سلبّت أرقام الوجع المطلّة بتفاصيلها اليوميّة الفرح من عيون أهالي قطاع غزة عقب تداعيات الأحداث الأخيرة في مصر. وعكرّت قسوة الأزمات الإنسانية والاقتصادية المتلاحقة بهجة استقبال قرابة مليوني مواطن لشهر رمضان، وأفقدته الكثير من طقوسه الاحتفالية. وكما لو أن ساعة الحصار ترجع إلى الوراء سبع سنوات تبدو شوارع غزة في أول يوم من أيام شهر رمضان، وما من شيء إلا وينال منه الحصار أو ذكرياته، كما تقول “,”أم حسام زويد“,” ربة المنزل والأم لسبعة أطفال. فارتفاع أسعار السلع وغيابها أعاد لصاحبة العقد الرابع ذكريات السنوات الأولى لحصار غزة في عام 2007، مضيفة: “,”في ظل الأزمات التي يشهدها القطاع، يبدو شهر رمضان هادئا هذا العام، والجميع يشكو من غلاء الأسعار بعد إغلاق الأنفاق، وتبدو الحياة وكأنها متوقفة.“,” وبعد تداعيات الأحداث المصرية إثر عزل الجيش محمد مرسي توقفت حركة العمل في الأنفاق الممتدة على طول الحدود المصرية الفلسطينية، جنوب قطاع غزة، الأمر الذي أدى إلى نقص السلع والبضائع واختفاءها من أسواق غزة. ويحتضن الشريط الحدودي بين غزة ومصر مئات الأنفاق التي تستخدم في نقل الوقود والبضائع إلى القطاع المحاصر إسرائيليا منذ سبع سنوات. ويصف “,”أبو أنس سكيك“,” (38 عاماً) الموظف في إحدّى الوزارات الحكومية بغزة، شهر رمضان لهذا العام ب“,”منقوص الفرح“,”.، وقال إن مظاهر الشهر المبارك اختفت بالتزامن مع الإغلاق المصري المحكّم للأنفاق. وأشار سكيك إلى أنّ ما يجري اليوم يُضاف إلى جملة الأزمات التي تعصف بالقطاع منذ سنوات غير أنه استدرك: “,”ولكن قسوة المشهد تزداد ساعة بعد أخرى, وكأننا أمام إعادة لأقسى مراحل الحصار .“,” ويؤدي توريد السلع الأساسية إلى غزة من خلال الأنفاق إلى سد احتياجات المواطنين، وقد أنقذت البضائع المُوردة إلى القطاع، وخاصة المواد الغذائية والأدوية والوقود ومواد البناء والسيارات، انهيار كافة القطاعات الأساسية اللازمة لاستمرار الحياة في القطاع. واليوم، وفي ظل تداعيات الأحداث المصرية فقد شهد القطاع نقصاً شديداً في معظم السلع الأساسية، كما شهد نفاد معظم أنواع الوقود، وعدد من أصناف مواد البناء. ويتبين من الإحصائية التي وثقها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، أن المواد التي تسمح إسرائيل بدخولها من خلال المعابر التي تسيطر عليها، لا تسد أدنى احتياجات القطاع. وسمحت السلطات الإسرائيلية خلال شهر يونيو الماضي بتوريد 5,424 شاحنة، بمعدل 181 شاحنة يومياً. ويمثل عدد الشاحنات التي سُمح بمرورها 31.7% من عدد الشاحنات التي كانت تُورد إلى القطاع قبل فرض الحصار، والبالغة 570 شاحنة يومياً. وتشير إحصائيات المركز إلى أن معظم المواد التي وُردت إلى القطاع استهلاكية، فيما ظل استيراد العديد من أصناف المواد الخام محظوراً. وكانت 7 معابر حدودية مفتوحة تحيط بقطاع غزة قبل عام 2007، ومع تشديدها للحصار اعتمدت السلطات الإسرائيلية معبرين وحيدين فقط. وأبقت إسرائيل على معبر كرم أبو سالم (بين مصر وغزة وإسرائيل) معبرًا تجاريًا وحيدًا، حصرت من خلاله إدخال البضائع المحدودة إلى القطاع، فيما أبقت على معبر بيت حانون (إيريز) (شمالي القطاع) بوابة لتنقل الأفراد بين غزة وإسرائيل. كما رصد المركز نفاد معظم أنواع الوقود في قطاع غزة، فقد نفذ غاز الطهي من جميع محطات القطاع، وأدى ذلك إلى تكدس آلاف اسطوانات الغاز، وذلك بسبب محدودية كمية الغاز التي سمحت السلطات المحتلة بتوريدها إلى القطاع، حيث بلغت خلال شهر يونيو 3,160 طناً فقط، بمعدل يومي بلغ 105.3 طن فقط. وتعادل هذه الكمية 52.6% من احتياجات السكان اليومية، والتي تصل إلى 200 طن. كما أدى توقف توريد مادتي السولار والبنزين عبر الأنفاق إلى نفاد كامل الكميات الموجودة في المحطات، ما أدى إلى إغلاق معظمها. وأكثر ما يزعج المواطن الغزي “,”سمير بدوي“,” هو انقطاع التيار الكهربائي وغيابه لساعات طوال، وقال “,”كم أتمنى أن يأتي رمضان وهذه الأزمة قد غادرت إلى الأبد, وأن ننعم بالفطور والسحور بعيدا عن ضوء الشموع.“,” ويعاني سكان قطاع غزة من أزمة كبيرة في الكهرباء تقترب من عقدها الأول منذ قصف طائرات الاحتلال محطة توليد الكهرباء الوحيدة صيف عام 2006، حيث يقطع التيار يوميًا عن ثماني ساعات عن كل بيت , وقد تمتد ساعات القطع لأكثر من 12 ساعة . وتنعكس أزمة الكهرباء التي تزداد حدتها في هذه الأيام مع غياب الوقود على الصائمين الذين يكتوون بحر الصيف ولهيبه, وعلى موائد الإفطار والسحور ينعدم الضوء من أمامهم. الأناضول