لعلها واحدة من المنعطفات فيما بعد ثورة 25 يناير التي قد تغير موازين المعادلة، ولكن في أي اتجاه وبأي قدر، هذا هو الأمر الذي تسعى فيه جماعة “,”الإخوان المسلمين“,” ومؤسسة الرئاسة وأنصارها لمحاصرة الدعوة التي أطلقتها “,”حملة تمرد“,” وتبنتها لاحتجاجات حاشدة يوم 30 يونيو، غير أن قوى المعارضة المدنية تجاوزت كافة التهديدات والمبادرات التي أطلقت من قبل الجماعة والرئاسة ومن يسير في فلكهم، لتطرح سيناريوهات لما بعد اليوم المرتقب وإسقاط حكم الإخوان، وأبرزها إجراء انتخابات رئاسية مُبكرّة، وتفويض المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد لحين إجراء هذه الانتخابات . وفي مناخ يسوده الانقسام الحاد، والدعوات إلى الشحن المتبادل بين طرفي المشهد لا يمكن إغفال أنها قد تقود البلاد إلى اقتتال أهلي لا يعلم أحد إلى أين وكيف سينتهي، وهنا يرى البعض أن واحدة من نهايات هذا السيناريو قد تكون في تدخل القوات المسلحة والإمساك بزمام الأمور في البلاد لفترة لا يستطيع أحد تحديدها، كما كان الحال بعد ثورة يناير، وهي نهاية وربما بداية يرى مراقبون أنها تتسق مع المزاج العام لملايين المصريين، وهذا ما بدت مؤشراته أسرع مما توقع الجميع . وبينما يتراشق الفرقاء بتبادل الاتهامات بالسعي لتحويل التظاهرات لأعمال عنف دامية، دخل الجيش المصري قلب الأزمة السياسية المستعرة التي تشهدها البلاد حاليًا، فقد أكد وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي: “,”إن القوات المسلحة لن تسمح بالتعدي على إرادة الشعب“,”، وأضاف السيسي خلال ندوة تثقيفية للقوات المسلحة: “,”إن المؤسسة العسكرية تجنبت خلال الفترة السابقة الدخول في المعترك السياسي إلا إن مسئوليتها الوطنية والأخلاقية تجاه شعبها تحتم عليها التدخل لمنع انزلاق مصر في نفق مظلم من الصراع أو الاقتتال الداخلي أو التجريم أو التخوين أو الفتنة الطائفية أو انهيار مؤسسات الدولة. وفي ظل الانقسام السياسي والاستقطاب الاجتماعي تركز قوى المعارضة على ارتفاع الأسعار وهشاشة الخدمات الأساسية وعدم توافر الوقود، فإن قادة الإخوان وحلفاءهم ينتشرون في الشارع محذرين مما يسمونها “,”الفتنة، ووصمها بالارتباط بفلول نظام الرئيس السابق ومحاولة إقناع المواطنين بعدم المشاركة في التظاهرات بتأكيد ضرورة التفاف المواطنين حول رئاسة الجمهورية لحل أزمة مياه النيل، وأن إثيوبيا استغلت أزمات مصر الداخلية لتسرع في تنفيذ مشروع “,”سد النهضة“,” الذي سيضّر بمصالح مصر وحصتها في مياه النيل. ويكاد يسود اتفاق بين معظم المحللين مفاده أن نجاح المعارضة بتحقيق أهدافها بإطاحة مرسي فسيمثل ضربة قاصمة للجماعة، وستضطر حينها لدفع ثمن باهظ للحيلولة دون الدخول في اشتباكات دموية قد تقود لعودة الجيش لحكم البلاد، أو أن تقبل بهزيمتها، وهو أمر ترفضه الجماعة تمامًا، وتروج بين أنصارها أن ثمنه سيكون الزج بهم في السجون وإنهاء الحلم الذي تعيش له منذ نشأتها قبل أكثر من ثمانين عامًا بالوصول إلى سُدّة الحكم في مصر. وفي ذات السياق فقد تواترت عدة تقارير إعلامية تؤكد أن جماعة الإخوان لجأت إلى أئمة المساجد المناصرين لمشروعهم السياسي لتركيز جهودهم على التحذير من الفتنة التي قد تدخل فيها مصر بسبب احتجاجات 30 يونيو، ودعوة الناس لعدم