في تطور خطير ينذر بإعادة إشعال فتيل النزاع السوري، شنت القوات الجوية الإسرائيلية سلسلة غارات جوية على مواقع في العاصمة السورية دمشق ومدينة السويداء جنوب البلاد، في وقتٍ تصاعدت فيه الاشتباكات الداخلية بين قوات النظام السوري ومسلحين دروز، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 250 شخصًا وإصابة المئات. الغارات الإسرائيلية: دعم للدروز أم تدخل مباشر في الشأن السوري؟ أعلنت إسرائيل أن الضربات الجوية جاءت ردًا على "التهديدات التي تواجه الأقلية الدرزية في السويداء"، متهمة النظام السوري بارتكاب "أعمال قمع ممنهجة" ضد الأهالي، فيما أشار الجيش الإسرائيلي إلى أنه استهدف مواقع عسكرية حساسة في محيط العاصمة دمشق ومراكز تجمع للمدرعات والدبابات في السويداء. وأظهرت مقاطع مصورة انفجارات عنيفة قرب مطار دمشق الدولي ومنطقة كفر سوسة، التي تضم مراكز أمنية واستخباراتية، فيما أفادت مصادر محلية بتعطل التيار الكهربائي في أجزاء من العاصمة بسبب القصف. وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن تل أبيب "لن تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولات تهجير أو قمع الدروز في سوريا"، مضيفًا: "على نظام الأسد أن يدرك أن كل طلقة تطلق على السويداء ستكون لها كلفة مضاعفة". السويداء تشتعل: انتفاضة درزية ضد النظام في السويداء، تجددت المواجهات العنيفة بين مقاتلي العشائر الدرزية وقوات النظام السوري، في أعقاب قيام الأخيرة باعتقالات تعسفية وعمليات دهم لقرى جنوب المحافظة، ما فجّر موجة غضب عارمة. وشهدت المدينة اشتباكات بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وقطعت العديد من الطرق، فيما تحدث شهود عيان عن قصف عشوائي من قبل قوات النظام طال منازل مدنيين. وقالت مصادر محلية إن عناصر من حركة رجال الكرامة وقوات الفهد (مليشيات درزية محلية) تمكنوا من السيطرة على عدد من الحواجز العسكرية، فيما أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى مقتل ما يزيد عن 60 مدنيًا خلال 48 ساعة فقط. خلفيات الصراع: مطالب محلية وتدخلات إقليمية ترجع جذور الأزمة في السويداء إلى تراكمات من التهميش والتمييز الطائفي من قبل النظام السوري، وهو ما دفع بالمجتمع الدرزي إلى المطالبة بحكم محلي لامركزي، وإخراج الأجهزة الأمنية من المحافظة. ويأتي التصعيد الإسرائيلي الحالي في ظل ضغوط من دروز إسرائيل، الذين نظموا مظاهرات واسعة في الجولان والناصرة والقدس المحتلة، مطالبين حكومة نتنياهو "بحماية الأقارب" في السويداء. ردود الفعل الدولية أثارت الضربات الجوية التي نفذها الجيش الإسرائيلي فجر اليوم ضد مواقع عسكرية في كل من دمشق والسويداء، موجة من ردود الفعل الدولية المتباينة، وسط تحذيرات من تصاعد التوتر الإقليمي واندلاع موجة جديدة من النزوح في الجنوب السوري. وفي أول رد فعل أمريكي، أعربت الولاياتالمتحدة عن قلقها إزاء التوسع الإسرائيلي في العمليات الجوية داخل الأراضي السورية، داعية إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد، كما شددت على ضرورة حماية المدنيين والأقليات في مناطق النزاع. من جهتها، أدانت روسيا، الحليف الأبرز للنظام السوري، القصف الإسرائيلي ووصفته بأنه "انتهاك لسيادة دولة ذات سيادة"، مؤكدة دعمها الكامل لسوريا في مواجهة أي تدخلات خارجية. ولم يصدر حتى الآن أي تعليق رسمي من إيران، التي يعتقد أن بعض المواقع المستهدفة تضم عناصر مرتبطة بها. أما الاتحاد الأوروبي، فقد دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار في السويداء، محذرًا من أن استمرار المواجهات قد يؤدي إلى كارثة إنسانية جديدة، وموجة نزوح قد تؤثر على الاستقرار في دول الجوار، لاسيما الأردن. وساطة دولية مرتقبة وبحسب مصادر دبلوماسية، قد تتحرك أطراف دولية مثل روسيا أو الأممالمتحدة للدخول على خط الوساطة، خاصة إذا استمر التصعيد الميداني وتدهورت الأوضاع الإنسانية جنوب البلاد. وتجري دوائر دبلوماسية مشاورات لبحث إمكانية إرسال بعثات مراقبة أو طرح مبادرة تهدئة مؤقتة لوقف العنف. إسرائيل قد تدفع لتدويل الملف الدرزي في تطور لافت، تسعى إسرائيل إلى تدويل قضية الدروز في سوريا عبر قنوات دبلوماسية، وترجح مصادر إعلامية أنها تدرس طرح الملف أمام مجلس الأمن الدولي، مع الدفع باتجاه فرض منطقة عازلة في الجنوب السوري على غرار "الشريط الأمني" الذي أقامته سابقًا في جنوبلبنان خلال الثمانينيات والتسعينيات. ويرى مراقبون أن هذا السيناريو، إذا تحقق، سيكون تحولًا كبيرًا في مسار الحرب السورية، وسيمثل أول محاولة جدية لإعادة رسم حدود السيطرة الإقليمية في الجنوب السوري منذ اتفاقات خفض التصعيد عام 2018. أزمة السويداء.. نقطة اشتعال في صراع متجدد تعكس تطورات السويداء هشاشة الدولة السورية في المناطق ذات البعد الطائفي، كما تكشف عن استعداد إسرائيل للانخراط بشكل مباشر في الأزمة السورية بدوافع أمنية وقومية. وبينما يُنظر إلى التدخل الإسرائيلي ك "دعم لأقلية مهمشة"، إلا أنه يعيد للأذهان نموذج "الحماية الإسرائيلية" الذي مارسته في لبنان خلال الثمانينات.