عرض برنامج "الصندوق الأسود" الذي يقدّمه الكاتب الصحفي عبد الرحيم علي رئيس تحرير "البوابة نيوز"، تقريرًا يكشف كيفية تأسيس الجماعات الليبية المقاتلة في أفغانستان.. كان نصّه الآتي: في سبعينات القرن الماضي.. حملت الرياح فيروس التكفير من القاهرة، متوجهًا نحو ليبيا عابرًا بحور الرمال ليحطّ في طرابلس وبنغازي وبرقة، ومنها إلى الجبل الأخضر والكفرة. فعلت معالم سيد قطب فعلتها.. وبدأت أول خلية تكفيرية في التشكّل على يد علي العشبي ومعه ثمانية من رفاقه ما لبث أن فككتها الأجهزة الأمنية الليبية واغتالت عناصرها ال9. وفي عام 89 استطاع عوض الزواوي تشكيل جماعة أخرى أطلق عليها "حركة الجهاد".. فاعتقل هو أيضًا. وفي نفس العام شكّل أحد أنصاره وهو محمد المهشهش، الملقب ب"أبو سياف" تنظيمًا يُدعى "حركة الشهداء الإسلامية". زاد الضغط الأمني على تلك المجموعات التكفيرية، ففرّت إلى أفغانستان، ملتحقة بتنظيم الاتحاد الإسلامي بزعامة أمير الحرب الأفغاني عبد رب الرسول سياف.. ونشط هؤلاء الليبيون بمعسكر "سلمان الفارسي" على الحدود الأفغانية الباكستانية.. وفي عام 90 تأسَّست الجماعة الإسلامية المقاتلة في قندهار سرًّا وبدأت أفواجها للعودة إلى ليبيا في محاولة منها للتخلّص من حكم "القذافي". لم تكن تنوي تلك الجماعة البدء في قتال "النظام" إلا بعد استكمال التجهيزات "إعداد العدّة"، في محاولة منها للاستفادة من تجربة الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد في مصر، إلا أن الصدفة وحدها تسبّبت في انكشاف أمرها بعدما ارتاب أحد المخبرين السريين في عشّة بإحدى المزارع القريبة من الجبل الأخضر، والتي كانت تأوي عددًا من عناصر الجماعة، فاضطرت بعد ذلك إلى الاستعجال بالصدام مع نظام "القذافي". دارت حرب طاحنة بين قوات "القذافي" و"المقاتلة"، واشتعل مسرحها في منطقة "الجبل الأخضر" الوعرة وما لبث أن لقى المئات من عناصر "المقاتلة" مصرعهم، بينما سُجن آلاف آخرون وسط ادعاء من قيادات التنظيم بأن "القذافي" استعان بالطائرات الصربية في قصف معاقلهم. لاذ المئات من عناصر"المقاتلة" إلى أفغانستان مرة أخرى وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر استطاع الجيش الأمريكي أن يعتقل أبرز قادتها، عبد الله الصادق الذي اعتقل في تايلند في 2004 ونائبه "أبو حازم" ومفتي الجماعة "أبو المنذر" وزجّ بهم في سجن "بجرام". في عام 2007 أعلن أيمن الظواهري، نائب زعيم تنظيم القاعدة وقتها، عن انضمام "المقاتلة الليبية" إلى تنظيم القاعدة رسميًّا مع أن أحد قادة القاعدة وهو "أبو الليث الليبي" الذي لقى مصرعه عام 2008 في شمال "وزيرستان" في هجوم شنّته طائرة أمريكية دون طيار، كان أحد أهم قادة "المقاتلة" منذ نشأتها. في أواخر عام 2008 حذا نظام القذافي حذو مصر في الدخول في مفاوضات مع قادة "المقاتلة" في السجون، لتشجيعهم على الدخول في مراجعات لأفكار التكفير والعنف، مقابل الإفراج عنهم على أمل إغلاق ملفهم للأبد وهي الدعوة التي لاقت قبولًا عند تلك القيادات، كان من أبرزهم "عبد الحكيم بلحاج" وبرعاية علي الصلابي. في مشهد دراماتيكي خرج سيف الإسلام القذافي وبجواره قادة "المقاتلة"، ليعلن عن تخلّص الجماعة من أفكارها التكفيرية ومحاولة دمجهم في المجتمع.. وأفرج وقتها عن ثلث سجنائهم كدفعة أولى. لم يكن يعرف القذافي وأبناؤه أن القدر يخفي عنهما القتل والتشريد.. على يد مَن أخرجوهم بأيديهم من تحت أقبية السجون.. ما فتئ يمر عامان حتى اندلعت الثورة المسلحة ضد القذافي.. تحت قيادة الخارجين من السجون، كان على رأسهم عبد الحكيم بلحاج وراف الله السحاتي وإسماعيل الصلابي.. كانوا ذوي خبرات عسكرية اكتسبوها خلال حربهم ضد الروس وحكم نجيب الله. لم يكن هناك مجال للفشل عند قادة المقاتلة.. فالفشل يعني تعليقهم على أعواد المشانق أو إطلاق الرصاص على أدمغتهم من الخلف.. الويل للمغلوب.. القذافي الذي نفذ فيه أحد رجال المقاتلة حكم الإعدام. وبات عبد الحكيم بلحاج، أحد أهم قيادات "المقاتلة الليبية" قائدًا للمجلس العسكري في طرابلس، بعد ظهوره كقائد لمعركتي "باب العزيزية" و"فجر عروس البحر"، وأصبح قادة الميليشيات الليبية التي تنتمي إلى "المقاتلة الليبية" هي مَن تحكم قبضتها في الواقع على الأرض الليبية في ظل ضعف الدولة المركزية هناك.