المشاركة فيها تحاشيًا لما يصفونه باندلاع “,”الفتنة“,” التي لم تعد نائمة. إهانة الجيش وتحذيرات السيسي وأثناء المظاهرات التي حشدت لها جماعة “,”الإخوان“,” يوم الجمعة الماضي 21 يونيو، في ضاحية مدينة نصر، ألقى محمد البلتاجي، القيادي بالجماعة، كلمة تهكّم فيها على الجيش وكالعادة تراجع عنها، بعد إعلان غضب القوات المسلحة إثر قوله: “,”عايزين يعملوا مجلس رئاسي من رئيس المحكمة الدستورية اللي عيّنه مبارك وعضو مجلس عسكري.. عسكري تاني؟ محدش بقى يتكسف، بيضحكوا على الناس، جربناكم بانتماءاتكم، ففي 5 يونيو ضيعتوا القدسوسيناء والجولان وبيزعلوا عشان بنهتف إسلامية ونتحدث عن الإسلام، ولن نتكلم عن انتمائكم للشيوعية“,”، وهو ما ردّ عليه فورًا مصدر عسكري قائلاً: “,”إن حالة من الغضب تصاعدت داخل الجيش نتيجة تطاول هذا الإخواني“,”. هذا العنف اللفظي والتهكم المنفلت على مؤسسة تكاد تكون الوحيدة التي يلتف حولها المصريون من شتى المشارب، خلافًا للإخوان وأنصارهم بالطبع، لم تنتظر طويلاً لترد على لسان وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي الذي أصدر تحذيرًا حادّ الّلهجة قال فيه إنه لن يقف صامتًا إذا تدهور الوضع وتحول إلى صراع خلال مظاهرات 30 يونيو، وليس من المروءة أن نصمت أمام تخويف وترويع أهالينا المصريين، والموت أشرف لنا من أن يُمس أحد من شعب مصر في وجود جيشه“,”. وما أن نُشرت التصريحات حتى استدعى الرئيس محمد مرسي وزير الدفاع للقصر الجمهوري، وجرى بينهما حوار لم يُعلن عن حقيقة فحواه بالطبع، سوى تصريح رسمي قال فيه المتحدث الرسمي باسم الرئاسة: “,”إن الرئيس محمد مرسي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا تعليق له على حديث وزير الدفاع، لافتًا إلى أن لقاء مرسي والسيسي تركّز على خطة القوات المسلحة لتأمين المنشآت الاستراتيجية، مشددًا على أن هناك تنسيقًا كاملاً بين الرئاسة ووزارة الدفاع“,”. لكن مصطفى بكري الصحفي المقرب للجيش، والنائب البرلماني السابق، علّق على ذلك قائلا “,”عندما يُعلن السيسي أن الجيش تجنب الفترة الماضية المعترك السياسي، ولكن مسئوليته الوطنية تحتم عليه التّدخل الآن لمنع انزلاق مصر لنفق مظلم، فاعلم أن الجيش قرر أن يكون صاحب كلمة الفصل، وسيُلزم مرسي بالاستجابة لمطالب الشعب“,”. ويرى محللون سياسيون أن تصريحات السيسي تحمل رسالة واضحة هي إما أن تتفق القوى السياسية أو سيتدخل الجيش لصالح الشعب ليحميه من تغول أي فصيل سياسي، وهي بذلك “,”رسالة محايدة“,” تصّب لصالح الشعب، ولا تنحاز للإخوان أو المعارضة، لكنها أيضًا لا تعني ما يزعمه قيادات الإخوان وأنصارهم من تفسير لتصريحات السيسي، بأنها رسالة المؤسسة العسكرية لحماية الشرعية في إشارة لمؤسسة الرئاسة. كما أن هناك ضرورة مُلّحة فرضت على الجيش التحذير من الاقتتال الدموي فحجمّ التهديدات التي يطلقها قادة الإخوان وأنصارهم التي يتوعّدون فيها معارضيهم بالعنف والدّماء، فضلاً عن إطلاق فتاوى تكفرهم لدرجة تدخل معها شيخ الأزهر ليؤكد عدم جواز تكفير الخروج على طاعة ولي الأمر الشرعي وأهمية المعارضة السلمية واعتبارها جائزة ومباحة شرعًا، ولا علاقة لها بالإيمان والكفر . مرة أخرى وفي حضور الرئيس مرسي خلال المؤتمر الذي نظمته جماعة الإخوان “,”لنُصرة