بإصابته قبل أيام    أبرزهم راقصي السامبا.. مواعيد مباريات اليوم الأربعاء    أول صور لمخيمات حجاج قرعة الحج السياحي بمنى وعرفات قبل تصعيد الحجاج    ما هي المادة 384 التي طلب استخدامها قاضي عصام صاصا حال عدم حضوره؟    حبس ربة منزل بتهمة ترويج المواد المخدرة في روض الفرج    البروفات النهائية للمخرج مازن الغرباوي قبل مشاركته بعرض "انتحار معلن" في مهرجان آرانيا الدولي للمسرح    البورصة: مؤشر الشريعة الإسلامية يضم 33 شركة بقطاعات مختلفة    بروتوكول بين بنك مصر وصندوق التنمية الحضرية لمنح قروض تمويل عقاري لمشروعات تطوير عواصم المحافظات    المصري الديمقراطي: تنسيقية شباب الأحزاب استطاعت تأهيل عدد كبير من الشباب للعمل السياسي    صحة غزة تحذر من توقف محطة الأكسجين الوحيدة في القطاع    نقيب الصحفيين الفلسطينيين ل"قصواء الخلالي": موقف الرئيس السيسي تاريخي    الاستخبارات الداخلية الألمانية ترصد تزايدا في عدد المنتمين لليمين المتطرف    القوات المسلحة تهنئ رئيس الجمهورية بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك    أيمن يونس يكشف كواليس عقوبة زامورا عليه بسبب لاعب الأهلي    "لا أفوت أي مباراة".. تريزيجية يكشف حقيقة مفاوضات الأهلي    تدريب وبناء قدرات.. تفاصيل بروتوكول تعاون بين مركز التدريب الإقليمي للري والمعهد العالي للهندسة بالعبور    عاشور يشارك في اجتماع وزراء التعليم لدول البريكس بروسيا    التعليم تكشف تفاصيل مهمة بشأن مصروفات العام الدراسي المقبل    فيديو| إجراءات تفتيش طالبات بالثانوية العامة في السويس قبل انطلاق امتحان الاقتصاد    الداخلية: ضبط 562 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة    توريد 228 ألف طن قمح لشون وصوامع البحيرة    عزيز الشافعي: أغاني الهضبة سبب من أسباب نجاحي و"الطعامة" تحد جديد    في ذكرى ميلاد شرارة الكوميديا.. محطات في حياة محمد عوض الفنية والأسرية    عصام السيد يروي ل"الشاهد" كواليس مسيرة المثقفين ب"القباقيب" ضد الإخوان    سوسن بدر: المصريون نتاج الثقافات والحضارات الوافدة لمصر وصنعنا بها تاريخ    بيان الأولوية بين شعيرة الأضحية والعقيقة    5 نصائح من «الصحة» لتقوية مناعة الطلاب خلال فترة امتحانات الثانوية العامة    الصحة: إجراء 2.3 مليون عملية بقوائم الانتظار بتكلفة 17 مليار جنيه    جواو فيليكس: مستعدون لليورو والهزيمة أمام كرواتيا أعادتنا للمسار الصحيح    شبانة: حسام حسن عليه تقديم خطة عمله إلى اتحاد الكرة    «أوقاف شمال سيناء» تقيم نموذج محاكاه لتعليم الأطفال مناسك الحج    كومباني يحدد أول صفقاته في بايرن    وزيرة الهجرة تستقبل سفير الاتحاد الأوروبي لدى مصر لبحث التعاون في ملف التدريب من أجل التوظيف    حماية العيون من أضرار أشعة الشمس: الضرورة والوقاية    «التضامن الاجتماعي» توافق على قيد جمعيتين بالشرقية    عفو رئاسي عن بعض المحكوم عليهم بمناسبة عيد الأضحى    محافظ الغربية يتابع مشروعات الرصف والتطوير الجارية ببسيون    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح العام الأولي لشركة «ألف للتعليم القابضة» بقيمة 515 مليون دولار في سوق أبو ظبي للأوراق المالية    أفضل أدعية يوم عرفة.. تغفر ذنوب عامين    