في طائرة أو قطار قبل كل رحلة أسافر فيها وحيداً في القطار أو الطائرة ، أصلّي لربي أن تجلس إمرأة جميلة بجانبي ، أو في مواجهتي . فللمرأة الجميلة في القطار أو الطائرة ، فعلُ "الرفيقة" حتى ولو لم تقل كلمة ، و لو لم تنظر أي نظرة ، حتى و لو لم تشعر بوجودي أصلاً . لكن و بدون أدنى شك ، فإن مقاييس الجمال في القطار و الطائرة تختلف عن تلك التي نترقبها في الشارع ، و عن تلك التي نقيس عليها في الصور ، فالمرأة الجميلة في القطار و الطائرة لا تحتاج للكثير حتى تكون جميلة . يكفي أن تبتسم عندما أطلب المرور من جانبها ، يكفي أن تقول أي كلمة لطيفة خفيفة ، يكفي أن تربط شعرها للخلف بينما تمسك " الربطة" بأسنانها ، يكفي أن تسرح طويلاً في الفيلم أمامها ، يكفي أن تهتم ب " حمرتها" ، يكفي أن تحكي همساً على الهاتف ( وهل هناك أشهى من إمرأة تتحدث همساً ) ، يكفي أن تضحك سراً لحبيبها بجانبها ، يكفي أن تنشغل بتنورتها القصيرة، يكفي أن تبقى مستيقظةً ما دمتُ مستيقظاً ، يكفي أن تنام ، نعم يكفي أن تنام أي أمرأة حتى تصبح جميلة ، و كأن النوم يريحُ الروح من عناء العقل و اليقظة . تماماً كما يضع أصحاب المطاعم ، مدفأة في الشارع ليجلس الروّاد حولها في الخارج ، هكذا يكون حضور المرأة الجميلة في عربة ركاب ، لا تُشغِلُ أحداً بها بل تعطي الإشارة الخضراء ليهتم كل حاضر بحضوره . المرأة الجميلة تمثال برونزي في ساحة دائرية . و تأثيرها هو بالضبط تأثير العطر في الهواء المصاب بالملل . وأجملهنَّ ، أجمهلنَّ على الإطلاق ، هي تلك التي تعرف أنها جميلة . جميلة فقط بما يكفي لأن تخجل بسهولة و لا ينطفئ فيها أي شمعة ، لأن تنفخ في صدور الحاضرين حاجة خفية للحب . حتى تلك المرأة بجانبها ترتاح لحضورها و تردد على مسامع زوجها قبل نزول الركوب :" كانت رحلة مريحة .. لا أعرف لماذا .. لكنها مريحة كانت ". هي لا تحتال على ما فيها من أنوثة ، لتبدو أكثر بياضاً ، بل تصرُّ على أن تبقى الأرض التي ينتصر فيها الجمال على الأنوثة في نفس التوقيت الذي تنتصر فيه الأنوثة على الجمال ، هي أرض حروب المنتصرين الخاسرين . المرأة الجميلة في القطار و الطائرة ، تبعثُ على الإطمئنان ، تُحرِّك النسيان في الذاكرة ، و تعطي الوقت جدواه و رائحته في حقول الزمن . إنها تُذكِّر الكون بالحياة ، و الحياة بالتنفس ، و التنفس بالجسد ، و تذكِّر الجسد الملموس بالجسد الحلم الشفاف . يرسل لنا الله نساءً جميلة إلى هذا العالم ، لنستطيع التنفس . أو بالأحرى ، إنه المُحِبّ الكريم الرفيق، يرسلهن لنا حتى لا نختنق ببشاعتنا