شكل الانقسام بين حركتي فتح وحماس المستمر منذ منتصف عام 2007 واقعا سياسيا واقتصاديا وأمنيا جديدا في الضفة الغربية وقطاع غزة يحتاج الى جهود كبيرة لتجاوزه بالنظر الى تأثيره السلبي على تنفيذ اتفاق المصالحة الموقع بين وفد منظمة التحرير الفلسطينية المكلف من الرئيس محمود عباس "أبومازن" وحركة حماس. ونص الاتفاق الذي وقع في منزل رئيس حكومة غزة التي تديرها حماس إسماعيل هنية بمخيم الشاطىء الأربعاء الماضي واستقبله الفلسطينيون بتفاؤل حذر على تشكيل حكومة توافق وطني خلال خمسة أسابيع وتزامن الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني (برلمان منظمة التحرير) على أن يتم إجراؤها بعد 6 أشهر من تشكيل الحكومة على الأقل. وكانت فتح وحماس قد توصلتا لاتفاقين للمصالحة الأول في 4 مايو 2011 برعاية مصرية، والثاني في فبراير 2012 برعاية قطرية، غير أنهما لم يريا النور الى أن تم توقيع الاتفاق الجديد. ورغم التصريحات الايجابية الصادرة عن قادة الحركتين عقب توقيع الاتفاق الأخير والتي تظهر رغبة جدية في المصالحة هذه المرة وتجاوز آثار الانقسام،فان محللين ومراقبين للشأن الفلسطيني يرصدون عددا من التحديات أمام تنفيذ الاتفاق. ومن بين هذه التحديات أن الاتفاق الجديد لم يتطرق إلى الملف الأمني، وهو ما يعني استمرار بقاء الأجهزة الأمنية التابعة للطرفين على حالها سواء في الضفة أو القطاع، فضلا عن أنه لم يتطرق لوضع الأجنحة المسلحة لفصائل المقاومة في غزة. ويقول الدكتور أحمد يوسف المستشار السياسي السابق لرئيس حكومة غزة إسماعيل هنية:"إن أهم عناصر استقرار حكومة التوافق القادمة ونجاحها في أداء عملها هو تعاون الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة معها والتزامها باحترام سيادة القانون والابتعاد عن كل مظاهر الفلتان الأمني". ويضيف قائلا:"معظم هذه الأجهزة مؤطرة تنظيميا، وإذا لم تلتزم كل من فتح وحماس بدعم الحكومة الانتقالية والتأكيد على الجميع باحترام قراراتها فلن تبرح مكانها، وسيكون نصيبها الإخفاق". ويعد ملف موظفي الحكومة بغزة تحديا آخر أمام اتفاق المصالحة خاصة أن هؤلاء الموظفين البالغ عددهم نحو 120 ألف موظف سوف يشكلون عبئا ماليا هائلا على حكومة التوافق المقبلة. وعينت حماس بعد سيطرتها على قطاع غزة نحو 50 ألف موظف في القطاعات المختلفة، فيما تدفع السلطة الفلسطينية رواتب نحو 70 ألف موظف آخرين أطلق عليهم "المستنكفين" لانقطاعهم عن العمل بأوامر من السلطة حتى لا تعطي شرعية لحكم حماس للقطاع. وقال منيب المصري رجل الأعمال الفلسطيني وعضو وفد المصالحة المكلف من الرئيس عباس إن حكومة التوافق سوف تشكل لجنة فنية وإدارية لمناقشة تسوية رواتب الموظفين بغزة. وذكر المصري انه سيتم العمل على توفير مظلة أمان مالية لاتفاق المصالحة بجمع 150 مليون دولار شهريا من الحكومات العربية لحكومة التوافق الوطني المنتظر الاعلان عنها . وهناك عائق آخر حذرت الفصائل الوطنية والاسلامية الفلسطينية من امكانية أن يؤدى الى تعثر المصالحة وهو طول المدة المحددة لتشكيل حكومة التوافق وهي خمسة أسابيع. وعلق القيادي في حركة الجهاد الاسلامي خالد البطش على هذا الأمر بقوله:"إن هذه المدة قد تكون سببا لجمود آخر في ملف المصالحة وتطبيق الاتفاق إذا ما حدث أي إجراء أو خطوة سلبية من هذا الطرف أو ذاك وبالتالي تأجيل انعقاد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير للبحث في بناء المرجعية الوطنية والبرنامج الوطني وقد تؤدي إلى فشل تشكيل الحكومة". وأضاف البطش:" إنها ستفتح الطريق أمام من لا يريد إتمام المصالحة لاتخاذ إجراءات سلبية والقيام بخطوات تعرقل المصالحة سواء كانت سياسية متمثلة بضغوط أمريكية وإجراءات إسرائيلية على الأرض, أو من طرف بعض المستفيدين من بقاء الانقسام في الضفة وغزة ويعتبرون المصالحة مفسدة لمصالحهم" . بدوره،أكد صالح زيدان عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين (يسار) ضرورة اختزال الزمن والمتابعة الجماعية لتجنب الضغوط والألغام التي حالت دون تنفيذ الاتفاقات السابقة. وشدد على ضرورة الاستقالة الفورية للحكومتين والإسراع في تشكيل حكومة التوافق الوطني وإجراء الانتخابات الشاملة وعلى أساس التمثيل النسبي الكامل واجتماع الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية (الذي يضم الامناء العامين للفصائل الفلسطينية ومن ضمنها حماس والجهاد اللتين لم تدخلا المنظمة بعد). ورد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الدكتور موسى أبو مرزوق على هذه المخاوف قائلا إن الفصائل الفلسطينية ستتجاوز كل العقبات التي ستقف في وجه تطبيق المصالحة. وقال أبو مرزوق الذي قدم من مقر إقامته بالقاهرة للمشاركة في توقيع اتفاق المصالحة:" لابد من وجود الكثير من الصعوبات؛ لأن كل يوم مر على الانقسام كان يزيد من العقبات ولكن نستطيع تجاوزها بوحدتنا وإرادتنا". واعتبر أن الضاغط الأكبر لنجاح الاتفاق هو الشارع الفلسطيني الذي ينادي بنجاحه ووقف الانقسام.