عضو لجنة الرقابة الشرعية: فنادق الشركات المقدمة للخمور تنضم لمؤشر الشريعة بشرط    يونيسف: نحو 3 آلاف طفل في غزة معرضون لخطر الموت    الأرصاد تكشف عن طقس أول أيام عيد الأضحي المبارك    توقيع بروتوكول تعاون ثنائي بين هيئة الرعاية الصحية ومجموعة معامل خاصة في مجالات تطوير المعامل الطبية    "مقام إبراهيم"... آيةٌ بينة ومُصَلًّى للطائفين والعاكفين والركع السجود    تفاصيل مشاجرة شقيق كهربا مع رضا البحراوي    وزير الدفاع الألماني يعتزم إعادة نظام تسجيل المؤهلين للخدمة العسكرية    بطل ولاد رزق 3.. ماذا قال أحمد عز عن الأفلام المتنافسة معه في موسم عيد الأضحى؟    وزير الأوقاف يهنئ الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك    وزير الصحة: تقديم كافة سبل الدعم إلى غينيا للتصدي لالتهاب الكبد الفيروسي C    استشهاد 6 فلسطينيين برصاص إسرائيلي في جنين بالضفة الغربية    «اشتغل وخلاص».. رسالة خاصة من حازم إمام ل حسام حسن    اتحاد الكرة يحسم مشاركة محمد صلاح في أولمبياد باريس 2024    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    خلال 3 أشهر.. إجراء عاجل ينتظر المنصات التي تعمل بدون ترخيص    برلماني: مطالب الرئيس ال4 بمؤتمر غزة وضعت العالم أمام مسؤولياته    حظك اليوم| الاربعاء 12 يونيو لمواليد برج الميزان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف كامل عن البصمة الوراثية واثبات النسب واستخدامها فى الشق الجنائى


أولاً : التعريف اللغوي للفظ ( البصمة )
البصمة مشتقة من البُصْم وهو : فوت ما بين طرف الخنصر إلي طرف البنصر يقال ما فارقتك شبراً ، ولا فتراً ، ولا عتباً ، ولا رتباً ، ولا بصماً . ورجل ذو بصم أي غليظ البصم ( 1 )
وبصم بصماً : إذا ختم بطرف إصبعه .
والبصمة أثر الختم بالإصبع (2)
فالبصمة عند الإطلاق ينصرف مدلولها غلي بصمات الأصابع وهي : الانطباعات التي تتركها الأصابع عند ملامستها سطحها مصقولاً ، وهي طبق الأصل لأشكال الخطوط الحلمية التي تكسو جلد الأصابع وهي لا تتشابه إطلاقاً حتى في أصابع الشخص الواحد .

ثانياً : ماهية البصمة الوراثية : -
مما تقدم في بيان التعريف اللغوي للفظ البصمة يتضح أن من أهم فوائد معرفة بصمات الأصابع الاستدلال بها علي مرتكبي الجرائم من خلال ما ينطبع من بصماتهم علي الأجسام المصقولة في محل الجريمة ، فهي قرينة قوية في التعرف علي الجناة ، ولقد تجاوزت الاكتشافات الطبية الحديثة معرفة هذه الخاصية من جسم الإنسان إلي اكتشاف خواص كثيرة فيه وإدراك مدي تأثير تلك الخواص في الوراثة عن طريق أجزاء من جسم الإنسان من دم أو شعر أو مني ، أو بول أو غير ذلك .
وقد دلت الاكتشافات الطبية أنه يوجد في داخل النواة التي تستقر في خلية الإنسان ( 46 ) من الصبغيات ( الكروموسومات ) وهذه الكروموسومات تتكون من المادة الوراثية - الحمض النووي الريبوري اللأكسجيني - والذي يرمز إليه ب (دنا ) أي الجينات الوراثية ، وكل واحد من الكروموسومات يحتوي علي عدد كبير من الجينات الوراثية قد تبلغ في الخلية البشرية الواحدة إلي مائة ألف مورثة جينية تقريباً وهذه المورثات الجينية هي التي تتحكم في صفات الإنسان ، والطريقة التي يعمل بها ، بالإضافة إلي وظائف أخرى تنظيمية للجينات .