الشعب السوري“,” قال أحدهم: إن “,”مَن يرشّ الرئيس بالماء سنرشّه بالدماء“,”، وآخر قال إن “,”الدماء بعد 30 يونيو ستكون للرّكب“,”، وهو ما يُنذر بحرب أهلية بين مؤيدي الإخوان ومعارضيهم، وأن الحديث عن المواجهات الدامية تجاوز مرحلة التلويح ليدخل حيز التأهب والإعداد على نحو يكتنفه الغموض، وتخيم عليه ظلال السّرية . السيسي وحماس وبعد عامٍ واحدٍ من تولي مرسي سُدّة الحكم وانقسام المصريين لفُسْطاطين فقد تواترت الأنباء، وأثبتت قضية تنظرها إحدى المحاكم ضلوع عناصر من “,”حماس“,” و“,”حزب الله“,” في قضية الهروب من سجن كان يضم الرئيس مرسي، ومعه 33 من قادة الإخوان فلا بد أن تؤخذ بجدّية تلك التهديدات بالاستعانة بمقاتلين مدرّبين على حرب الشوارع من “,”حماس“,” بجانب الميليشيات الجهادية سواء في سيناء أو في معسكرات سُربت تسجيلات عنها عبر الإنترنت لإجهاض الاحتجاجات المتوقعة . ولعل هذا ما يفسر رفض قيادة الجيش استقبال خالد مشعل، زعيم حركة حماس حين زار القاهرة مؤخرًا، فهو يحمل دلالاتٍ واضحةً، إثر تسريبات إعلامية مفادها أن الجيش بعث تحذيرًا لحماس بأن أي تسلل عبْر الأنفاق، سيُواجَه بكل قوة وحسْم. تبقى في النهاية معضلتان: الأولى تتعلق بالجدل المحتدم حول عوْدة الجيش لإدارة مقاليد البلاد، ولو لفترة محددة، وهذا ما يثير هواجس كثيرين ويروْن أن نزول الجيش لا بد أن يقتصر على حِماية المنشآت والشعب، ومنع الاقتتال الأهلي، على أن يترك الحُكم لمجلس رئاسي تشكله المعارضة المدنية، أو لرئيس المحكمة الدستورية العليا الذي يُدير عملية سياسية محدّدة تُجرى خلالها الانتخابات وِفق المعايير الدولية المتعارف عليها، والتوافق السياسي الذي يبدو حلمًا بعيد المنال . أما المعضلة الأخرى ولعلها الأكثر غموضًا وضبابية فتتمثل في مدى التوافق على بديل لحُكم الإخوان، بعد مواجهات يكاد يسود اتفاق على أنها لن تمر بسلام في ظل التصعيد المتبادل بين الفسطاطين، وهل سيكون نزول الجيش كما حدث من قبل أم أن قواعد اللعبة ستتغير هذه المرة؟ في هذا السياق رأت صحيفة “,”تايمز“,” البريطانية أن تصريحات السيسي تعتبر أقوى تدخل مباشر وأكثرها صراحة منذ تسليم السلطة إلى الرئيس محمد مرسي والحكومة المدنية منذ نحو عام. ونشرت “,”تايمز“,” على موقعها الإلكتروني تقريرًا تحت عنوان: “,”الجيش يحذر مرسي بالتصالح مع خصومه مع تنامي مخاوف العنف في الاحتجاجات“,”، ركزت فيه على أن “,”خصوم حكومة الإخوان والرئيس مرسي، بزعامة حملة تمرد، يرون أن خطتهم لمظاهرات في شتى أنحاء البلاد يوم 30 يونيو، أفضل فرصة لتنحيته عن الحكم، كما كان الحال مع الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك“,”، حسب الصحيفة البريطانية . غير أنه في ظل الصراع الحاد الذي تتسم به هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ مصر، فإن الأمور تبدو غامضة فيما قد تتجه إليه البلاد، ووحده الله تعالى الذي يعلم إلى أين ستمضي الأمور في مصر، لكن الأمر الوحيد المؤكد أن يوم 30 يونيو قد لا يُطيح بالرئيس مرسي، لكنه سيشكل ضربة لنظام حكم الإخوان، وهو ما عبّر عنه محللون سياسيون بقولهم إن الانتصار على حكم الإخوان لن يحدث من خلال توجيه “,”ضربة قاضية“,”، بل سيحدث بتراكم النقاط التي يمكن تسديدها في مرماهم.