يحتفل الشعب الإسباني وجميع الشعوب الناطقة باللغة الإسبانية اليوم الأربعاء، بذكرى دفن الكاتب الإسباني الأشهر ميغيل ثربانتس الذي توفي في 22 أبريل 1616 ودفن في اليوم التالي في مدريد. ثربانتس أشهر من كتب باللغة الإسبانية وهو جندي حرب وشاعر وكاتب مسرحي وروائي، ولد في مدينة ألكالادي هنراس بإسبانيا في 29 سبتمبر 1547، ظل غالبية حياته كاتبًا مغمورًا مثله مثل هوميروس، لكن سبع مدن إسبانية " مدريد، طليطلة، اسكويفاس، لوسينا، الكازار دي سان خوان، أشبيلية والكالا" تنازعت فيما بينها لتدعي أنه ينتمي إليها. لا يعرف أحد شيء عن أعوامه الأولى ورحلاته الأولى وحياته المبكرة، لكن اكتفى الباحثون في البحث خلال أعماله ليستنبطوا مغامراته، لكن من الصعب التمييز بين ما هو حقيقي وما هو نابع من خياله. في جميع المكتبات الإسبانية على مر قرون العصر الحديث الذي بدأ من القرن السادس عشر وحتى الآن لا تكاد تخلو من أحد أعمال ثربانتس. لقب نفسه فيما بعد باسم ثربانتس سافادرا رغم أن لقب "سافادرا" لم يرد في أي وثيقة خلال فترة شبابه ولم يحمل هذا الاسم أي أحد من إخوته، ولكنه بدأ باستخدام هذا اللقب فقط بعد عودته من الأسر في الجزائر. لاقى شهرة واسعة بعدما نشر روايته الأشهر على الإطلاق " دون كيشوت " في الفترة بين 1605 و1615 والتي تعد واحدة من أفضل الأعمال الروائية المكتوبة قبل أي وقت مضى، إذ اعتبرها النقاد بمثابة أول رواية أوربية حديثة وواحدة من أعظم الأعمال في التاريخ. لا توجد معلومات حول دراسته، لكن المؤكد أن ثربانتس لم يصل أبدًا إلى مرحة التعليم الجامعية، انتقل إلى مدريد عام 1566 وتلقى تعليمه على يد أستاذ اللغة خوان لوبز دب هويوس الذي نشر كتاب عام 1569 حول مرض ووفاة الملكة إيزابيل دي فلواس الزوجة الثالثة للملك فيليب الثاني، إلا أنه أدرج في هذا الكتاب ثلاث قصائد كتبها ثربانتس، الأمر الذي أدى إلى تعقبه من السلطات الإسبانية التي أضافت تهمًا أخرى منها إصابته رئيس الأعمال انتونيو سيجورا، مما اضطره للهروب إلى روما. وخلال هذه الفترة اشتعل الصراع بين الدولة العثمانية وايطاليا، مما دفع ثربانتس للانضمام إلى حملة دييجو دي أوربينا لغزو مدينة نابولي، وفي عام 1571 رحل ثربانتس من دينة نابلس من أجل المشاركة في معركة "ليبانت" الشهيرة. وخلال الحرب أصيب بالحمى، وحاول زملاؤه منعه من القتال، لكنه رفض، مما أدى إلى تلقيه ثلاث رصاصات من بندقية القرابينة، اثنين في الصدر وواحدة في يده اليسرى، هذه الأخيرة أدت إلى شلل ذراعه مدى حياته. وعاد إلى العمل ضمن القوات الإسبانية وشارك في العديد من الحملات البحرية حتى استقر عامين في مدينة نابولي حتى عام 1575 إلا أنه أثناء عودته من نابولي إلى إسبانيا حوصر بواسطة أسطول عثماني صغير وتم نقلهم إلى الجزائر، وتم إهداء ثيربانتس كعبد إلى دالي مامي، قرصان عثماني الذي عمل قائدًا في الأسطول البحري العثماني في الجزائر. وأدى العثور على بعض خطابات التوصية في حوزته من دون جوان النمساوي ودوق سيسا غونثالو فرنانديث دي كوردوبا إلى تفكير خاطفيه في كونه شخصًا هامّا بدرجة كبيرة، وهو بدوره ما أدى بهم إلى التفكير في حصولهم على فدية جيدة جراء هذه العملية. وطلبوا خمسمائة سكودو ذهبية لإطلاق سراحه. وفي مايو عام 1580، وصل إلى الجزائز الآباء الثالوثيون أنطونيو دي لا بييا وخوان خيل، التابعون للنظام المختص بتحرير سراح الأسرى. وذهب الراهب أنطونيو إلى عرض فدية لإطلاق سراحه. فيما عرض الراهب خوان خل فقط ثلاثمائة إسكودو ذهبية، إلا أن خاطفيه طالبوا باستلام خمسمائة إسكودو ذهبية. وذهب الراهب إلى تحصيل ما تبقى من المبلغ من التجار المسيحيين. واجتمعوا سويًا عندما كان ثيربانتس بالفعل في واحدة من القوادس الخاصة بحسن باشا المبحرة صوب القسطنطينية، مكبلًا بالسلاسل. وبفضل الخمسمائة إسكودو ذهبية التي تم جمعها، تم تحرير ثيربانتس في 19 سبتمبر من عام 1580. وفي 24 أكتوبر من نفس العام، عاد إلى إسبانيا برفقة بعض الأسرى المحررين معه. ووصل إلى بلدية دانية (إسبانيا)، حيث انتقل منها إلى بلنسية. وفي نوفمبر أو ديسمبر عاد إلى عائلته