الدكتورة ليلى العلمي، كاتبة مغربية، تُعد من أبرز الأصوات الأدبية المعاصرة التي تكتب بالإنجليزية عن الهُوية، والهجرة، والانتماء. وقد وصلت رواياتها إلى قوائم الجوائز الأدبية العالمية، مثل جائزة بوكر الأدبية في عام 2015، وجائزة الكاتب العربي الأمريكي في العام نفسه، إلى جانب غيرها من الجوائز العالمية، تقديرًا لإبداعها الكتابي. وقبل أن أكتب عنها، شعرت أن من الإنصاف أن أبدأ برواية الخبز الحافي للكاتب المتميز والمتمرد محمد شكري، تلك الرواية التي شكّلت، كما يبدو، واحدة من العلامات المبكرة في تكوين الذائقة الأدبية لها، ولجيلٍ كامل من أدباء المغرب العربي. فرواية الخبز الحافي كانت بحق رواية الجرأة الأدبية وفضيحة المجتمع المسكوت عنه، وقد أثارت جدلًا واسعًا منذ صدورها، سواء في مصر أو في عدد من الدول العربية. ولم يكن الجدل محصورًا في قيمتها الأدبية، بل تجاوز ذلك إلى صراحتها الشديدة في تناول موضوعات مثل الفقر، والعنف، والإدمان، وغيرها من القضايا التي نادرًا ما طُرقت في الأدب العربي بذلك الوضوح والحدة.
لكن هذه الرواية كانت أيضًا نافذة على الأدب المغربي، وإشارة قوية إلى أن الإبداع لا وطن له. فقد مثّلت صوتًا مختلفًا، قادمًا من الهامش، يخاطب الهامش، ويكتب عنه دون مواربة. ولا أنسى أبدًا أن الآراء انقسمت حول رواية الخبز الحافي في ذلك الوقت؛ فهناك من رأى فيها شجاعة أدبية وتعبيرًا صادقًا عن واقع الإنسان المهمّش، خاصةً أنها كُتبت في سياق سيرة ذاتية لكاتب عاش طفولة قاسية في أحياء طنجة الفقيرة. وهناك، في المقابل، من اعتبرها رواية صادمة وخارجة عن المألوف الثقافي، ورأوا فيما ورد فيها نوعًا من "التفكك الأخلاقي"، مما أدى إلى منعها أحيانًا، وتناولها بحذر في الأوساط الثقافية والأكاديمية. وما زاد من الضجة حول هذه الرواية في مصر، أنها نُشرت أولًا بالفرنسية، ثم تُرجمت إلى العربية، ما جعل البعض يتهم الكاتب محمد شكري بأنه "يكتب للغرب"، أو "يُشهّر بالمجتمع العربي"؛ وهي نفس الاتهامات التي طالت عددًا من كتّاب جيله ممن خاضوا في مناطق محرّمة اجتماعيًا. الغريب أن هذه الرواية تُرجمت إلى أكثر من تسعٍ وثلاثين لغة، ووصفها الكاتب المسرحي الأمريكي تينيسي وليامز بأنها "وثيقة حقيقية لليأس الإنساني، مُحطِّمة في تأثيرها"، وهو وصف صادق لما تميزت به كتابات محمد شكري من إسقاط واقعي لطبقة المجتمع السفلية المسحوقة، التي تطغى عليها ملامح الفقر، والبؤس، والتهميش، واليأس. كما تناولت موضوعات تُعد خطًا أحمر في المجتمعات العربية، مثل الدعارة، والعنف الأبوي، واستغلال القاصرين، وكل ذلك عبر لغة بسيطة، سلسة، وقادرة على النفاذ إلى عمق الألم الإنساني. لقد كُتب كثيرٌ عن هذا الكاتب المتمرد، الذي عُرف بشخصيته المجنونة، والمغامِرة، وحياته الفوضوية، الغنية بالإبداع الأدبي. بعد صدور الخبز الحافي، نشر شكري روايته الثانية زمن الأخطاء، وهي الجزء الثاني من سيرته الذاتية، حيث تناول فيها فترة شبابه، واكتشافه للعالم، وتعلمه القراءة والكتابة، وتجربته مع الحب والوجود. وقد لاقت الرواية بدورها هجومًا من كثير من الكتّاب والمفكرين، نظرًا لجرأة البوح وكسر المحرمات. ولم يتوقف شكري عن الغوص في العوالم الجريئة، فصدرت له رواية وجوه، وهي الجزء الثالث من السيرة، وتحكي عن شخصيات مختلفة أثّرت في حياته ومسيرته الأدبية. إلى جانب هذه الثلاثية، كتب محمد شكري روايات أخرى مثل: مجنون الورد، الخيمة، والسوق الداخلي. كما نشر بعض المذكرات التي جمعت ذكرياته مع كبار الكتّاب مثل جان جينيه، بول بولز، وتينيسي وليامز. وقد تسألني: هل ستكتب عن روايات الكاتب محمد شكري، أم عن إبداعات الدكتورة ليلى العلمي؟ أقول لك إن روايات محمد شكري، وغيرها من الكتابات المغربية الجريئة، شكّلت أرضًا خصبة للأجيال الجديدة من الكتّاب المغاربة. أولئك الذين آمنوا أن الحقيقة لا تُروى بنصف صوت، وأن الكتابة فعل تحرّر لا تجميل، ومن بين هؤلاء الكتّاب الذين واصلوا طرح الأسئلة الصعبة بشجاعة وعمق، تبرز الدكتورة ليلى العلمي برواياتها فائقة الجودة والتميز.
الأسبوع المقبل، بإذن الله، أُكمل قراءة إبداعات الدكتورة ليلى العلمي.. فانتظر سيل تميزها.