لم تعد التطبيقات الهاتفية تقتصر على كونها وسيلة للتواصل الاجتماعي أو تبادل المعلومات، بل تحولت في السنوات الأخيرة إلى ساحة مفتوحة للأنشطة غير المشروعة، وعلى رأسها الترويج للأعمال المنافية للآداب. فمن خلال واجهات برّاقة وإعلانات خفية، أصبحت بعض التطبيقات وسيلة مباشرة لربط راغبي المتعة بممتهني الفجور، في انتهاك صارخ للقانون والقيم الاجتماعية والأمن القومي. التطبيقات الهاتفية.. وجه خفي للترويج للأعمال المنافية للآداب
ويبدو أن هذا التسلل إلى الهواتف الذكية لم يأتِ من فراغ إذ استغل القائمون على هذه الأنشطة الإجرامية الانتشار الواسع للتكنولوجيا والاعتماد المتزايد على التطبيقات الذكية في الحياة اليومية. فبينما يرى البعض أن الهواتف الذكية اختصرت المسافات وسهلت الحياة، فإن مجرمين محترفين استغلوا تلك الأدوات للتربح من تجارة الرذيلة. وعلى الرغم من أن هذه الأنشطة تُمارس في الخفاء، فإنها تترك آثاراً سلبية واسعة على المجتمع، تبدأ من تهديد منظومة القيم والأخلاق، ولا تنتهي عند استغلال الفتيات والشباب في شبكات منظمة قد ترتبط أحياناً بجرائم غسيل الأموال والاتجار بالبشر. هنا برز الدور الفعّال لوزارة الداخلية المصرية التي كثفت من حملاتها الأمنية لملاحقة القائمين على تلك الأنشطة، سواء عبر التطبيقات الهاتفية أو من خلال أوكار خلف واجهات تجارية وهمية. وقد نجحت الأجهزة الأمنية بالفعل في توجيه عدة ضربات نوعية أسقطت شبكات كاملة، وأعادت إلى الشارع المصري الشعور بالثقة في يقظة رجال الشرطة.
نجاحات وزارة الداخلية في مواجهة الجرائم المنافية للآداب
لم يأتِ ضبط هذه الشبكات بمحض الصدفة، بل كان نتاج عمل متواصل وجهود منهجية من الإدارة العامة لحماية الآداب بقطاع الشرطة المتخصصة. فقد اعتمدت الوزارة على آليات متطورة لرصد النشاطات المشبوهة على الإنترنت والتطبيقات، ثم تتبع العناصر الإجرامية حتى الوصول إلى أماكن اختبائهم.
أبرز الوقائع التي كشفتها الداخلية
الإسكندرية: ضبط أحد الأشخاص و3 سيدات – لاثنتين منهن معلومات جنائية – لقيامهم باستخدام أحد التطبيقات للإعلان عن ممارسة الأعمال المنافية للآداب والفجور بمقابل مالي. اعترفوا جميعاً بالنشاط وتم اتخاذ الإجراءات القانونية. الإسكندرية مجدداً: ضبط 3 سيدات – لإثنتين منهن معلومات جنائية – في قسمي العطارين وثاني المنتزه، بعد استخدامهن تطبيقاً مشبوهاً للترويج لأعمال غير مشروعة. القاهرة الجديدة: ضبط أحد الأشخاص "له معلومات جنائية" أثناء إدارته نادٍ صحي بدون ترخيص بالتجمع الخامس، واستغلاله لممارسة الأعمال المنافية للآداب. وأُلقي القبض على 5 سيدات وشخصين أحدهما أجنبي.
القاهرةوالإسكندرية: سقوط شبكة تضم 3 أشخاص أحدهم أجنبي وسيدتين لهن سوابق، بعد استخدامهم تطبيقاً إلكترونياً للترويج للفجور مقابل مبالغ مالية. هذه الوقائع، التي لم تقتصر على العاصمة فحسب بل امتدت إلى المحافظات الساحلية، تكشف مدى خطورة الظاهرة وانتشارها الجغرافي، وكذلك يقظة الأجهزة الأمنية في ملاحقتها على امتداد الجمهورية.
رأي الخبراء الأمنيين: التكنولوجيا سلاح ذو حدين
يرى خبراء أمنيون أن استخدام التطبيقات الذكية في تسهيل الأعمال المنافية للآداب لم يعد نشاطاً فردياً، بل هو جريمة منظمة ترتبط بشبكات أوسع قد تشمل السماسرة والممولين وحتى عناصر خارجية تستغل هذه الأنشطة لتمويل مخططات أخرى.
قال الخبير الأمني اللواء محمد عبد الفتاح في تصريحات صحفية للبوابة نيوز، أن ما تقوم به وزارة الداخلية يُعد نموذجاً يُحتذى به في مواجهة الجرائم الحديثة، مؤكداً أن التكنولوجيا ليست خطراً في ذاتها، لكنها تصبح كذلك عندما تُستخدم من قِبل منحرفين لتحقيق مكاسب غير مشروعة. وأضاف: "الأمن لا يطارد المجرمين فقط، بل يطور أدواته باستمرار لرصد كل ما هو جديد، والتجارب الأخيرة تثبت أننا أمام أجهزة أمنية على دراية كاملة بأساليب الجريمة الإلكترونية."
منظور علم النفس والاجتماع: الانحراف الإلكتروني وانعكاساته
علماء النفس والاجتماع يرون أن استغلال التطبيقات في الترويج للفجور يُشكل تهديداً للبنية القيمية للأسرة المصرية. حيث تؤدي هذه الأنشطة إلى تطبيع الجريمة: أي جعلها تبدو عادية أو مقبولة بسبب سهولة الوصول إليها عبر الهاتف. تشويه صورة العلاقات الإنسانية: إذ يتحول "التعارف" من غرض إنساني إلى واجهة لنشاط غير مشروع. استغلال الفتيات اقتصادياً ونفسياً: حيث يتم جرّهن إلى هذا المستنقع عبر الإغراءات المالية أو الابتزاز. الدكتورة سامية محمد أستاذة علم الاجتماع، أشارت في تصريحات صحفية إلى أن "المجتمع بحاجة إلى وعي رقمي أكبر، فالأسر يجب أن تتابع استخدام أبنائها للتطبيقات، والجهات التعليمية عليها دور في تعزيز الثقافة الرقمية والأخلاقية." العقوبات القانونية: الردع في مواجهة الانحراف القانون المصري واضح في مواجهة هذه الجرائم، حيث نص قانون العقوبات في المواد (9، 14، 15) الخاصة بالجرائم المنافية للآداب على عقوبات صارمة، تشمل: الحبس من 3 سنوات إلى 7 سنوات لكل من يدير أو يمارس أعمال الدعارة والفجور. غرامات مالية قد تصل إلى 10 آلاف جنيه. تشديد العقوبة إذا كان المتهم سبق الحكم عليه أو كان يدير مكاناً مخصصاً لممارسة تلك الأعمال. إبعاد الأجانب المتورطين في تلك الجرائم بعد قضاء العقوبة. هذه العقوبات تمثل رادعاً قانونياً، لكن فعاليتها تكتمل بتكامل الجهود الأمنية والمجتمعية والتوعوية.