أقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي بعد أشهر من التوترات والخلافات داخل الحكومة بشأن إدارة الحرب على غزة، في خطوة تعكس تصاعد الانقسامات داخل القيادة الإسرائيلية حول مستقبل الصراع وسياسات الأمن القومي. وأعلن مكتب نتنياهو، في بيان رسمي، أن رئيس الوزراء "يتقدم بالشكر لتساحي هنغبي على خدمته خلال السنوات الثلاث الماضية، ويتمنى له التوفيق في مساعيه المستقبلية"، مشيرًا إلى تعيين جيل رايش، نائب رئيس مجلس الأمن القومي، قائمًا بالأعمال فورًا. من جانبه، أصدر هنغبي بيانًا مطولًا عبّر فيه عن امتنانه لنتنياهو على فترة خدمته، لكنه شدد على "ضرورة إجراء تحقيق شامل في الفشل الرهيب الذي وقع في 7 أكتوبر 2023"، مؤكدًا أنه يتحمل جزءًا من المسؤولية عن الإخفاقات التي رافقت ذلك اليوم الذي شهد هجومًا واسعًا لحركة حماس على المستوطنات الإسرائيلية المحاذية لغزة. وقال هنغبي في رسالته: "الحملة متعددة الجبهات التي فُرضت علينا في 7 أكتوبر لم تنتهِ بعد. مقاتلونا لا يزالون على الجبهات، ومهمة إعادة الأسرى لم تكتمل. يجب أن نضمن – بالوسائل السياسية أو العسكرية – إزالة التنظيمات الإرهابية في غزة وتجريدها من السلاح حتى لا تعود تهديدًا لإسرائيل". وأضاف أن استعادة الثقة في مؤسسات الدولة تتطلب كشف الحقائق كاملة أمام الرأي العام واستخلاص الدروس من الفشل الأمني، مشيرًا إلى أن "الوحدة الداخلية هي السبيل لضمان بقاء إسرائيل في مواجهة تحدياتها الأمنية والسياسية". وجاءت الإقالة بعد أنباء متواترة عن نية نتنياهو إبعاد هنغبي، خاصة بعد أن أبدى الأخير معارضته لخطة احتلال غزة بالكامل، ودعمه لفكرة اتفاق مرحلي مع حماس، إضافة إلى غيابه عن زيارة نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن. وتزامن قرار الإقالة مع توترات داخل اجتماعات الحكومة، إذ شهدت الأسابيع الأخيرة مشادات علنية بين هنغبي ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، كان آخرها حين رفض نتنياهو إدراج مقترح قدمه مجلس الأمن القومي للسماح بزيارات الصليب الأحمر لسجناء حركة فتح، ما أثار خلافًا حادًا تطور إلى تبادل الصراخ والإهانات بين الجانبين. ويُنظر إلى هنغبي، وهو من المقربين السابقين لنتنياهو، كأحد السياسيين ذوي الخبرة في الملفات الأمنية والدبلوماسية، غير أن علاقته برئيس الوزراء شهدت توترًا متزايدًا منذ بداية الحرب على غزة، خصوصًا بعد تصاعد الانتقادات لأداء مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الذي وُصف بأنه "هيئة بلا تأثير فعلي في صناعة القرار". وفي هذا السياق، صرّح عضو الكنيست غادي آيزنكوت، رئيس الأركان السابق وعضو الحكومة خلال بداية الحرب، بأن المجلس "غائب تمامًا عن الواقع الأمني"، مضيفًا: "لم أرَ لهم أي تأثير، ولا حتى بمقدار مليمتر واحد". وانتقد آيزنكوت ما وصفه ب"الشلل الإداري" داخل الحكومة التي تضم أكثر من 70 مسؤولًا، قائلًا إن "اتخاذ قرارات استراتيجية في مثل هذا الجو أمر شبه مستحيل". وتأتي هذه التطورات بينما لا تزال إسرائيل تواجه ضغوطًا داخلية وخارجية متزايدة لوقف الحرب في غزة، ومع ارتفاع الأصوات المطالبة باستقالة نتنياهو وفتح تحقيق رسمي في إخفاقات 7 أكتوبر. وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن 64% من الإسرائيليين يطالبون برحيل نتنياهو، فيما يرى 66% أن الوقت قد حان لإنهاء الحرب. وبينما يغادر هنغبي منصبه، يبقى الغموض يحيط بمستقبل مجلس الأمن القومي ودوره في رسم سياسات إسرائيل الأمنية، وسط انقسامات داخل الحكومة اليمينية وتآكل الثقة الشعبية في القيادة السياسية.