وتابع:" إذا بقينا أسرى لأعدائنا، لن نصل لاتفاق فيه مصلحة لشعبنا، لأن مصالحنا لا تجتمع مع مصالح عدونا". وتمثل الاعتقالات عقبة كؤود أمام تنفيذ اتفاق المصالحة، وتتبادل فتح وحماس الاتهامات حول اعتقال الاجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة لأنصار وكوادر الطرف الآخر. ومن المؤمل حسم هذا الملف عندما تستأنف لجنة الحريات العامة المنبثقة عن تفاهمات المصالحة اجتماعاتها اليوم الأربعاء في كل من رام اللهوغزة بالتوازي للمرة الأولى منذ إعلان اتفاق المصالحة في غزة الأسبوع الماضي. وتختص لجنة الحريات التي شكلت في 20 ديسمبر عام 2011 بملفات (المعتقلين السياسيين، ومنع السفر، وعمل المؤسسات المغلقة، وجوازات السفر وضمان حرية العمل السياسي دون قيود). غير أن التحدي الاكبر أمام اتفاق المصالحة الجديد ياتي من الولاياتالمتحدة التي اعتبرته لا يساعد عملية السلام، واسرائيل التي جاء ردها سريعا وغاضبا ضد السلطة الفلسطينية وتسعى بشكل هستيري محموم لافشاله. وقرر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشئون السياسية والأمنية (الكابينيت) الخميس الماضي وقف المفاوضات وعدم تحويل أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة ابتداء من مايو المقبل. وتحصل اسرائيل نيابة عن الفلسطينيين الضرائب على السلع والبضائع والخدمات الفلسطينية الصادرة والواردة عبر الحدود وتسمى (أموال المقاصة)، وترسل تلك الأموال التي تقدر بنحو 130 مليون دولار شهريا للجانب الفلسطيني. ورغم أن رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) يورام كوهين ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية اللواء أفيف كوخافي، قالا خلال الاجتماع إن التقديرات في جهازهما تشير إلى أن تطبيق اتفاق المصالحة بين فتح وحماس "محل شك" وأن احتمال إجراء الانتخابات "ضئيل جدا"،إلا أن أركان حكومة بنيامين نتنياهو شنوا حملة شعواء ضد السلطة واتهموها بالارهاب من خلال التحالف مع حماس. وقال نتنياهو بعد بضع ساعات من توقيع الاتفاق "اختار أبو مازن حماس وليس السلام..من يختر حماس وهي حركة ارهابية تنادي بالقضاء على دولة اسرائيل لا يريد السلام". وفي وقت لاحق، دعا نتنياهو الرئيس "أبو مازن" للانصراف عن التحالف مع حركة حماس والعودة إلى مسار السلام.مؤكدا أنه لن يتفاوض أبدا مع حكومة فلسطينية مدعومة من "منظمة إرهابية ملتزمة بإبادة دولة إسرائيل". وسعى عباس لتهدئة هذه المخاوف في خطابه أمام المجلس المركزي لمنظمة التحرير برام الله السبت الماضي عبر تأكيد استعداده لتمديد مباحثات السلام مع اسرائيل بشرط ان تفرج عن الاسرى الفلسطينيين وتجمد الاستيطان وتقبل بحث حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية. وقال:"الحكومة المقبلة ستأتمر بسياستي وانا اعترف بدولة إسرائيل وأنبذ العنف والارهاب، ومعترف بالشرعية الدولية وملتزم بالالتزامات الدولية والحكومة ستنفذها". غير أن ذلك لم يرق لاسرائيل التي ردت على الخطاب قائلة في بيان رسمي إن "ابو مازن اعاد تكرار الشروط ذاتها مع معرفته بان اسرائيل لن تقبلها".وأضاف البيان "لقد وجه اليوم رصاصة الرحمة الى عملية السلام". بدورها، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية إن لدى إسرائيل ثلاثة خيارات للتعامل مع الفلسطينيين بعد اتفاق المصالحة وفشل المفاوضات. ووفقا للصحيفة، يشمل الخيار الأول ضم جميع الاراضي الفلسطينية واقامة دولة ثنائية القومية بدون غزة، بينما ينص الثاني على رسم الحدود بشكل فردي ، والثالث يتمثل في المماطلة والتسويف. وأوضحت أن خيار ضم الأراضي بملايين الفلسطينيين لم يوافق عليه رئيس الوزراء الأسبق مناحم بيجن، الذي تفهم الوضع الذي ستكون عليه اسرائيل، من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذا تم تطبيق مثل هذا الخيار. وأشارت الى أن خيار رسم الحدود والانسحاب إليها، أمر لا يمكن أن يتصوره المستوطنون وداعموهم، الذين يبدو أنهم الأغلبية في اسرائيل حتى الآن. ورجحت الصحيفة تنفيذ الخيار الثالث،وهو استمرار الأوضاع على ما هي عليه بقدر المستطاع والمماطلة أكثر وأكثر.