عندما فرضت إدارة أوباما عقوبات على مسئولين روس خلال الشهر الماضي ردًا على تدخل موسكو في شئون أوكرانيا، كان أحد الأهداف مجموعة "جنفور" التي تحتل المركز الرابع بين شركات تجارة النفط في العالم، بزعم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمتلك استثمارات شخصية بها، بحسب بيان صادر عن وزارة الخزانة الأمريكية. ووفقًا لأحدث البيانات فإن حجم تعاملات جنفور شهد نموًا كبيرًا ووصل إلى 93 مليار دولار عام 2012، بالمقارنة مع 5 مليارات عام 2004. ولسنوات استمر الشك في أن للرئيس الروسي ثروة سرية ما أثار اهتمام الصحافة والمحللين وصناع القرار في الدول الغربية، والشخصيات المعارضة ووكالات الاستخبارات، ولكن جهودهم باءت بالفشل، أما الآن فيتداول الجميع أنباء بأن ثروة بوتين قد تتراوح ما بين 40 مليار دولار أو حتى 70 مليار دولار عبارة عن أسهم وسندات في شركات مثل غاز بروم وجنفور وسيرجتنفني جاز، ما جعله من الناحية النظرية أغنى رئيس دولة في تاريخ العالم. ورغم قلة الأدلة، ونفي شركة جنفور أي علاقات مالية مع بوتين وهو ما تكرر نفيه الجمعة الماضية، إلا أن العقوبات جاءت لتؤكد تلك الشائعات، حيث فرضت بالفعل عقوبات على الحلقة الضيقة المقربة من بوتن. وجاءت استجابة أوباما للأزمة أوكرانيا نتيجة لسخرية النقاد ووصفهم له بالبطء والضعف، ما أنعش عملية المطاردة العالمية لثروة بوتين التي استمرت لمدة 15 عامًا، في إشارة إلى أن واشنطن على استعداد للذهاب لاحقًا وراء ثروة الرئيس الروسي الشخصية وتتبع شركائه في العمل، وأن الإدارة الأمريكية تعلم أين يخفي الزعيم الروسي أمواله، وأنه يمكن استهدافها في النهاية بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وحول إمكانية استهداف ثروة بوتين المشار اليها قال خوان زاراتي جيم، مستشار مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض للرئيس جورج دبليو بوش الذي ساعد الحكومة الأمريكية في استحداث تقنيات من أجل تتبع الأموال للتضييق على الجماعات الإرهابية: "إنه شيء يمكن القيام به، ومن شأنه أن يرسل إشارة واضحة جدًا بأننا سنبدأ الحرب". حتى الآن، الحكومة الأمريكية لم تفرض عقوبات على بوتين نفسه، حيث قال مسئولون إنهم لن يقوموا بذلك على المدى القصير، حيث قد يؤدى استهداف شخص رئيس الدولة إلى التصعيد "النووي". ولكن المسئولين قالوا إنهم يأملون في تهديد بوتين من خلال استهداف شخصيات مقربة منه مثل غينادي آن تايمشينكو، ورجال الأعمال الآخرين مثل يوري كوفالتشوك، فلاديمير ياكونين وأركادي وبوريس روتنبرغ. ومن بين أولئك الذين تصدروا قائمة العقوبات هو ايغور سيتشين رئيس شركة النفط الحكومية روسنفت ورئيس موظفي بوتين عندما كان رئيسا للوزراء، وألكسي ميلر، رئيس الدولة غاز بروم العملاقة للطاقة، ولكن من الثابت علاقة بوتين الشخصية مع كل من ايغور سيتشين وسيرغي شيميزوف التي تمتد إلى ثمانينات القرن الماضي حيث سكنوا معا في نفس المجمع السكني في المانياالشرقية أثناء عمل بوتين كعميل سري في KGB المخابرات الروسية. بوتين ينفي ووفقا لبيان الكرملن حول ذمة بوتين المالية لعام 2013 أنه أبلغ عن 102 ألف دولار فقط، وعندما سئل حول موضوع الثروة رفض مناقشة ما طرح من شائعات حولها، وقال في مؤتمر صحفي:"لقد رأيت بعض الأخبار حول هذا الأمر، إنه مجرد قيل وقال، وهذا أمر لا يستحق المناقشة". لكن تاريخ بوتين يحمل شبهات مالية، فمنذ بداية حياته السياسية، لاحقته الشكوك فبينما كان نائب رئيس بلدية سانت بطرسبورغ في التسعينات، وقع صفقات إعطاء بعض الشركات تراخيص لتصدير نفط وأخشاب ومعادن بقيمة 92 مليون دولار مقابل توريد مواد غذائية بنفس القيمة؛ لكن الطعام لم يصل أبدًا. ورغم عدم توجيه اتهام مباشر لبوتين إلا أن لجنة مجلس مدينة بقيادة مارينا سايلي أوصت بإقالة بوتين من وظيفته بتهمة "الإهمال" . مواصلة قراءة قصة الثروة ظهرت تلك الحقائق بعدما حدث خلاف بين بوريس بيريزوفسكي، رجل الأعمال الذي ساعد في تثبيت بوتين في الكرملين ثم أصبح منافسه الأكثر عداوة. ثم عاد اسم بوتين ليظهر مرتبطًا مرة أخرى بعالم المال في أثناء الغزو الأمريكي على العراق عام 2003 حيث اكتشف تشارلز دولفر، مفتش الأسلحة شبكة من قسائم النفط العراقي منحت "لمعارف" بوتين، بما في ذلك رئيس أركانه وايغور سيتشين الذي كان رئيس موظفي بوتين، ثم أصبح رئيس شركة روسنفت فقط لعلاقته ببوتين، أملا في تراجع التأييد لفرض عقوبات دولية. وحتى الآن ما لفت الانظار على ما يبدو مظاهر الثراء التي ظهرت عليه من ساعات باهظة وقصر البحر الأسود الذي نفى الكرملين ملكيته لبوتين، كما دافع البعض بأن السيد بوتين اتبع ذلك الأسلوب والمظهر، لأنه هو مقياس للمكانة والسلطة في المجتمع الذي تحول إلى الرأسمالية لحظة تحطم الشيوعية.