في موسم الأفراح| أسعار الذهب تقفز اليوم 19 يونيو.. والسبب دولار الصاغة    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. رابع أيام عيد الأضحى 2024    اليوم.. مصر للطيران تبدأ جسرها الجوي لعودة الحجاج إلى أرض الوطن    محافظ الغربية يتابع إزالة 13 حالة تعدي على الأراضي الزراعية ومخالفات بناء    إعصار مدمر يجتاح سواحل تكساس وشمال شرق المكسيك    النمسا تدعم مساعي مولدوفا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي    مودرن فيوتشر ينعى مشجعتي الأهلي بعد مصرعهما عقب مباراة الاتحاد    وصول طلائع الحجاج المُتعجلين إلى المدينة المنورة    أثار الذعر في الساحل الشمالي.. ماذا تعرف عن حوت كوفييه ذو المنقار؟    المحافظ والقيادات التنفيذية يؤدون العزاء فى سكرتير عام كفر الشيخ    التفاح ب18 جنيها.. أسعار الفاكهة والخضراوات في سوق العبور اليوم الأربعاء    غارات إسرائيلية جديدة جنوب لبنان بالتزامن مع زيارة المبعوث الأمريكي    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على خيام النازحين في المواصي شمال رفح    حسن الخاتمة.. وفاة الحاجّ ال 12من الفيوم خلال أداء مناسك الحج    الأعلى للآثار يكشف عدد زائري المواقع الأثرية والمتاحف خلال العيد    أسعار النفط تصل إلى أعلى مستوياتها في أكثر من شهر    جوميز يستقر على بديل «زيزو» في مباراة الزمالك وفاركو المقبلة    ترامب: بايدن جعل أمريكا أضحوكة العالم    انطلاق احتفالات دير المحرق.. بحضور 10 آلاف زائر يوميا    محمد رمضان يعلن غيابه عن دراما رمضان 2025    كريمة الحفناوي: الإخوان يستخدمون أسلوب الشائعات لمحاربة معارضيهم    هل الأموات يسمعون كلام الأحياء؟ دار الإفتاء المصرية تكشف مفاجأة    سورتان للمساعدة على التركيز والمذاكرة لطلاب الثانوية العامة    أجزاء في الخروف تسبب أضرارا صحية خطيرة للإنسان.. احذر الإفراط في تناولها    ريال مدريد ينهي الجدل بشأن انتقال مدافعه لميلان    بعد 17 عامًا من طرحه.. عمرو عبدالعزيز يكشف عن مفاجأت من كواليس «مرجان أحمد مرجان»    موعد مبارة ألمانيا والمجر ضمن يورو 2024.. التشكيل المتوقع    «المركزى» يعلن ارتفاع الودائع ل10.6 تريليون جنيه    عشرات الشهداء والجرحى في قصف إسرائيلي على خيام النازحين في المواصي    القبض على السائق المتسبب في مصرع مشجعتي الأهلي أمام استاد برج العرب    القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير مسيرات للحوثيين في اليمن    «ثورة أخيرة».. مدينة السلام (20)    مؤسسة علمية!    مستشار الشيبي القانوني: قرار كاس هو إيقاف لتنفيذ العقوبة الصادرة بحقه    ملف يلا كورة.. انتصار الأهلي.. جدول مباريات الليجا وبريميرليج.. وفوز تركيا والبرتغال في يورو 2024    الحكومة الجديدة والتزاماتها الدستورية    مصرع مسن واصابة اثنين في انقلاب سيارتين بالغربية    إجراء عاجل من السفارة المصرية بالسعودية للبحث عن الحجاج «المفقودين» وتأمين رحلات العودة (فيديو)    في ثالث ايام عيد الاضحى.. مصرع أب غرقًا في نهر النيل لينقذ ابنته    «بايدن» يستنجد ب«المستنجد»!    لبيك يا رب الحجيج .. شعر: أحمد بيضون    عودة محمد الشيبي.. بيراميدز يحشد القوة الضاربة لمواجهة بلدية المحلة    احتفالية العيد ال 11 لتأسيس ايبارشية هولندا    مكتب الصحة بسويسرا: نهاية إتاحة لقاح كورونا مجانا بدءا من يوليو    ماذا حققت محطة تحيا مصر متعددة الأغراض بعد عام من افتتاحها؟    