وقد أثبتت التجارب الطبية الحديثة بواسطة وسائل تقنية في غاية التطور والدقة : أن لكل إنسان جينوماً بشرياً يختص به دون سواه ، لا يمكن أن يتشابه فيه مع غيره أشبه ما يكون ببصمة الأصابع في خصائصها بحيث لا يمكن تطابق الصفات الجينية بين شخص وآخر حتى وإن كانا توأمين .
ولهذا جري إطلاق عبارة ( بصمة وراثية ) للدلالة علي تثبيت هوية الشخص أخذاً من عينة الحمض النووي المعروف ب ( دنا ) الذي يحمله الإنسان بالوراثة عن أبيه وأمه ، إذ أن كل شخص يحمل في خليته الجينية ( 46 ) من صبغيات الكروموسومات ، يرث نصفها وهي ( 23 ) كروموسوماً عن أبيه بواسطة الحيوان المنوي ، والنصف الأخر وهي ( 23) كروموسوماً يرثها عن أمه بواسطة البويضة وكل واحد من هذه الكروموسومات والتي هي عبارة عن جينات الأحماض النووية المعروف باسم ( دنا ) ذات شقين ويرث الشخص شقاً منها عن أبيه والشق الأخر عن أمه فينتج عن ذلك كروموسومات خاصة به لا تتطابق مع كروموسومات أبيه من كل وجه ن ولا مع كروموسومات أمه من كل وجه وإنما جاءت خليطاً منهما (3)
وبهذا الاختلاط أكتسب صفة الاستقلالية عن كروموسومات أي من والديه مع بقاء التشابه معهما في بعض الوجوه ، لكنه مع ذلك لا يتطابق مع أي من كروموسومات والديه ، فضلاً عن غيرهما .
قال الدكتور محمد باخطمة: ( وتتكون كل بصمة من وحدات كيماوية ذات شقين ، محمولة في المورثات وموزعة بطريقة مميزة تفرق بدقة بارعة كل فرد من الناس عن الآخر ، وتتكون البصمة منذ فترة الانقسام في البويضة الملقحة وتبقي كما هي حتي بعد الموت ، ويرث كل فرد أحد شقي البصمة من الأب والأخر من الأم بحيث يكون الشقان بصمة جديدة ، ينقل الفرد أحد شقيها إلي أبنائه ، وهكذا ..... ) (4)
وقال الدكتور عبد الهادي مصباح : ( الحامض النووي عبارة عن بصمة جينية لا تتكرر من إنسان إلي آخر بنفس التطابق ، وهي تحمل كل ما سوف يكون عليه هذا الإنسان من صفات وخصائص ، وأمراض وشيخوخة ، وعمر ، منذ التقاء الحيوان المنوي للأب ببويضة الأم وحدوث الحمل ) (5)
وعلماء الطب الحديث يرون أنهم يستطيعون إثبات الأبوة ، أو البنوة لشخص ما أو نفيه عنه من خلال إجراءات الفحص علي جيناته الوراثية حيث قد دلت الأبحاث الطبية التجريبية علي أن نسبة النجاح في إثبات النسب أو نفيه عن طريق معرفة البصمات الوراثية يصل في حالة النفي إلي حد القطع أي بنسبة 100 %أما في حالة الإثبات فإنه فأنه يصل إلي قريب من القطع وذلك بنسبة 99 % تقريباً .
