تشهد مزارع العنب في مصر خاصة في منطقة النوبارية بطريق مصر الإسكندرية الصحراوي حالة من النشاط الاستثنائي والانتظام الدقيق إيذانًا ببدء موسم حصاد العنب وهو أحد أبرز المحاصيل التصديرية التي تعتمد عليها البلاد لتحقيق عائد اقتصادي مهم وإبراز جودة المنتج الزراعي المصري في الأسواق الأوروبية والدولية في هذا التوقيت من كل عام وتحديدًا بين أواخر شهر مايو ومنتصف يونيو. رحلة العنب المصري إلى موائد أوروبا هذا الموسم لا يُعد مجرد وقت للحصاد فحسب، بل يمثل سلسلة مترابطة من الجهد والتخطيط والتنفيذ تبدأ من طريقة الزراعة وتنتقل إلى مراحل الجمع والتبريد والنقل والتعبئة، وتنتهي بوصول عنقود العنب إلى يد المستهلك في أوروبا في رحلة تمتد لأكثر من أسبوعين عبر البر والبحر. ما يميز هذا الموسم من الحصاد هو التوجه الجاد نحو اعتماد الزراعة النظيفة حيث تم الاستغناء الكامل عن رش المبيدات الكيماوية خلال مراحل نمو العنب بهدف الحفاظ على نقاء المنتج وضمان خلوه من أي آثار ضارة قد تؤثر على صلاحيته أو تمنع دخوله إلى الأسواق الأوروبية التي تُشدد في هذا الجانب تحديدًا الاعتماد على وسائل طبيعية لمقاومة الآفات الزراعية جاء كجزء من رؤية حديثة تهدف إلى التحول نحو الزراعة المستدامة، وهو ما أعطى للعنب المصري في هذا الموسم ميزة تنافسية حقيقية على المستوى الدولي، خاصة أن الدول المستوردة تشترط تقديم تقارير وفحوصات معتمدة من معامل حكومية رسمية، مثل المعمل المركزي لتحليل متبقيات المبيدات في القاهرة، قبل السماح بالتصدير. وقت الحصاد عملية الحصاد تبدأ في وقت مبكر جدًا من اليوم في الساعة الخامسة صباحًا حيث تكون درجات الحرارة في الحد الأدنى، مما يساعد على الحفاظ على قوام العنب وتجنب تلفه أو تعرضه لأي تغيرات تؤثر على صلابته وطعمه يعمل الحصادون بهدوء وتركيز حيث يُمنع لمس حبّات العنب بشكل مباشر، ويمسك العنقود من عنقه فقط ويوضع برفق في سلال مخصصة تعرف باسم "برانيك". ويراعى ألا تبقى هذه البرانيك في الشمس لفترة طويلة بل تنقل سريعًا إلى وحدات التبريد في عملية دقيقة تهدف للحفاظ على جودة العنب حتى لحظة تصديره التعامل مع كل عنقود يتم بدقة بالغة وكأن العامل يتعامل مع ثمرة نادرة لأن أي خدش بسيط أو ضغط زائد قد يؤدي إلى رفض كامل للشحنة في بلد الاستيراد. إنتاجية المزرعة اليومية تختلف من يوم لآخر حسب الطلبات التي تصل من محطات التصدير أو العملاء الدوليين في بعض الأيام يكون هناك طلب لتجهيز أكثر من ألف برنيكة من العنب وفي هذه الحالة يتم استدعاء فريق عمل كبير قد يصل إلى 80 أو 90 عاملًا موزعين بين من يقومون بعملية القص والفرز والخدمة ونقل البرانيك وعمال غرف التبريد إلى جانب فريق الإشراف الميداني الذي يتكون من مهندسين زراعيين ومراقبي جودة مهمتهم الأساسية متابعة سير العملية والتدخل الفوري في حال وجود أي مشكلة أو ملاحظة تؤثر على جودة المحصول ولأن الدول المستوردة خاصة من الاتحاد الأوروبي تضع مواصفات صارمة للغاية للعنب الذي تستقبله فإن العمل داخل المزارع بات أشبه بمنظومة إنتاج صناعي متكاملة تخضع فيها كل خطوة لمعايير دقيقة، ومن أبرز هذه المعايير الطعم الطبيعي للعنب والصلابة ونسبة السكر ونقاء لون العنقود بالإضافة إلى نتائج تحاليل متبقيات المبيدات التي يجب أن تكون صفرية أو في الحدود الأدنى المقبولة ولا يسمح بأي تجاوز في هذه الاشتراطات إذ أن أي شحنة لا تتطابق مع المعايير يتم رفضها على الفور ما يهدد بخسائر مادية فادحة، ولهذا فإن المزارعين يتعاملون مع الموسم بجدية كبيرة ويحرصون على ألا تغيب أي تفاصيل مهما كانت صغيرة. أكثر من مجرد عمل موسمي ورغم التحديات التي قد تفرضها الأجواء المناخية أو المتغيرات الاقتصادية فإن موسم حصاد العنب يظل بالنسبة للكثيرين أكثر من مجرد عمل موسمي بل هو مشروع وطني صغير يتكرر سنويًا يعكس روح الالتزام والاحترافية لدى العاملين في القطاع الزراعي ويبرهن على قدرة مصر على المنافسة في أحد أكثر الأسواق تطلبًا على مستوى العالم ولا شك أن الاتجاه نحو زراعة العنب دون استخدام المبيدات يمثل خطوة شجاعة نحو تحقيق الاكتفاء البيئي، وجعل الزراعة المصرية في قلب الحركة العالمية نحو الغذاء النظيف والآمن. إن عنقود العنب الذي يصل إلى موائد أوروبا لم يأتِ من فراغ بل يقف وراءه جهد متواصل وفريق عمل ملتزم وفكر إداري مدروس ورغبة وطنية في أن يكون للمنتج المصري مكانته المستحقة في الأسواق العالمية هو إنجاز يتكرر كل عام لكنه لا يفقد أبدًا بريقه لأنه يحمل معه قصة تعب وأمل وحلم مستمر في تحويل الزراعة المصرية إلى مصدر فخر وتقدير عالمي دائم. 0e467a7c-0dca-4a83-9c20-1355a83c18d5 1f9c240e-cc46-4aed-ae12-922e2ca6d1d1 68eb71c6-c2ef-4c50-abd7-61a2e0b5ee52