ليلى علوي تهنىء أبطال فيلم "ولاد رزق "    حظك اليوم.. توقعات برج العذراء 19 يونيو 2024    أشرف غريب: عادل إمام طول الوقت وسط الناس    المراجعة النهائية لمادة اللغة العربية لطلاب الصف الثالث الثانوي.. نحو pdf    علامتان محتملتان للإصابة بالسرطان في يديك لا تتجاهلهما أبدًا (صور)    تصدُر إسبانيا وألمانيا.. ترتيب مجموعات يورو 2024 بعد انتهاء الجولة الأولى    أسقف نجع حمادي يقدم التهنئة للقيادات التنفيذية بمناسبة عيد الأضحى    بطريرك السريان الكاثوليك يزور بازيليك Notre-Dame de la Garde بمرسيليا    بعد وفاة العشرات خلال الحج بسببها.. كيف يمكن أن تكون ضربة الشمس قاتلة؟    بدائل الثانوية الأزهرية| معهد تمريض مستشفى باب الشعرية - الشروط وتفاصيل التقديم    الصحة: ترشيح 8 آلاف و481 عضو مهن طبية للدراسات العليا بالجامعات    هل يؤاخذ الإنسان على الأفكار والهواجس السلبية التي تخطر بباله؟    دار الإفتاء: ترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التأملات الثانية في الفلسفة الأولى(6).. الإله الحقيقي
نشر في البوابة يوم 20 - 06 - 2014

قبل الحكماء السبعة وأكاديمية أثينا وسقراط وأفلاطون وأرسطو ، كان الإنسان منذ بدائيته قد وضع لنفسه أهم المُسلمات الأولى ، والمُسلّمة هي مُجرد افتراض مؤقت نسلم بصحته ونبني عليه ونستنتج منه حتى يظهر ما يثبت بطلانه، ثم يتم تبني ما أظهر البطلان كمسلمة جديدة، لأن العقل البشري يحتاج دومًا نقطة يبدأ منها حتى لو كان في الفراغ .
وأهم فرض تحول إلى مسلمة فعلت الأفاعيل في تاريخ البشرية هو: بما أن لكل معلول علة فإن لهذا الكون من يُديره ، وأن هؤلاء المديرون هم نوع فوق بشري من الكائنات، هم آلهة وقد بحث كل شعب وجماعة عن علّة الكون ومديره، عن الصانع الأول ، في كل بيئة وكل مكان على الأرض تم هذا البحث الجدي والدؤوب عن الصانع الأعظم، وتوصل أهل كل بيئة إلى إجابة خاصة بهم تماثل أو تناقض، أو تتفق مع بعض وتختلف مع بعض آخر ، مما وصل إليه أقوام أخرى في بيئات أخرى .
واستدعت علاقة الإنسان بآلهته تساؤلات عمن حاولوا إنكار الآلهة كظاهرة ظلت موجودة ومستمرة بطول التاريخ البشري، ويزعم المنكرون أنه حتى لو وُجدت الآلهة فإنها من يحاول التقرب من الإنسان ويبحث عن التواصل معه وليس العكس ، وجد العقل نفسه في حيرة بين الإيمان وعدمه، ووجد أنه لم يحدث أن ظهر إله واحد ينكر وجود البشر، والعكس هو الصحيح، أن هناك بشراً ينكرون وجود الآلهة، وأن الآلهة هي من يتقرب للبشر طالبة منهم عبادتها مقابل رعايتها لهم، ورغم حشد الآلهة في العالم القديم كما في آلهة الأوليمبوس اليوناني ومجامع الآلهة المصرية والرافدية ، فإنها لم تحاول أن تتوافق فيما بينها على واحد منهم أو كبير لهم، وفشلت اجتماعاتهم بهذا الصدد فبما ترويه لنا الملاحم السومرية والبابلية والإغريقية ، وتركوا هذه المهمة للبشر ليحددوا : من هو الإله الحقيقي؟.
وقام البشر بالمهمة التاريخية عبر ملاحم من الدماء خلال المعارك التي دارت لأسباب دينية، استطاعت فيها كل جماعة تحديد الرب الحقيقي برب الجماعة التي تمكنت من هزيمة القبيلة الأخرى، فانتصارها يعني أن حليفها السماوي هو الأقوى . ويتم تنصيب الإله الحقيقي من قبل الجماعة الظافرة، كان سفك الدم البشري في ذلك الزمن ليس لأسباب تتعلق بالحياة على الأرض ، وإنما تتعلق بشئ غائب حدد الجميع موقعه الجغرافي : فبيته ومسكنه وعرشه بالسماء، لأنه ببساطة ليس بإمكان بشر الوصول إلى السماء والاطلاع على ما تخفيه.