وطريقة معرفة ذلك : أن يؤخذ عينة من أجزاء الإنسان بمقدار رأس الدبوس من البول ، أو الدم ، أو الشعر ، أو المني ، أو العظم أو اللعاب أو خلايا الكلية ، أو غير ذلك من أجزاء جسم الإنسان وبعد أخذ هذه العينة يتم تحليلها ، وفحص ما تحتوي عليه من كروموسومات - أي صبغيات - تحمل الصفات الوراثية ، وهي الجينات ، فبعد معرفة هذه الصفات الوراثية الخاصة بالابن وبوالديه يمكن بعد ذلك أن يثبت بعض هذه الصفات الوراثية في الابن موروثة له عن أبيه لاتفاقهما في بعض هذه الجينات الوراثية فيحكم عندئذ بأبوته له ، أو يقطع بنفي أبوته له ، وكذلك الحال بالنسبة للأم ، وذلك لأن الابن - كما تقدم - يرث عن أبيه نصف مورثاته الجينية ، بينما يرث عن أمه النصف الآخر ، فإذا أثبتت التجارب الطبية والفحصوات المخبرية وجود التشابه في الجينات بين الابن وأبويه ، ثبت طبياً بنوته لهما .
وقد تثبت بنوته لأحد والديه بناء علي التشابه الحاصل بينهما في المورثات الجينية بينما ينفي عن الآخر منهما ، بناء علي انتقاء التشابه بينهما في شتي المورثات الجينية (6)
ثالثاً : مجالات العمل بالبصمة الوراثية :
يري المختصون في المجال الطبي وخبراء البصمات أنه يمكن استخدام البصمات الوراثية في مجالات كثيرة ، ترجع في مجملها إلي مجالين رئيسين هما :
1- المجال الجنائي : وهو مجال واسع يدخل ضمنه :
الكشف عن هوية المجرمين في حالة ارتكاب جناية قتل ، أو اعتداء ، وفي حالات الاختطاف بأنواعها ، وفي حالة انتحال شخصيات الآخرين ونحو هذه المجالات الجنائية .
2- مجال النسب : وذلك في حالة الحاجة إلي إثبات البنوة أو الأبوة لشخص ، أو نفيه عنه ، وفي حالة اتهام المرآة بالحمل من وطء شبة ، أو زنا (7 )
استخدام البصمة الوراثية في مجال النسب
في تعريف النسب وعناية الإسلام به
أولاً : تعريف النسب :
التعريف اللغوي :
النسب في اللغة : القرابة ، وسميت القرابة نسباً لما بينهما من صلة واتصال ، وأصله من قولهم نسبته إلي أبيه نسباً ، ومن باب طلب ، بمعني : عزوته إليه ، وانتسب إليه : اعتزي.
والاسم : النسبة بالكسر ، وتجمع علي نسب ، قال ابن السكيت : يكون من قبل الأب ، ومن قبل الأم ، وقال بعض أهل اللغة : هو في الآباء خاصة علي اعتبار أن المرء إنما ينسب لأبيه فقط ولا ينسب لأمه إلا في حالات استثنائية .
وقد استعمل النسب وهو المصدر في مطلق الوصلة بالقرابة فيقال : بينهما نسب أي قرابة ،وجمعه أنساب .قال الراغب الأصفهاني النسب والنسبة : اشتراك من جهة أحد الأبوين وذلك ضربان : نسب بالطول ، كالاشتراك من الآباء والأبناء ، ونسب بالعرض ، كالنسبة بين بني الأخوة ، وبني الأعمام (1 )
التعريف الاصطلاحي :
مع البحث المستفيض في كثير من المصنفات في المذاهب الفقهية الأربعة لم أقف علي تعريف شرعي للنسب جامع مانع إذ يكتفي الفقهاء بتعريف النسب بمعناه العام ، المستفاد في معناه في اللغة وهو مطلق القرابة بين شخصين ، دون أن يعرفوه بالمعني الاصطلاحي الشرعي ، وهو الذي يفيد صحة ثبوت النسب لشخص ما ، أو عدم ثبوته له . ومن تلك التعريفات العامة تعريف العلامة البقري بقوله : ( هو القرابة ، والمراد بها الرحم ، وهي لفظ يشمل كل من بينك وبينه قرابة ، قربت أو بعدت ، كانت من جهة الأب أو من جهة الأم ) ( 2)
وعرفه صاحب العذب الفائض ، بالقرابة أيضاً ، ثم قال ( وهي الاتصال بين إنسانين بالاشتراك في ولادة قريبة أو بعيدة .
