حكومة الجمهورية الجديدة    المركز الاستكشافي للعلوم بالمنيا يقيم دورة لتعليم الطلاب المبتكرين كيفية عمل روبوت    233 درجة.. محافظ دمياط تعتمد تنسيق الثانوية العامة    أسماء أوائل الشهادة الابتدائية بمنطقة أسيوط الأزهرية بعد اعتمادها رسميًا    خسائر أسبوعية لأسعار النفط بالأسواق العالمية    هيثم رجائي: الملتقى الدولي لرواد صناعة الدواجن سيكون بمشاركة عربية ودولية    علاء الزهيري رئيسا للجنة التدقيق الداخلي للاتحاد العام العربي للتأمين    «سياحة الشيوخ» توصي بضرورة تفعيل المنتج السياحي «العمرة بلس»    بلغاريا تجري انتخابات لاختيار برلمان جديد    إصابة كيليان مبابى قبل ودية منتخب فرنسا الأخيرة استعدادا ل يورو 2024    مران الأهلى.. محاضرة نظرية من كولر.. وتدريبات استشفائية للتخلص من الإجهاد    بث مباشر مباراة الأهلي والاتحاد السكندري في نهائي دوري السوبر لكرة السلة | بداية المباراة    سيدات مصر لسلاح الشيش يتوجن بذهبية ببطولة أفريقيا للفرق    يورو 2024| سلوفينيا تعود بعد غياب 24 عاما.. انفوجراف    انتهاء جلسة استماع رمضان صبحي أمام لجنة مكافحة المنشطات    أسماء 16 مصابا في اصطدام ميكروباص في بوابة كمين دمشير بالمنيا    منذ 5 شهور.. ليلى عبداللطيف توقعت «صفعة» عمرو دياب    بعد ليلة زفافها.. جميلة عوض توجه الشكر لمن حضر حفل زفافها    إعلام إسرائيلي: اجتماع لمجلس الحرب اليوم دون دعوة جانتس وآيزنكوت    أهمية الثالث من ذي الحجة وخصائصه    تكبيرات عيد الأضحى المبارك 2024.. صيغتها ووقتها    فيديو.. أستاذ اقتصاديات صحة: مصر من أقل دول العالم في تسعير الأدوية    لمواليد برج العقرب.. توقعات الأبراج في الأسبوع الثاني من يونيو 2024 (التفاصيل)    وكيل «رياضة القليوبية» ورئيس شركة المياه يبحثان سبل التعاون المشترك    الجيش الأمريكي: إسرائيل لم تستخدم الرصيف البحري الأمريكي في عملية تحرير الأسرى    منها تسريح الشعر.. مفتي الجمهورية السابق يوضح محظورات الحج    تأجيل محاكمة 3 متهمين ب«خلية الشروق الثانية» لجلسة 14 يوليو    «الصحة»: رفع درجة الاستعداد بالمستشفيات استعداداً لعيد الأضحى    أحمد العوضي يهنئ ياسمين عبد العزيز بمسلسلها الجديد: "هتغدغي الدنيا يا وحش الكون"    مياه القناة: استمرار أعمال التطهير لشبكات الصرف الصحى بالإسماعيلية    «الصناعات الكيمياوية»: إنتاج مصانع الأسمدة في مصر لم يصل مستويات ما قبل قطع الغاز    البابا تواضروس الثاني يزور دير "الأنبا أور"    ذا صن: مانشستر سيتي سيزيد راتب فودين عقب اليورو    «اقتصادية الشيوخ»: الرقابة المسبقة سيؤثر إيجابيا على الاستثمار في مصر    غدا.. "صحة المنيا" تنظم قافلة طبية بقرية حلوة بمركز مطاي    حجازي: جار تأليف مناهج المرحلة الإعدادية الجديدة.. وتطوير الثانوية العامة    مدحت صالح يستعد لإحياء حفل غنائي 29 يونيو بالأوبرا    بروتوكول تعاون بين جامعة بنها والأكاديمية العسكرية للدراسات العليا    اجتماع بالجامعة العربية لتقييم منتديات التعاون مع الدول والتجمعات الإقليمية    محافظ الشرقية يهنئ لاعبي ولاعبات الهوكي لفوزهم بكأس مصر    قصف أمريكي بريطاني يستهدف منطقة الجبانة في الحديدة غرب اليمن    «الأخبار» تطلع على خرائط 100 عام من طقس مصر ..    