«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهادات حية يرويها المتضررون.. كارثة إنسانية فى السودان بعد عامين على الحرب.. ميليشيات الدعم السريع ارتكبت إبادة جماعية ضد مجتمع المساليت فى دارفور
نشر في البوابة يوم 16 - 04 - 2025

منذ يومين، مر عامان على الصراع فى السودان الذى بدأ فى 15 أبريل 2023، وبحسب الأمم المتحدة، فإن البلاد تشهد أكبر أزمة إنسانية فى العالم. خلفت الحرب فى السودان آلاف الضحايا و«13 مليون نازح ولاجئ»، ونصف سكان البلاد فى حاجة إلى مساعدات، بحسب مسئول فى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين. كما ارتكبت ميليشيات الدعم السريع إبادة جماعية خلال هذا الصراع ضد مجتمع المساليت فى دارفور.. بعد عامين فقط من اندلاع الحرب، تسلط إذاعة فرنسا الدولية الضوء، من خلال شهادات حية يرويها أبناء السودان لعدد من مراسلى الإذاعة، حول معاناتهم من هذه الحرب التى يكاد أن ينساها العالم تدريجياً.
وصلت رادا آدم عبدالرحمن مطر إلى أدري، على الجانب التشادى من الحدود، إلى مركز الإسعافات الأولية التابع للصليب الأحمر. وبعد أن غادرت نيالا، عاصمة جنوب دارفور على الجانب السوداني، قبل ثلاثة أيام، أصبحت مرهقة للغاية. وتقول إنها لم يكن أمامها خيار سوى الفرار وتضيف "الحرب لن تتوقف فأجبرنا على الرحيل. وبعد ذلك نشعر بالجوع، ونعانى كثيرًا بسببه. ليس لدى أطفالى ما يأكلونه. ولم نعد نتلقى أى أموال. هذه هى الأسباب التى دفعتنا إلى مغادرة البلاد. فى كثير من الأحيان، لا نأكل أى شيء طوال اليوم، ومن الممكن أن نستمر لمدة تصل إلى يومين أو ثلاثة أيام دون أن نأكل أى شيء. المجاعة منتشرة فى جميع أنحاء السودان وذلك بسبب الحرب".
نعمت هارون خميس محمد، 26 سنة ولديها أربعة أطفال، وهى أيضاً من نيالا. لقد عبرت الحدود فى نفس الوقت مع رادا. تقصفنا طائرات الدعم السريع. غالبًا ما يحدث هذا فى منتصف الليل وأنت نائم، وعندما تستيقظ تكتشف من قُصف أثناء نومك. قصفٌ أودى بحياة عمتى وأطفالها الستة فى منزلهم".. وعلى مدار العام الماضي، يسافر محمود محمد بحري، وهو تشادى يبلغ من العمر 56 عامًا، ذهابًا وإيابًا بين مدينتى الحدود: أدري، على الجانب التشادي، وأدينكون، على الجانب السوداني. هو من أحضر المرأتين على عربته كما أحضر الكثير من اللاجئين. وقد شهد وصول العديد منهم خلال الاثنى عشر شهرًا الماضية. يقول سائق العربة: "إنهم مفلسون. وضعهم مأساوي. لم يأكل بعض الناس شيئًا لمدة يومين أو ثلاثة أيام. إنهم جائعون جدًا لدرجة أنهم مستعدون لتناول أى شيء".
فى الأشهر الأخيرة، أدى التحول فى ميزان القوى بين المعسكرين إلى تحول الصراع، وفرض الجيش السودانى نفسه أواخر عام 2024 فى وسط البلاد. وحرر ولاية سنار، ثم الجزيرة، وأخيراً (فى نهاية مارس الماضى) العاصمة الخرطوم. فى قلب المدينة، أصبح القصر الرئاسى الآن تحت سيطرة الجيش. وكان من المقرر أن تعلن ميليشيا الدعم السريع وحلفاؤها عن تشكيل حكومتهم الموازية من هذا المبنى الرمزى للغاية، ولكنهم فوجئوا بالأمر.
بعد عامين من الحصار، كان رحيل قوات الدعم السريع بمثابة ارتياح لكثير من سكان العاصمة. تقول هناء، وهى شابة من أم درمان "لقد كان خبرًا رائعًا! استيقظنا ذات صباح وكان الجميع من حولنا يصرخون: هل سمعتم ذلك؟ لقد رحل رجال الدعم السريع!"، وتشرح كيف أطلق أفراد من القوات شبه العسكرية النار على حيّها، فدمروا المنازل والمدارس ومركزًا صحيًا. وتضيف: "خرجت أنا وأصدقائى للاحتفال فى الشارع . لقد مر وقت طويل لا أستطيع فيه الخروج"!.
وتقول دعاء، وهى أم شابة تعيش فى شرق العاصمة: "إن الأحياء التى احتلتها القوات شبه العسكرية فى الخرطوم هى التى عانى السكان منها أكثر من غيرها". وأضافت وهى تشعر بالارتياح: "فى السابق، كان من الممكن أن تُختطف المرأة، وكانت النساء دائمًا عرضة للاغتصاب. أما الآن، فيمكننا النوم بسلام، ويمكننى الخروج وشراء ما أتناوله". وتواصل "يمكنك أن تتخيل أن طفلى لم يشرب الحليب أو عصير الفاكهة أبدًا، لم نكن نعيش، بل كنا ننجو!".. هذه الشابة، التى تعمل فى مطبخ مجتمعى (مطابخ أُنشئت بأموال أرسلها المغتربون)، تُعرب عن أسفها للوضع الإنساني. وتضيف: "اليوم، نرى شبابًا فى الثلاثينيات من عمرهم يبدون وكأنهم فى الخمسينيات. إنهم نحيفون، مُرهقون، شاحبون، مجرد جلد وعظام.. لقد عشنا فى جو من الخوف الدائم، وهذا واضح على وجوه الجميع".
مدثر، مصور شاب، يرثى حالة العاصمة. يقول إن منطقة وسط المدينة، حيث يقع متجره، كان أشبه بمدينة أشباح: "لا أحد فى الشوارع، والأبواب مفتوحة على مصراعيها، والمبانى خالية تمامًا. نما النبات فى كل مكان، على الطرقات، وعلى الأسطح. أما المبانى المهمة أو التاريخية، فيتحسر قائلًا: لقد احترقت، ولم يبقَ شيء فى داخلها مثل المتحف الوطنى الذى تم نهبه وكان يضم أشياء لا يمكن تعويضها".