وقد حاول بعض الباحثين المعاصرين تعريف النسب بمعناه الاصطلاحي الخاص ، وهو القرابة من جهة الأب باعتبار أن الإنسان إنما ينسب لأبيه فقط فقد قال في تعريفه : ( حالة حكمية إضافية بين شخص وآخر ، من حيث أن الشخص انفصل عن رحم امرأة هي في عصمة زوج شرعي ، أو ملك صحيح ، ثابتين ، أو مشبهين الثابت للذي يكون الحمل من مائه ) (3 )
ثانياً : عناية الإسلام بالنسب :
أولت الشريعة الإسلامية النسب مزيداً من العناية ، وأحاطته ببالغ الرعاية ، ولا أدل علي ذلك من جعله في طليعة الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع السماوية علي وجوب حفظها ورعايتها .
وأن من أجلي مظاهر العناية بالنسب في الإسلام أن الله تعالي أمتن علي عباده بأن جعلهم شعوباً وقبائل ليتعارفوا ، فقال عز وجل : (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم )) ( 4) ولا يتحقق معرفة الشعوب والقبائل ، وما يترتب علي ذلك من تعارف وتألف إلا بمعرفة الأنساب وحفظها عن الاشتباه والاختلاط .
ومن أجل ذلك عني الإسلام أيما عناية بتنظيم العلاقة بين الرجل والمرآة ضماناً لسلامة الأنساب ، فحرم الإسلام كل اتصال جنسي يتم علي أصول شرعية يحفظ لكل من الرجل والمرآة ما يترتب ما يترتب علي هذا الاتصال من آثار ، وما ينتج عنه من أولاد ، وأبطل جميع أنواع العلاقات التي تعارفت عليها بعض الأمم والشعوب التي انحرفت عن شرائع الله السوية ، ولم يبح الإسلام سوي العلاقة القائمة علي النكاح الشرعي بشروطه المعتبرة ، أو بملك اليمين الثابت ، ولذا قال عز وجل ) والذين هم لفروجهم حافظون (5) إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6) فمن أبتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون ( ( 5)

ومن مظاهر عناية الإسلام بالنسب أنه شدد النكير ، وبالغ في التهديد للآباء والأمهات حين يقدمون علي إنكار نسب أولادهم الثابت ويتبرؤون منهم ، أو حين ينسبون لأنفسهم أولاداً ليسوا منهم
وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام : ( أيما امرأة أدخلت علي قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ، ولن يدخلها الجنة ، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه ، احتجب الله منه يوم القيامة ، وفضحه علي رؤوس الأولين والآخرين ) ( 6)
وحرم الإسلام الانتساب إلي غير الآباء حيث قال عليه الصلاة والسلام في معرض التحذير من ذلك ، وبيان الوعيد الشديد علي فاعله : ( من ادعي إلي غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ) (7 )
وأبطل الإسلام التبني وحرمه ، بعد أن كان مألوفاً وشائعاً عند أهل الجاهلية وفي صدر الإسلام ، يقول عز وجل ) ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آبائهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ( (8 )
وإنما حرم الإسلام التبني لما يترتب عليه من مفاسد كثيرة لكون المتبني ابناً مزوراً في الحقيقة والواقع ، وعنصراً غريباً عن الأسرة التي أنضم إليها ، ولا يحل له أن يطلع علي محارمها ، أو يشاركها في حقوقها ، إضافة إلي أنه قد لا ينسجم مع أخلاقها ، ولا يتلاءم مع طباعها ، لإحساسه وإحساس الأسرة بأنه أجنبي عنها ، وسواء كان المتبني معروف النسب أو مجهولة ، إلا أن الإسلام مع هذا يلحق المجهول بمن أدعاه بمجرد الدعوى ، مع إمكان كونه منه عادة ، وكل هذا من عناية الشريعة الإسلامية بالنسب ، ومزيد رعايتها له تحقيقاً لمقاصد عظيمة ، وحكم جليلة .