في مدريد. كان ثيربانتس أول من ابتدع روايات الفروسية، وهو بدوره ما أسهم في ريادته الأدبية. وبالمثل أضاف نوعًا أدبيّا آخر وهو الرواية متعددة الألحان، حيث تتداخل وجهات النظر المختلفة حتى تصل إلى مستوى من التعقيد وتندمج مع الحقيقة ذاتها، متجاوزًا بما في ذلك أنماط ما وراء الخيال. وفي تلك الفترة، كان يمكن كتابة الشعر الملحمي أيضًا بالنثر، مع وجود سابقة تدعم ذلك في الكتابة المسرحية الكلاسيكية للوبي دي فيغا، مع إمكانية تحديد صيغة الواقعية في الكتابة السردية، كما كان متصورًا في إسبانيا قبل ذلك وفقًا للتقاليد الأدبية بداية من أنشودة السيد. وارتسمت الرواية الواقعية كاملة في القرن التاسع عشر بأسلوب ثيربانتس. وعلاوة على ذلك، فقد برهنت الروايات النموذجية لثيربانتس على اتساع روحه ورغبته العارمة في التجربة في البنية السردية. وقام الكاتب في عمله المذكور بتجربة الرواية البيزنطية مع رواية الإسبانية الإنجليزية، والرواية ذات الطابع البوليسي في قوة الدم والغيور الإكستريمادوري، والحوار الساخر في رواية حوار الكلاب والنمط التدريسي مع الأحكام والنكات في الخريج الهش والرواية البيكارسكية في رينكونيتي وكورتادييو والسرد المبني على الأناجنوريسيس في رواية الغجرية. وقد كان ثربانتس إلى جانب ذلك فيلسوفًا قويّا اهتم في كتابته بالفلسفة إلى جانب المغامرة، ففي إحدى كتابتاه يقول " روحنا كما تعلم جيدًا وكما علمونا هنا، تتحرك في حركة مستمرة ولا يمكن أن تقف إلا من خلال الله أو في مركزها. في هذه الحياة، الرغبات لا نهائية وبعضها يرتبط بالأخرى لتشكل شبكة تصل إحدى طرفها إلى السماء والطرف الأخر يسقط في الجحيم". وقال بروسبر ميريميه عن ثربانتي " طوال حياته، اعتقد ثربانتس أنه حصل على مجد عظيم من كتابته في الشعر كما حصل في النثر، ورغم أن قصائده لم تلقَ نجاحًا كبيرًا، لكنه أعطى لها بعض الاهتمام، كأم لأطفالها الفقراء". أسهم ميغيل دي ثيربانتس بشكل كبير في إنماء الأنواع السردية المعتادة في النصف الثاني من القرن السادس عشر مثل الرواية البيزنطية والرعوية والبيكارسكية والموريسكية والحوار الساخر والنمط التدريسي المنوع. فيما جدد النوع الأدبي المسمى بالرواية القصيرة، والتي فُسرت وقتها وفقًا للنموذج الإيطالي بأنها أقصوصة قصيرة، خالية من البلاغة ولكن ذات أهيمة أكبر. والأعمال وفقًا للترتيب الزمني هي كالتالي: لا جالاتيا (1585) دون كيخوت دي لا مانتشا (1605) روايات نموذجية (1613) العبقري الفارس دون كيخوت دي لا مانتشا (1615) أعمال بيرسيليس وسيخيسموندا (1617) كان ثربانتس على أعتاب الستين من عمره عندما نشر الجزء الأول العبقري النبيل دون كيخوت دي لا مانتشا من روايته الشهيرة دون كيخوت عام 1605، والتي لاقت نجاحًا شعبيّا باهرًا، وكثيرًا ما يقارن في حياته الواقعية ببطله الخيالي. وتعد الرواية واحدة من أروع الكتب في الأدب العالمي، إضافة إلى كونها واحدة من قمم الأعمال الأدبية في الأدب الإسباني. ولاحقًا تم ترجمتها إلى اللغات الأوربية الرئيسية في ذلك الوقت، حيث كانت واحدة من أكثر الأعمال المترجمة على مستوى العالم. أما الترجمات العربية فلم تظهر حتى بداية القرن العشرين. وقد نالت هذه الرواية الزاخرة بأعمال البطولة مرتبة أفضل رواية من بين روايات أفضل مئة كاتب في العالم. فيما يعود الجزء الثاني العبقري الفارس دون كيخوت دي لا مانتشا إلى عام 1615. وقامت إسبانيا بتكريمه واضعة صورته على قطعة ال50 سنتًا الجديدة، وكان لثيربانتس تأثيرًا بالغًا على اللغة الإسبانية، حتى أنه أطُلق عليها لغة ثيربانتس. وكان يطلق عليه لقب أمير الدهاء. وبالمثل جاءت جائزة ثيربانتس التي تحمل اسمه بمثابة تكريمًا له على عمله دون كيخوت الصادر باللغة الإسبانية، والذي تتناول شخصية مغامرة حالمة تصدر عنها قرارات لاعقلانية. وقد تركت حياة ثربانتس الحافلة بالأحداث أثرًا بليغًا في أعماقه، وتجلى ذلك في طغيان روح السخرية والدعابة على أعماله. إضافة إلى قيام إسبانيا بافتتاح مراكزها الثقافية في العديد من دول العالم تحت اسم " مركز ثربانتس الإسباني" كما في مصر وفرنسا.