دخل وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل حيز التنفيذ صباح اليوم الثلاثاء، بعد اثني عشر يوماً من التصعيد العسكري غير المسبوق بين الطرفين، والذي كاد أن يجر المنطقة بأكملها إلى أتون حرب واسعة النطاق. وقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الهدنة دخلت حيز التنفيذ عقب مطالبة الولاياتالمتحدة لكلا الجانبين بوقف العمليات القتالية، في خطوة وصفها مراقبون بأنها تمثل أفضل تسوية ممكنة لجميع الأطراف المنخرطة في الصراع، بحسب ما نقلته وكالة "أسوشييتد برس". ومع دخول وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران حيز التنفيذ، تفاجأ الإسرائيليون بسقوط صاروخ على مدينة بئر السبع، ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة العشرات. و ذكر جيش الاحتلال أنه رصد صواريخ أطلقت من إيران، صوب إسرائيل، في حين دوت صافرات الإنذار بمناطق عديدة شمالا، بينها حيفا والجولان والجليل ومنطقة الكرمل. وأعلن وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في أعقاب إطلاق صاروخين من إيران بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، أنه "أوعزت للجيش الإسرائيلي بالرد بشدة على خرق وقف إطلاق النار من جانب إيران، بهجمات شديدة ضد أهداف النظام في قلب طهران". وأفاد مستشفى "سوروكا"، بأن 26 مصابًا إثر سقوط الصاروخ ببئر السبع نُقلوا للمشفى، مشيرا إلى أن اثنين منهم بحالة متوسطة، فيما وُصفت حالة الآخرين بالطفيفة. وأظهر تحقيق أولي أجرته قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، بشأن الإصابة المباشرة بالصاروخ الإيراني في بئر السبع، أن القتلى الأربعة كانوا داخل الملاجئ حينما قُتلوا، نتيجة إصابة مباشرة لها. في المقابل، نفت طهران هذه المزاعم وذكر التلفزيون الإيراني، أن "الأنباء عن إطلاق صواريخ من إيران بعد وقف إطلاق النار، عارية عن الصحة"، ووصفت طهران التقارير الإسرائيلية بأنها "ملفقة". ترامب: إسرائيل وإيران انتهكتا وقف إطلاق النار وتعقيبا على ذلك، أعلن ترامب أن كلًا من إسرائيل وإيران انتهكتا وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ صباح الثلاثاء، في الموعد الذي كان قد حدده بنفسه في وقت سابق. وفي مؤتمر صحفي، عبر ترامب عن استيائه من الطرفين، قائلاً: "لست راضياً عن إسرائيل ولا عن إيران". وأضاف: "لست متأكداً من أن الإيرانيين أطلقوا الصاروخ صباح اليوم على إسرائيل عن قصد"، في إشارة إلى تصعيد جديد رغم إعلان التهدئة. القناة الإسرائيلية 12 نقلت عن مسؤول إسرائيلي قوله إن الجيش الإسرائيلي على الأرجح سيهاجم داخل إيران، بالرغم من تحذيرات ترامب. الرئيس الأميركي بدوره علّق على ذلك قائلاً: "أقول لإسرائيل لا تلقوا قنابلكم على إيران، وإذا فعلتم فسيكون ذلك انتهاكاً خطيراً". وأضاف ترامب: "أقول لإسرائيل أعيدوا طياريكم إلى الديار الآن"، مشيراً إلى أن ما قامت به إسرائيل في إيران كان خطأً، مؤكداً أن على الجميع التزام الهدوء في هذه المرحلة. فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، جدد ترامب تأكيده بأن "قدرات إيران النووية انتهت، ولن تتمكن من إعادة بنائها مجددًا"، مشيرًا إلى أن الضربات الأميركية حققت أهدافها، رغم تشكيك بعض وسائل الإعلام. الرئيس الأميركي اعتبر أن الأمور في الشرق الأوسط تتحسن، رغم التصعيد، مشيراً إلى أن "إسرائيل وإيران تتقاتلان منذ فترة طويلة وبشراسة، لدرجة أنهما لا تعرفان ماذا تفعلان". خسائر فادحة على الجانبين ورغم التوصل إلى الاتفاق، فإن الأيام الماضية خلفت خسائر بشرية ومادية ضخمة في كل من إسرائيل وإيران، حيث كلفت المواجهات كلا البلدين ثمناً باهظاً على مختلف المستويات. الخسائر الإسرائيلية اقتصادياً: قدّرت كلفة المواجهة اليومية لإسرائيل بمئات الملايين من الدولارات، بسبب استخدام أنظمة دفاعية متطورة لاعتراض الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية، أبرزها نظام "مقلاع داود" الذي تصل كلفة تشغيله إلى 700 ألف دولار لكل اعتراض، و"أرو 3" الذي بلغت كلفة استخدامه حوالي 4 ملايين دولار لكل صاروخ. بشرياً: سُجل مقتل نحو 30 إسرائيلياً، فيما أصيب العشرات جراء الهجمات الصاروخية المكثفة. ماديا: قدرت الأضرار الناتجة عن تدمير المباني والبنية التحتية في تل أبيب، حيفا، وبئر السبع بأكثر من 400 مليون دولار. عسكرياً: أثيرت تساؤلات واسعة داخل الأوساط الإسرائيلية حول فعالية منظومات الدفاع الجوي، في ظل فشلها في اعتراض بعض الصواريخ التي أصابت مناطق استراتيجية. الخسائر الإيرانية بشرياً: بلغت الخسائر البشرية في إيران نحو 650 قتيلاً، بينهم عدد كبير من كبار القادة العسكريين، من أبرزهم رئيس الأركان محمد حسين باقري، وقائد الحرس الثوري حسين سلامي، وقائد مقر "خاتم الأنبياء" علي شادماني. استراتيجياً: تأثرت المنشآت النووية الإيرانية بشكل كبير، خصوصاً في مواقع مثل نطنز، فوردو، وأصفهان، التي استهدفتها ضربات إسرائيلية وأميركية، وقدرت خسائر هذه المنشآت بمليارات الدولارات. علمياً: أعلنت مصادر إسرائيلية عن اغتيال أكثر من 17 عالماً إيرانياً متخصصاً في المجال النووي. اقتصادياً: تضررت البنية التحتية بشكل واسع في عدد من المدن الإيرانية، وسط أزمة اقتصادية خانقة تعيشها البلاد أصلاً بفعل العقوبات الدولية. أبعاد سياسية واستراتيجية للاتفاق يرى محللون أن اتفاق وقف إطلاق النار لم يكن فقط ضرورة ملحّة لتفادي توسع الحرب، بل قد يمثل أيضاً فرصة استراتيجية لكل طرف: الولاياتالمتحدة استعرضت قوتها العسكرية من خلال ضرب منشآت نووية إيرانية، ما أعاد التأكيد على قدرتها في فرض ميزان الردع في المنطقة. إسرائيل اعتبرت أن أهدافها تحققت عبر ضرب مراكز القوة النووية والعسكرية الإيرانية، ما يمنحها فرصة لإعادة ترتيب أولوياتها في ظل صراعات متعددة على جبهات عدة. إيران قد ترى في الاتفاق طوق نجاة لتفادي انهيار داخلي محتمل، بعد الضربات التي كشفت هشاشة بعض منشآتها الأمنية والعسكرية.