ضوابط
إجراء تحليل البصمة الوراثية
من أجل ضمان صحة نتائج البصمة الوراثية فقد ذكر بعض الفقهاء والأطباء المختصين بالبصمة الوراثية ضوابط لابد من تحققها كي يمكن الأخذ بنتائج البصمة الوراثية وهذه الضوابط تتعلق بخبراء البصمة الوراثية وبطريقة إجراء التحاليل ، والمختبرات والمعامل الخاصة بالبصمة الوراثية وأهم هذه الضوابط ما يأتي :
1- أن تكون مختبرات الفحص للبصمة الوراثية تابعة للدولة أو تشرف عليها إشرافاً مباشراً ، مع توفر جميع الضوابط العلمية والمعملية المعتبرة محلياً وعالمياً في هذا المجال .
2- أن يكون جميع القائمين علي العمل في المختبرات الخاصة بتحليل البصمة الوراثية سواء كانوا من خبراء البصمة الوراثية أو من المساندين لهم في أعمالهم المخبرية ممن توفر فيهم أهلية قبول الشهادة كما في القائف ، إضافة إلي معرفته وخبرته في مجال تخصصه الدقيق في المختبر ( 1)
3- توثيق كل خطوة من خطوات تحليل البصمة الوراثية بدءاً من نقل العينات إل بظهور النتائج حرصاً علي سلامة تلك العينات وضماناً لصحة نتائجها ، مع حفظ هذه الوثائق للرجوع إليها عند الحاجة .
4- عمل التحاليل الخاصة بالبصمة بطرق متعددة ، وبعدد أكبر من الأحماض الأمينية ، ضماناً لصحة النتائج قدر الإمكان ( 2)
فإذا توفرت هذه الشروط والضوابط في خبراء البصمة الوراثية وفي المعامل ومختبرات تحليل البصمة ، فإنه لا مجال للتردد فيما يظهر في مشروعية العمل بالبصمة الوراثية واعتبارها طريقاً من الطرق المعتبرة لإثبات النسب كالقيافة إن لم تكن أولي ، كما تقدم بيانه . والعلم عند الله تعالي .

مسائل لا يجوز إثبات النسب فيها بالبصمة الوراثية :
نص بعض الفقهاء علي مسائل لا مجال للقيافة في إثبات النسب بها ، وبالتالي فإنه لا مجال للبصمة الوراثية في إثبات النسب بها ومن هذه المسائل ما يأتي :
الأولي :
إذا أقر رجل بنسب مجهول النسب ، وتوفرت شروط الإقرار بالنسب فإنه يلتحق به ، للإجماع علي ثبوت النسب وتوفرت شروط الإقرار بالنسب فإنه يلتحق به ، للإجماع علي ثبوت النسب بمجرد الإستلحاق مع الإمكان ، فلا يجوز عندئذ عرضة علي القافة لعدم المنازع فكذا البصمة الوراثية كالقافة في الحكم هنا ( 3)
الثانية :
إقرار بعض الإخوة بأخوة النسب لا يكون حجة علي باقي الإخوة ، ولا يثبت به نسب ،وإنما تقتصر آثاره علي المقر في خصوص نصيبه من الميراث ( 4) ولا يعتد بالبصمة الوراثية هنا ، لأنه لا مجال للقيافة فيها (5 )
الثالثة : إلحاق مجهول النسب بأحد المدعيين بناء علي قول القافة ، ثم أقام الآخر بينة علي أنه ولده فإنه يحكم له به ، ويسقط قول القافة ، لأنه بدل علي البينة ، فيسقط بوجودها ، لأنها الأصل كالتيمم مع الماء ( 6) فهكذا البصمة الوراثية في الحكم هنا .
تنبيه علي مسائل هامة
وأود هنا ذكر عدد من المسائل المتعلقة بالبصمة والقيافة وإيضاح ما ظهر لي فيها من حكم شرعي علي النحو التالي :
الأولى:
أن الأخذ بالبصمة الوراثية في مجال إثبات النسب ، لا يوجب بطلان العمل بالقيافة ، لأنها طريق شرعي لإثبات النسب عند التنازع ، ثابت بالنص ، فلا يجوز إلغاؤه وإبطاله بأي حال من الأحوال ، ولكن يظل الطريقان - أعني القيافة والبصمة - محلا ً للعمل بهما في مجال إثبات النسب في الأحوال المنصوص عليها ، أما القيافة فبالنص ، وأما البصمة فبقياس الأولي علي القيافة .
