في ذكرى رحيل سلطان الألحان.. بليغ حمدي جسد نبض الشارع المصري وأغنى الوجدان العربي

تحيي الأوساط الفنية اليوم الجمعة بذكرى رحيل الموسيقار بليغ حمدي "7 أكتوبر 1931 - 12 سبتمبر 1993"، أحد عمالقة الفن الأصيل، الذي لم يكن مجرد ملحن عابر، بل كان مدرسة موسيقية قائمة بذاتها، ومؤرشفًا للأحاسيس الإنسانية عبر ألحانه التي ما زالت تخترق الزمن وتصل وتتجول في كل بيت عربي.
بليغ حمدي سلطان الألحان
عرف بليغ حمدي ب"سلطان الألحان"، وذلك لحسه الفريد الذي جمع بين الأصالة العربية واللمسة العصرية، فكانت ألحانه سلسة على الأذن، عميقة في القلب، تعبر عن الشخصية المصرية في أبسط وأجمل صورها.
رحلة فنية حافلة
بدأ بليغ حمدي مشواره الفني مبكرًا، حيث التحق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى العربية "معهد الموسيقى العربية حاليًا" وتعلم على يد أبرز الأساتذة، لكن موهبته الفطرية كانت أكبر من أي معهد، ليتفجر نبع إبداعه مع كبار المطربين والمطربات في عصره، مسجلًا أغنيات أصبحت جزءًا من ذاكرة الأمة.
سيمفونية من النجوم
تميزت مسيرة بليغ حمدي بتعاوناته الناجحة مع كبار نجوم الغناء العربي، حيث كان حجر الأساس في العديد من التحف الفنية الخالدة، فقد منحت كوكب الشرق أم كلثوم ثقتها للشاب بليغ حمدي ليلحن لها، فكانت نتيجة هذه الثقة واحدة من أعظم أغانيها على الإطلاق "حب إيه" من كلمات عبد الوهاب محمد، التي حققت نجاحًا كبيرًا، كما لحن لها "ظلمنا الحب، فات الميعاد، ألف ليلة وليلة، الحب كله، حكم علينا الهوى"، وغيرها من الأغاني.
وشكل بليغ حمدي وعبدالحليم حافظ ثنائيًا أسطوريًا أنتج عشرات الأغاني التي أصبحت رموزًا لعصر كامل، من أبرزها: "تخونوه، خسارة، أعز الناس، سواح، على حسب وداد قلبي، التوبة، جانا الهوى" التي تعد من أروع ما غنى العندليب، ومع وردة الجزائرية كان التعاون بينهما بمثابة لقاء الجبلين، أنتج أعمالاً خالدة مثل "العيون السود، خليم هنا، حكايتي مع الزمان، بودعك، لو سألوك، دار يا دار، وحشتوني، حنين، احضنوا الأيام، والله يا مصر زمان" وغيرها من الأغاني الناجحة.
كما قدم بليغ حمدي للمطربة فايزة ألحانًا لا تنسى مثل "عشان احب، ما تحبنيش بالشكل ده، حبيبي يا متغرب" وغيرها من الأغاني، ومع صباح: أغاني مثل "عاشقة وغلبانة، يانا يانا، زي العسل، جاني وطلب السماح، أمورتي الحلوة، كل حب وأنت طيب"، وغيرها من الأغاني التي لا تزال محفورة في الذاكرة، ومع شادية لحن لها العديد من النجاحات مثل "والنبي وحشتنا، أسمر وطيب يا عنب، الحنة، قولوا لعين الشمس، عطشان يا صبايا، خلاص مسافر، والله يا زمن، يا حبيبتى يا مصر، أدخلوها سالمين، مكسوفة"، ومن أبرز ألحانه لنجاة الصغيرة "أنا بستناك، كل شيء راح، الطير المسافر، ليلة من الليالي، سكة العاشقين، حبك الجبار" وغيرها.
إرث خالد وأعمال لا تنسى
لم يقتصر إبداع بليغ حمدي على الأغاني العاطفية فقط، بل امتد ليشمل الأغاني الوطنية: مثل "عدى النهار، وفدائي"، لعبد الحليم حافظ، كما قام بتلحين عشرات الأغاني لأهم الأفلام المصرية، وساهم في نجاحها، وكان له الفضل في اكتشاف واحتضان عدد من النجوم، أبرزهم المطربة وردة الجزائرية، حيث قدّمها للجمهور المصري والعربي بشكل لافت.
صوت من الماضي يتردد في الحاضر
رحل جسد بليغ حمدي في الثاني عشر من سبتمبر عام 1993، لكن روحه وموسيقاه ما زالت حية تنبعث كلما رنت ألحانه في محطة راديو أو ترددت كلماته على لسان عاشق، إنه الفنان الحقيقي الذي يموت جسدًا لكن فنه يبقى شاهدًا على عظمة إبداع إنساني خالص، يذكرنا دائمًا أن الفن الأصيل هو الذي يصنع من الذكرى تاريخًا، ومن النغم حياة.