المرور: ضبط 28776 مخالفة خلال 24 ساعة    محافظ الشرقية يُفاجئ المنشآت الصحية والخدمية بمركزي أبو حماد والزقازيق    بسمة داود تنشر صورا من كواليس "الوصفة السحرية"    منورة يا حكومة    اعتدال بسيط في درجات الحرارة بمحافظة بورسعيد ونشاط للرياح.. فيديو وصور    البابا فرنسيس يحث حماس وإسرائيل على استئناف المفاوضات ويدعو لإنقاذ شعب غزة المنهك    ريان عربي جديد.. إنقاذ طفل سوري وقع داخل بئر بإدلب    موعد يوم التروية 1445.. «الإفتاء» توضح الأعمال المستحبة للحاج في هذا التوقيت    مدرسة غبور للسيارات 2024.. اعرف مجموع القبول والتخصصات المتاحة    وزير الزراعة يوجه بتكثيف حملات التفتيش على منافذ بيع اللحوم والدواجن والاسماك والمجازر استعدادا لاستقبال عيد الأضحى    ضبط مالك مطبعة متهم بطباعة المطبوعات التجارية دون تفويض من أصحابها بالقليوبية    فى انتظار القصاص.. إحاله قضية سفاح التجمع الخامس إلى جنايات القطامية    يحدد العوامل المسببة للأمراض، كل ما تريد معرفته عن علم الجينوم المصري    3 طرق صحيحة لأداء مناسك الحج.. اعرف الفرق بين الإفراد والقِران والتمتع    الملامح النهائية للتشكيل الحكومي الجديد 2024    مجلس التعاون الخليجي: الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات جريمة نكراء استهدفت الأبرياء العزل في غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نزيل طنجة محمد شكري: عالم الإحباط والموت البطيء
نشر في نقطة ضوء يوم 01 - 12 - 2017

«إنني أدافع عن الوسط الذي عشت فيه وأنتمي إليه، أدافع عن المهمشين، وأنتقم من هذا الزمن المُذل والبائس» (محمد شكري) تحتفل الأوساط الأدبية في المغرب وخارجه هذه الأيام بالذكرى الرابعة عشرة لرحيل الأديب المغربي محمد شكري (15 يوليو/تموز 1935 نوفمبر/ تشرين الثاني 2003)، ما فتئ هذا الكاتب الفريد يحظى باهتمام الدارسين والنقاد والقراء على السواء حتى اليوم، نظرا لما أبدعه وأثار به زوبعة ما زال هدير صداها بين الأوساط الأدبية والنقدية داخل المغرب، وفي العالم العربي وخارجهما، ذلك لاقتحامه موضوعات كانت تعتبر قبله من التابوهات أو المحظورات التي ينبغي عدم الحديث عنها ولا التطرق إليها.
الهجرة إلى عالم طنجة
ارتبط اسم محمد شكري بمدينة طنجة أكثر من أي مدينة أو قرية أخرى، هاجر إليها في سن مبكرة قادما من «بني شيكر» وهي قرية ريفية قريبة من مدينة الناظور، بعد أن نشأ في أسرة فقيرة، وقد أرغمته معاملة أبيه العنيفة على الفرار والهجرة، ولم يكن يتجاوز الحادية عشرة ربيعا من عمره. عاش سنواته الأولى في مدينة البوغاز ملتقى البحرين محاطا بأجواء التشرد والعنف والبغاء والمخدرات. وعندما بلغ العشرين من عمره انتقل للعيش في مدينة العرائش للدراسة، وخلال هذه المرحلة من عمره بدأت اهتماماته بالأدب، ثم ما لبث أن عاد إلى طنجة، حيث كان يرتاد الحانات، ومواخير وأوكار البغاء، كما طفق يكتب ما عاشه من تجارب شخصية، فكانت أولى قصصه التي نشرها في مجلة «الآداب» عام 1966 تحت عنوان «عنف في الشاطئ» وقد أفضت به اهتماماته الأدبية لمرافقة كتاب معروفين عالميين، كانوا يقيمون في طنجة مثل، الأمريكيين بول باولز، وتنيسي وليامز، والفرنسي جان جينيه وسواهم. دون شكري لقاءاته بهؤلاء الكتاب في مذكراته «عزلة بول باولز في طنجة»، ثم في «جان جنيه وتنيسي وليامز في طنجة»، وإضافة إلى إبداعاته الأدبية، ترجم كذلك إلى لغة الضاد أشعارا لمبدعين إسبان مثل ماتشادو، وأليكسندري، ولوركا وآخرين، ثم سرعان ما جاءته الشهرة منقادة بفضل روايته الشهيرة «الخبز الحافي» التي نشرها عام 1973 والتي ظلت محظورة في مجموع البلدان العربية، ولم تنشر في المغرب سوى عام 2000، من كتبه كذلك «زمن الأخطاء» 1992 و»وجوه» 1996 وتشكل هاتان الروايتان إلى جانب روايته الأولى، الثلاثية التي تحكي سيرته الذاتية.