وأري أن الحاكم الشرعي يحكم بأي الطريقين ترجح عنده أنه الحق ، وأن المصلحة تتحقق بالأخذ به حسب ما يظهر له من قرائن وأحوال ، فقد يترجح لديه في بعض القضايا والحالات الأخذ بأحد الطريقين دون الآخر ، أو العكس ، إما لتيسيره وإمكانيته ، وأما لمزيد حذق وإتقان فيه دون الآخر .

والثانية :
لو تعرض قول القافة ، وخبراء البصمة الوراثية في حالة عرض مجهول النسب عليهما فأيهما أولي بالأخذ به ؟
أري أن الأمر في هذه الحالة راجع إلي اجتهاد الحاكم الشرعي ، فيأخذ بما يري أنه أولي بالأخذ به ، والحكم بمقتضاه حسب ما يظهر له من قرائن وأحوال تستدعي ترجيح أحد القولين علي الآخر

الثالثة :
إذا اختلفت أقوال خبراء البصمة الوراثية في إلحاق مجهول النسب بالمتنازعين له ، في حالة عرض علي أكثر من خبير فالحكم في هذه الحالة كالحكم في اختلاف القافة علي ما سبق بيانه .
الرابعة :
إذا ألحق مجهول النسب بأحد المتنازعين بناء علي قول خبير البصمة الوراثية ، وحكم بثبوت ذلك حاكم ، ثم ألحقه خبير بصمة آخر ، فإنه لا يلتفت إلي قول المتأخر منهما ، لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف .
ومثل هذا أيضاً لو رجع خبير البصمة ، أو خبراء البصمة عن قولهم بإلحاق نسب المجهول بأحد المتنازعين بعد حكم الحاكم بثبوته وألحقوه بغيره ، فإنه لا يلتفت إلي رجوعهم ، لثبوت نسب المجهول بمن ألحق به أولاً ، لحكم الحاكم به ، كالقافة في هذا

الخامسة :
إذا لم يؤخذ بقول خبراء البصمة الوراثية لاختلاف أقوالهم أو لإشكال الأمر عليهم ، وعدم تمكنهم من إلحاق مجهول النسب بأحد المدعيين نسبه أو لم يوجد خبراء البصمة الوراثية ولم توجد قافة أيضاً فإن نسبه يضيع .
فالحكم في هذه المسائل الثلاثة الأخيرة كالحكم في القيافة علي ما سبق بيانه .
السادسة :
إذا تعارضت أقوال خبراء البصمة الوراثية ، ولم يمكن ترجيح قول بعضها علي بعض بكثرة عدد ونحو ذلك ، فإنه يصار إلي القرعة عند من يقول بالحكم بها في إثبات النسب من أهل العلم فمن خرجت له القرعة من المتداعين ألحق به النسب حفاظاً علي النسب عن الضياع وقطعاً للخصومة والنزاع ، كما سبق بيانه .
شبهة ، والإجابة عنها
ربما أعترض معترض علي مشروعية الأخذ بالبصمة الوراثية في مجال إثبات النسب بأن نتائج البصمة قد لا تكون دقيقة ، لما قد يحصل أثناء الفحص من أخطاء بشرية ، ومعملية كاختلاط العينات المأخوذة من شخص بعينات لشخص آخر ، أو بسبب أخطاء خبير البصمة أو غيره من العاملين في مختبرات الفحص الو راثي في أي إجراء من الإجراءات ، أو بسبب عدم العناية التامة بتعقيم ونظافة ألآت الفحص ، وغير ذلك من أخطاء بشرية أو معملية قد تؤثر علي نتيجة البصمة ، وقد أكد احتمال حصول ذلك بعض الأطباء المختصين بقوله ( فإن هناك كثير من الأخطاء المعملية سواء كانت في الإضافات ، أو في طريقة الفحص ، أو في طريقة العمل أو في الشخص نفسه أو في السلوكيات التي يسلكها الباحث أو مساعد الباحث ، فهناك محاذير يجب أن تؤخذ في الاعتبار (7 )
وقال آخر : لو حصل نقطة صغيرة ولو غبار في المعمل أتي علي هذا الدم لخبط النتيجة كلها ، ولذلك فإن مكمن خطورة البصمة في دقتها ، فأي تلوث بسيط يعطي نتيجة معاكسة ) ( 8)
فهذه الاحتمالات الواردة ، وأمثالها تستوجب تطرق الشك إلي نتائج الفحص ، وبالتالي فإن ذلك قد يجعل الحكم بمشروعية الأخذ بالبصمة الوراثية محل نظر ، درءاً لهذه الأخطاء والمخاطر الناجمة عنها ، إذ من الممكن أن يحصل بسبب ذلك قلب للحقائق ، فيثبت النسب للأجنبي وينفي عن القريب .