تعدُد الأديان حقيقة أقرت بها كل الأديان، وتعدد الآلهة حقيقة أقرت بها كل الآلهة ، حتى المشهورة بالتوحيد منها كاليهودية ، يقول موسى " ن مثلك بين الآلهة يارب" ويقول "عرفت الآن أن الرب أعظم من جميع الآلهة / التوراة"، والديانة التوحيدية الإسلامية يحدثنا قرآنها عن آلهة مثل: وود، وسواع، ونسر، ويعوق، وهُبل، كآلهة معبودة، ويؤكد أيضًا تميز إله الإسلام في الآية "تبارك الله أعظم الخالقين"، مع الشعار الإسلامي الأشهر وهو: أن الله هو الأكبر . ويمكن تصنيف ما وصلت إليه الإنسانية في نوعين من الآلهة : نوع لا يرضى بغير نفسه إلهًا وحيدًا ينكر التعددية ويحاربها ويشن عليها هجومه ويصفها بالوثنية أو الكفر، ونوع آخر لا يمانع في وجود آلهة أخرى إلى جواره ، وهي الأديان التي تصمها الديانات التوحيدية بالوثنية.
وتميل آلهة الوثنيين إلى التعاون فيا بينها لتيسير حياة البشر ، وتنفر من التحارب ، وتتجمع في ثواليث كما كان عند الأمم السامية والآرية ، وفي ثواليث وتتسيع ، بتثليث الثلاثة 3× 3 = 9 في مصر القديمة ، ولآلهة سماوية وأخرى أرضية ، كلها في خدمة الإنسان، وهو المعنى والتعبير الذي وعاه العقل الرافدي فلا تجد ملحمة أو أسطورة دينية عراقية إلا وتتحدث عما تعانيه الآلهة من شقاء وعنت من أجل توفير الحياة وتيسيرها على البشر، بل وتقيم تلك الآلهة العلاقات التحالفية بالتزاوج والمصاهرة في النسب فيما بينها ، فيتزوج رب قوم بنت إله قوم آخرين، تعبيرًا عن توحد القومين ، وهو التقليد الذي عمل به ملوك الأرض لتحقيق الأهداف والمصالح المشتركة للمملكتين ، وفي مواسم بعينها يتصالح المتخاصمين من الأرباب بسبب الشتاء الماضي عندما اختلفوا فجاءت الريح الباردة والصقيع ومات الزرع وهلك النسل، لأجل البشر يصالح رب الريح رب المطر، ويدفع له بالسحاب ليفتح الآخر أبواب السماء بماء منهمر، في هارموني طبيعي لعناصر طبيعة وبيئة المكان، معبرًا عن مواسمها ومصالحها المعتمدة على البيئة، فتأتي الأرباب متوافقة والأغراض العليا للمجتمع ، وفرزًا طبيعيًا لبيئتها: من حيث درجات الحرارة وبيئة المكان زراعي أم صحراوي، ولون المواسم المناخية ودرجة ضعفها وشدتها، وطبيعة النهر أو المطر، لذلك أقام الفراعنة والأكاديين والبابليين والآشوريين والفينيقيين حضاراتهم العريقة، بتصالح المجتمع بعضه وبعض ، بتصالح الظهير الألوهي فقامت الأمم الكبيرة المتصالحة .
نصوص كل الأديان تخبرنا أن ربها يسكن السماء كموضع جغرافي مرئي له وجود ، لكنه في الوقت نفسه لا يمكن معرفته أو الولوج إليه، وأسمى فلاسفة اليونان العالم الغيبي اللامرئي بعالم الميتافيزيقا، حتى الآلهة المتحاربة فيما بينها تسكن ذات الجغرافيا السماوية ، أي أن الإله الذي يحرض أتباعه ضد إله الآخرين ، هو والإله المكروه ، يتواجدان معا في نفس الجغرافيا في عالم الميتافيزيقا ، وكل منهما ينكر الآخر ! الكاره والمكروه في مكان واحد لذلك يعرف كل منهما زميله جيدا بالمعاينة والمجاورة ويعرف نقاط قوته وضعفة ، ويأمر أتباعه وعابديه في الأرض بما يفاجئون به عباد الإله المكروه لينتصروا عليه . لم يسأل بشر ذلك الزمان أنفسهم ، ولا سألوا الدهاقنة والكهنة وتجار الدم : لماذا نقاتل أتباع الرب الآخر ونقتلهم ويقتلوننا ، بينما الأرباب المتصارعة تعيش في أمان من تلك الحروب في سمائها دون صراع ؟ لم يسأل البدائي أبشع وأخس وأنجس وأوسخ تجار الأرض عبر التاريخ من السدنة ورجال الدين: لماذا لا يقوم كل إله بمصارعة الآخر والقضاء عليه وإعلان ذلك، عوضا عن تكليف البشر الضعفاء بالقضاء على الرب المنافس، خاصة أن لدى الأرباب ميزة لا يملكها البشر، فالإنسان يعجز تماما عن أي فعل في عالم الميتافيزيقا السماوي، فليس بإمكانه أن يقتل عفريتاً أو جنياً ناهيك عن قتل إله، فقدراته تتناسب مع محدوديته البشرية الفيزيقية، أما الآلهة فتسطيع الفعل في العالمين الفيزيقي والميتافزيقي .