سيرة ذاتية/سيرة مدينة
يرى الكاتب الإسباني كارليس خيلي إن محمد شكري كان يأسف للسطحية التي عالج بها بعض الكتاب صورة مدينة طنجة، والأدهى من ذلك الاحتقار والكراهية والعنصرية، التي كان ينظر بها هؤلاء الكتاب إلى السكان البسطاء في هذه المدينة، وقد علّق شكري على ذلك بقوله متماديا في السخرية «أيا كان من هؤلاء الكتاب يقضي بضعة أسابيع في طنجة يمكنه أن يؤلف كتيبا عنها!». ويضيف شكري «إنني أدافع عن الوسط الذي عشت فيه وأنتمي إليه، أدافع عن المهمشين، وأنتقم من هذا الزمن المُذل والبائس»، بهذه العبارات كان صاحب «الخبز الحافي» يبرر موقفه مما عاشه وشاهده من خزيٍ ورداءةٍ في عصره، في سيرته الذاتية المترعة بالمرارة وصراحتها المفرطة.
شكري وبول باولز
يشير الكاتب الإسباني أن كلا من بول باولز وزوجته جين كانا بؤرة وبوتقة اهتمام العالم الأدبي، الذي ينقله لنا شكري بصراحة مرة، والذي كان يعرف جيدا بول لمدة تزيد على 25 سنة، حيث كان شكري يملي عليه باللغة الإسبانية ما كان يكتبه كل صباح من سيرته الذاتية، التي كانت في ذلك الوقت تحمل عنوان «من أجل كسرة عيش» أو من أجل لقمة عيش، والتي كان بول باولز يترجمها إلى الإنكليزية، بعد ذلك بدأ الخلاف بينهما. ويدور كتاب شكري «عزلة بول باولز في طنجة» حول هذا الأمريكي الذى عاش في هذه المدينة منذ وصوله إليها عام 1947 والذي ظل فيها إلى وفاته عام 1999. يصف شكري في الكتاب باولز بتلقائية مطلقة، فيقول عنه: «إنه لكي يكتب كان يدمن على تعاطي الحشيش، إلا أنه خارج المنزل كان يشرب السجائر، كان إباحيا مثليا ولم يخفِ شيئا عن رفيقة عمره جِينْ، كما أنه كان نخبويا وعنصريا، كان يروقه المغرب وليس المغاربة». ويضيف الكاتب الإسباني قائلا: «إن شكري عندما يحلل، ويشرح بذكاء الحياة الأدبية لباولز يقابل أعماله الإبداعية بحياته الحقيقية، كان ينتقد نقدا لاذعا أحد كتب باولز وهو «مذكرات رحالة» حيث كان يقول عنه: إنه كتاب يقوم على رتابة متتالية، وفواصل مملة، كانت الغاية من وضعه أداء تكاليف التطبيب والعلاج لجين. وفي رأيه أن الجنس كان هو سبب جميع المصائب والمحن التي تلحق بأبطاله، والجنس لصيق بالجريمة والجنوح والمروق، وشخصيات هذا الكتاب مهددة بتدمير وتحطيم نفسها وهي دائما تنتظرها نهاية قاسية ومؤلمة. يقول شكري: «إن مراوغة خيال بول باولز كان يزعج جين، إلا أنها لم تكن تعتب على زوجها فالذي كان ينقصها لم تكن المهارات، بل المثابرة، كانت تشعر بالمرارة من عدم الاكتراث، وبنوع من الضغينة مما كان يجري، كانت تغرق في الكحول حتى الثمالة، كما كانت تغرق في طموحها الذي لم يحالفه النجاح، إذ بعد بلوغها الخمسين من عمرها هجرت الكتابة، الشيء الذي زاد في تفاقم عنصر التدمير الذاتي عندها، مضافا إلى ذلك سلوكها الإباحي غير الحميد».
