ما أنبل القلب الحزين الذي لا يمنعه حزنه عن أن ينشد أغنية مع القلوب المرحة» قالها الشاعر الفيلسوف جبران خليل جبران في كتابه المميز «رمل وزبد». جبران نصحنا أيضا بقوله: «ما أشبه الراغب في فهم المرأة أو تحليل العبقرية أو حل سر الصمت بذلك الرجل الذي يفيق من حلم جميل ليأكل طعام الصباح». كما لم ينس جبران أن ينبهنا في صفحات هذا الكتاب»اذا وجدت في نفسك ميلا للكتابة ولا يعلم سر هذا الميل الا القديسون فلتكن فيك المعرفة والفن والسحر: معرفة موسيقى الألفاط ، وفن البساطة والسذاجة، وسحر محبة قرائك». .................... وقد انتهى اللبناني العالمي جبران من كتابة ال 319 حكمة وتأمل التي تجدها في هذا الكتاب في ديسمبر 1926 أي منذ 90 عاما وكان وقتها في مدينة نيويورك.وبين دفتي «رمل وزبد» التي كتبها جبران بالانجليزية نجد الشاعر يتأمل الطبيعة من حولنا قائلا «الأشجار تكتبها الأرض على السماء، ونحن نقطعها ونصنع الورق منها لندون فيه فراغنا وبلادتنا» ويكتب أيضا:»احفر أين شئت في الأرض تجد كنزا، ولكن عليك أن تحفر بايمان الفلاح». منذ أيام كان الاحتفاء بكنوز البهجة والمتعة في طربنا.. بفيروز وصوتها الآسر الآتي من لبنان. وذلك بمناسبة عيد ميلادها ال81. أمد الله عمرها. وفي كل أغنية من أغاني فيروز بالطبع كنوز نكتشفها مرارا كلما سمعنا أغنية لها وعشناها وعشقناها وتأملنا فيها اللحن والصوت والمعني والمغنى. الشاعر أنسي الحاج الذي وقف كثيرا أمام سر فيروز وتأمل طويلا سحرها كتب ذاكرا:«..ألا تعرف ما الذي يأخذك في صوتها ؟ هو الجبل الذي هو هاوية، والنسيم الذي هو عاصفة، صوتها مثل مركب شراعي يمضي في وجه النوّ ، فيتوجّع ويتمزّق ، حتى يغلب بعناده جنون الطقس ، فتسجد فوضى الكون أمامه منهوكة كالرجل على صدر حبيبته» ويقول أيضا «..غناء فيروز لا يتشنّج، لا يعلو صراخها. قد يضطرّها دورٌ مسرحيّ إلى الصراخ لكنّ غناءها لا يعرض عضلات. أغلبه هَمْس. بوحٌ من حنجرةٍ إلى وجدان. دفءٌ غامر بلا لَهَب التظاهر.هو لَهَبُ السكوت. صوتُ ماسٍ مائيّ. مَن يَحمل مَن على جناحه، الصوت أم اللحن؟ أحياناً يتبادلان الخدمة، ولكن الصوت مُفْرد وهو محاطٌ بأجمل الألحان.» الشاعر الجميل أنسي الحاج (1937 2014) لم يتردد أبدا لا في عشقه الممتد لفيروز ولا في حديثه المتواصل عنها وعن صوتها:».. وفي عصرنا المظلم يشق لنا صوتها ممر الضوء ويعيدنا أنقياء. يجعلنا نسترد النقاء لنكتشف، بقوة النقاء وحدها، كل ما يجمعنا بالينابيع الأصلية، كل ما يربطنا بالخير، كل ما يشدنا بعضاً إلى بعض... ولا يمكن تفسير صوتها لأنه حقيقي. حقيقي حتى الخيال. إننا نقول عنه: «غير معقول, فوق الوصف»، لأنه حقيقي. إنه تارة يبدو وديعاً ناعماً كفراشة وطوراً آمراً كملكة وعنيفاً كبرق، لأنه حقيقي. إنه آسر ومتجدد لأنه حقيقي. وهو حقيقي لأنه نعمة. وأي شيء حقيقي