لو تمكن الإنسان من استرداد عقله من خزانة الكهنة والدهاقنة لتمكن من الوقوف من المعركة السماوية موقفاً محايداً ، مع إقراره بحق كل إله في إثبات ألوهيته وصدق وجوده بالاعتماد على قدراته الذاتية ، دون دعم البشر الذين لا حول لهم ولا قوة ، وعلى المُقتدر منهم القضاء على الآلهة الزائفة. لو سأل البدائي الدهاقنة نخاسي الدم عبرالتاريخ الأسود للبشرية : هل مقصد الدين أن القدرة الإلهية فعلها قاصر على عالم البشر فقط ؟ وعاجزة عن الفعل في عالم الآلهة ؟ إن وموقفها السلبي في الصراع يفيد بوجود آلهة أخرى حتى لو كانت زائفة ، والإله الذي يعجز عن قتل منافسه سيكون غير حقيقي ، سيكون هو الزائف ، والمأساة أن تطلب الآلهة معونة البشر فهو ما أدى إلى بحور دماء مخزية ، بينما لم نقرأ في التاريخ الديني أن إلهأ قد قتل إلهاً آخر ، والمطحنة الدموية على الأرض لا تتوقف لتصب الذهب بيد الكهنة والملوك والمُلاك ، فالصراع على الأرض لا يقتل الإله المكروه إنما يقتل البشر، ويظل عالم الربوبية سليما معافى من كل سوء أو أذى في بلهنية الأمان ودون أن يظهر الإله الحقيقي .
ركنت أرباب الحروب القديمة إلى الاكتفاء بتحريض البشر لقتل بعضهم بعضا بغرض تصفية عالم الآلهة من الأرباب الزائفة ، حتى لا يبقى سوى رب واحد أحد من بينهم يكون هو الإله الحقيقي ، وحتى لو حدث هذا المستحيل فإن هذا الواحد الحقيقي لن يكون هو الأقوى والأعظم ، لأن الأعظم في هذه الحال سيكون البشر الذين وقفوا إلى جانبه وساندوه وحاربوا نيابة عنه ، وهو ما يعني أن البشر بانتصاراتهم وهزائمهم هم من يقرر من هو الإله الحقيقي ، لأنه في عالم الميتافيزيقا لم يحدث صراع ولم يسقط فيه ضحايا وخال من النصر والهزيمة ، خال من الحركة ، يكاد يكون خلواً من الحياة .
رصد الإنسان القديم ظاهرة غريبة أخرى وهي أن الآلهة التي لا تفعل في عالم السماء يمكنها أن تفعل في عالم الأرض ، وليس في كل عالم الأرض إنما فقط مع المؤمنين به وحدهم ، فهو ينزل بهم نقمته وضرباته وعقوباته، دون قدرة على إنزال ذات الضربات على أتباع الإله المكروه ، فلكل إله فرقة تؤمن به وتخلص له ، وتجد كل إله من هؤلاء يثبت مهارته على فرقته فينزل بهم الكوارث والمُهلكات لأنهم قصروا في طقس من طقوسه ، بينما لا يستطيع إتيان ذات الفعل من أعدائه، فقط يسبهم ويتهمهم ويحرض أتباعه للقيام بالمهمة . وعندما يتم إثبات وجود الإله الحقيقي بمساعدة البشر، فإن هؤلاء البشر يكونون من مكنوه ليثبت وجوده ، يكونون هم من سمحوا له بالوجود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.