منذ فبراير 2018 حين تولى جيروم باول، رئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بترشيح من الرئيس دونالد ترامب، بدأت ملامح الصدام تتشكل مبكرا، فما لبث ترامب أن انقلب على باول في منتصف عام 2019 بعد أن رفع الأخير أسعار الفائدة 4 مرات في 2018 إلى أن بلغت 2.5%، وهو ما اعتبره ترامب "أكبر خطأ في تاريخ الفيدرالي". وغرد ترامب حينها: "باول ومجلسه لا يعرفون ما يفعلونه"، كما وصفه لاحقا بأنه "عدو أسوأ من الصين"، في ذروة الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، في حين رد باول قائلًا: "لن نسمح للضغوط السياسية بالتأثير على قراراتنا". وخلال أزمة كوفيد - 19، أجبر الواقع باول على خفض الفائدة إلى ما يقرب من الصفر، ما خفف مؤقتًا من انتقادات ترامب، لكنها عادت بقوة مع بداية 2020، ومع اقتراب انتخابات 2024، عاد ترامب إلى مهاجمة باول بشكل مباشر، وقال في تصريح صحفي خلال مارس 2024: "جيروم باول خذل أمريكا.. أسعار الفائدة مرتفعة بلا داعٍ"، مشيرًا إلى أن الفيدرالي يتسبب في ركود اقتصادي، بينما دافع باول في بيان رسمي بتاريخ 20 مارس 2024 عن قرارات الفائدة المرتفعة، التي استقرت حينها بين 5.25% و5.50%، مؤكدًا أن التضخم لا يزال فوق المستهدف عند 2%، وأن الوقت لم يحن بعد للتيسير، ووسط ضغوط من الأسواق والمستثمرين لخفض الفائدة، يضغط ترامب لتغيير قيادة الفيدرالي رغم أن ولاية باول تنتهي رسميًا في فبراير 2026، ما يثير جدلا واسعا حول مستقبل الاستقلال النقدي في أكبر اقتصاد في العالم، فالمواجهة بين ترامب وباول تحولت من تباين في الرؤى إلى معركة سياسية مفتوحة على مستقبل السياسة النقدية وموقع القرار الاقتصادي في بنية الحكم الأمريكي. وخلف قرارات أسعار الفائدة وتحركات الأسواق، يدور صراع خفي بين أقوى رجلين في السياسة والمال.. ترامب الطامح لمحاربة الركود، وباول المدافع عن استقلال الفيدرالي وسط عاصفة سياسية تهدد بنية الاقتصاد الأمريكي. هذا الصراع المحتدم بين دونالد ترامب وجيروم باول لا ينعكس فقط على الداخل الأمريكي بل يتردد صداه في كل الأسواق العالمية فحين يهتز استقلال الفيدرالي تتزعزع ثقة المستثمرين في آليات اتخاذ القرار النقدي في أقوى اقتصاد في العالم ومع كل تهديد من ترامب بإقالة أو تقليص دور باول تتقلب أسواق الأسهم والسندات وترتفع تكاليف الاقتراض عالميا وتفقد البنوك المركزية الأخرى إشارات التوازن التي كانت تصدر تقليديًا من واشنطن كما أن تدخل السياسة في قرارات الفائدة قد يطلق موجات تضخم جديدة أو يعرقل جهود السيطرة عليه ما يهدد بعودة دوامة الركود التضخمي من جديد وعلى المستوى الدولي فإن أي تراجع في مصداقية الفيدرالي سيؤثر على قوة الدولار كعملة احتياط وسيدفع دولًا كبرى إلى إعادة النظر في اعتمادها عليه ما قد يعجّل بتغيرات جيوسياسية في موازين النظام المالي العالمي وهكذا يتحول الصراع الشخصي بين رجلين إلى تهديد صامت لبنية الاستقرار النقدي العالمي.