شكري وفردوسه المفقود
ويضيف كارليس خيلي حسب ميغيل لاثارو، «أثار شكري حفيظة بول باولز لنشره أسرارا عنه ضمن هذا الكتاب، انطلاقا من صداقته القديمة معه، كتب هذه الشهادات الحميمية التي تزيح الستار عن العديد من الحقائق والأسرار التي ظلت طي الكتمان، والتي لم يتم نشرها من قبل عن المعايشات، والمغامرات الطنجوية الحالكة لهذا الكاتب الأمريكي، في هذا الكتاب نكتشف علاقة باولز مع أبرز الكتاب المرموقين في عصره مثل وليام بورجيس، وألن جينسبيرغ، ترومان كابوتي، ومختلف الأسرار والخفايا التي أحاطت به وبزوجته جين، إنه كتاب ينبض بالعواطف، ويحفل بالعنف والحقائق المثيرة حول باولز، وكل المحيطين به، الذين جلبوا كثيرا من المتاعب الخطيرة لشكري، ولقد بلغ الأمر بشكري إلى الإفصاح عن شعوره بالمرارة من وضعه لهذا الكتاب، حيث قال: «بكتابي هذا حول باولز قتلت والدي الثاني»، الأمر نفسه يراه الكاتب خوان غويتيسولو، عند ترجمة الكتاب للإسبانية في يونيو/حزيران 2012 صدر الكتاب بالعربية عن منشورات الجمل عام 1997 حيث وصف غويتيسولو باولز بأنه «الأب الأدبي» لشكري، وقال: «إلا أن هناك نوعا من التظلم في هذا الشأن، إذ يبدو لي أنه من الأهمية بمكان معرفة وجهة نظر مغربي معوز كان يعيش بين ثلة من الأمريكيين الذين كانوا يقيمون في طنجة، والذين كانوا يعتبرون هذه المدينة فردوسا أرضيا ولكنهم لم يكونوا على علم كيف كان يعيش المغاربة هنا».
في ذكراه الرابعة عشرة
قال الكاتب المغربي مصطفى بودغية بهذه المناسبة، «استطاع شكري أن يتعلم وهو ابن العشرين، بعد أن تشرب دروسا قاسية في الحياة من قاع المدينة، لكنه لم يتعلم وحسب، وإنما اتخذ من تعلمه سلاحا للكشف عن ذلك الواقع المنسي في المجتمع، ذلك الواقع البائس القاسي الذي يعرفه الجميع، ويتنكر له الجميع أيضا، ذلك الواقع (المسكوت عنه) المدفون تحت طبقات ضبابية من (الأخلاقيات الزائفة)، استطاع شكري أن ينتشل حياة المُهمشين من القاع المنسي، ومن ظلمة التهميش إلى أنوار (شمس الحقيقة)، ف»الخبز الحافي» كونه عملا إبداعيا في المقام الأول، لكنه أيضا وثيقة مهمة اجتماعيا وتاريخيا، إنه صرخة في وجه النفاق الاجتماعي، وصرخة في وجه مجتمع يتنكر لأبنائه المُهمشين، كتب شكري «الخبز الحافي» بلغة بسيطة وسهلة نعتها أحد النقاد ب (اللغة العارية)، أي خالية من البلاغيات والمُحسنات اللفظية، كُتب بلغة عارية تماثل عراء الواقع الذي يكتب عنه، لغة مباشرة مثل حياة المُشردين والصعاليك الذين لا أقنعة لديهم يلبسونها، إنه عمل أدبي حافٍ من كل المُحسنات، لكنه حاد جارح كالسيف، جعل الكثيرين يتساءلون عن أسباب الفقر، والتشرد، والجريمة، وتعاطي المخدرات والاغتصاب، والدعارة، والعنف، والجريمة، حيث يتربص بهم الموت البطيء والإحباط الشامل دون أحلام ولا آمال ولا طموحات».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.