فالجواب عن هذه الشبهة : أنه تلافياً لحصول هذه الأخطاء المحتملة فإن مشروعية الأخذ بالبصمة الوراثية مقيد بالشروط والإحتياطات السابق ذكرها درءاً عن هذه الأخطاء المحتملة ، هذا من جهة . ومن جهة أخري فإنه ما من طريق من طرق إثبات النسب غلا وهو مظنة لحصول خطأ فيه ، لأن الحكم بثبوت النسب في جميع الطرق المشروعة مبني علي الظن الغالب ، واحتمال الخطأ في أي منها وارد ،ومع ذلك فقد دلت الأدلة الشرعية علي إثبات النسب بالطرق المشروعة حتى مع وجود قرائن وعلامات قد تشكك في صحة تلك الطرق المشروعة في حالة من الحالات ، كما جاء في الصحيحين ( 9) عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( اختصم سعد بن أبي وقاص ، وعبد بن زمعة في غلام ، فقال سعد : يا رسول الله هذا ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه إبنه ، أنظر إلي شبهه . وقال عبد بن زمعة : هذا أخي يا رسول الله ، ولد علي فراش أبي من وليدته ، فنظر رسول الله r فرأي شبهاً بيناً بعتبة ، فقال : هو لك يا عبد بن زمعة ، الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، واحتجبي منه يا سودة . فلم يري سودة قط )
فقد دل هذا الحديث بمنطوقه الصريح علي إثبات النسب بالفراش مع وجود ما يخالف ذلك ، وهو شبه الغلام بغير صاحب الفراش لكن النبي r لم يعتد بذلك ، بل أثبت النسب لصاحب الفراش إعمالاً للأصل . ( 10) كما أشار القرآن الكريم إلي ذلك في قوله عز وجل : ) والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلي المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ( ( 11) فقد نسب الحق عز وجل الأولاد للأمهات للقطع بوالديتهن لهم ، بخلاف الآباء فقد عبر عنهم بقوله .. ( المولودة ) لأن المولود له قد لا يكون هو الأب الحقيقي ، لكنه لما ولد علي فراشه نسب إليه إعمالاً للأصل ، وإطراحاً لما سواه (12 )
وللعلامة بن القيم كلام نفيس في إيضاح هذا المعني والتأكيد عليه حيث قال رحمه الله : ( وجواز التخلف عن الدليل والعلامة الظاهرة في النادر لا يخرجه عن أن يكون دليلاً عند عدم معارضة ما يقاومه . ألا تري أن الفراش دليل علي النسب والولادة ، وأنه أبنه ، ويجوز ، - بل يقع كثيراً - تخلف دلالته ، وتخلق الولد من غير ماء صاحب الفراش ولا يبطل ذلك كون الفراش دليلاً ، وكذلك أمارات الخرص والقسمة والتقويم وغيرها قد تتخلف عنها أحكامها ومدلولاتها ، ولا يمنع ذلك اعتبارها ، وكذلك شهادة الشاهدين وغيرهما وكذلك الإقراء ، والقرء الواحد في الدلالة علي براءة الرحم فإنها دليل ظاهر مع جواز تخلف دلالتها ، ووقوع ذلك ، وأمثال ذلك كثير ( 13)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.