غير النعمة» واذا كان احتفاء جبران ب»رمل وزبد»من شواطئ الحياة وبحارها وكان احتفاء أنسى الحاج بفيروز وصوتها الملائكي فان الكاتبة البريطانية «زادي سميث» احتفت بعالم الرقص وبهجة الخطوات والايقاع والحلم وأيضا المرأة في روايتها الجديدة »Swing Time» وقت التأرجح. اسم الرواية هو نفس اسم الفيلم الموسيقى الراقص الذي مثله «فريد استير» مع « جينجر روجرز» وتم عرض الفيلم عام 1936. وهذه هي الرواية الخامسة ل»زادي سميث» التي تعيش منذ فترة في نيويورك وتقوم بتدريس الكتابة .الروائية التي تبلغ من العمر 41 عاما ولدت وترعرعت في شمال غرب لندن. والدها انجليزي ووالدتها من جامايكا. لفتت انتباه واهتمام الأوساط الأدبية بروايتها الأولي «الأسنان البيضاء» التي صدرت عام 2000 وكانت في ال24 من عمرها. والرواية الجديدة تحكي قصة فتاتين ذواتى أصول متعددة تلتقيان وتحلمان معا أن تتألقا وتصبحا نجوما في الرقص. والرواية اختارتها صحيفة «واشنطن بوست» منذ أيام في قائمة أفضل عشرة كتب لعام 2016. وفي حوار أجرته معه «نيويورك تايمز» تقول إن أفضل كتاب هدية تلقتها «زادي» كان من والدها وهو يقترب من لحظات الموت.. اذ أعطاها نسخته من كتاب «يوليسيس» للكاتب جيمس جويس واعترف لها بأنه لم يقرأ هذا الكتاب على الاطلاق. «زادي» تعشق القراءة.وبما أن الكتابة شغلتها في الفترة الماضية فانها كما قالت لم تستطع قراءة كتب عديدة تراكمت بجانبها .. وتذكر منها كتاب «استخدام الحياة» للكاتب المصري المسجون أحمد ناجي. وتعترف «زادي سميث» بأنها تفضل القراءة أكثر من الكتابة. ولذلك تتطلع لمعاودة القراءة من جديد. و»زادي» قالت من قبل: «إن العالم لا يعطي معنى لحياتك. وعليك أنت أن تجعلها ذات معنى وأن تقرر ماذا تريد وماذا تحتاج وما يجب أن تفعله. انها طريقة شاقة ومعقدة لوجودك في الحياة وأنت بمفردك تواجهها. عليك أن تعيش ولا تستطيع أن تعيش بشعارات، وأفكار ميتة، وأكليشيهات..» و»..يجب أن تعيش الحياة وأنت مدرك تماما أن ما تفعله سيبقى. نحن كائنات نتاج تبعات». والكاتبة ذكرت: « أنا المؤلفة الوحيدة للقاموس الذي يقوم بتعريفي» وفي رحلتنا المستمرة للبحث عن الكنوز والعثورعليها لا مفر لنا جميعا أن نقف (اذا أردنا) من حين لحين في محطة العظيم نجيب محفوظ حيث الدفء الغامر دائما. خاصة أن عيد ميلاده ال115 سيحل يوم 11 ديسمبر المقبل. وقد صدرت رواية «بين القصرين» منذ 60 عاما. وفي العام التالي 1957 صدر الجزءان الثاني والثالث من الثلاثية «قصر الشوق» و»السكرية» هذا العمل الأدبي الكبير والعظيم والخالد.. بكل المقاييس. ....................... بهذا الاصرار المتجدد وأيضا هذا الايمان الراسخ بأنك حتما ستجد كنزا.. بل كنوزا في محطات رحلة عمرك فانك دائما وأبدا ستعيش من أجل هدف ومن أجل معنى .. لوجودك وحياتك. حينئذ ستشعر بالرضا وستلازمك البهجة.