وضع دراماتيكى

واعترفت قوات الدعم السريع مؤخراً ليس بسحب قواتها بل "بإعادة انتشارها"، وذلك بعد هزيمتهم فى العاصمة. لكن القتال يتركز حول مدينة الفاشر فى شمال دارفور. أغلبية أفراد قوات الدعم السريع الذين انسحبوا من الخرطوم ينتشرون فى هذه المنطقة. كما استهدفت البلدات المحيطة بالمدينة بقصف عنيف. وأعلنت قوات الدعم السريع الخميس الماضى سيطرتها على مدينة أم كدادة، التى تقع على بعد نحو 180 كيلومترا شرق الفاشر. وفى الأسبوع الماضي، أدت تفجيرات سوق نيفاشا ومعسكر أبو شوك إلى مقتل 25 مدنياً وإصابة العشرات. لكن الفاشر لا تزال صامدة فى وجه هذه الميليشيات.
وتسيطر هذه القوات على بقية دارفور. وتعتبر مدينة الفاشر التى يحاولون السيطرة عليها منذ عام، آخر منطقة فى المنطقة لا تزال بعيدة عن متناولهم. وهى أكبر مدينة فى دارفور، بالنظر إلى مساحتها وعدد سكانها، فضلاً عن عدد النازحين الذين يعيشون فى المخيمات المحيطة بها منذ حرب عام 2003. أعلنت القوات شبه العسكرية، الأحد الماضى، سيطرتها على مخيم زمزم، أكبر مخيم للنازحين فى السودان. وبحسب عدد من المنظمات غير الحكومية، فإنه منذ 11 أبريل، يصل 20 ألف شخص يوميا إلى طويلة، وهى بلدة تقع على بعد نحو 70 كيلومترا من زمزم. ولجأ آخرون إلى مدينة الفاشر الأقرب. وبحسب المنظمات الدولية فإن المخيم أصبح خالياً تماما من سكانه.
يقول عبد الكريم يحيى، أحد النازحين من زمزم: "بعد الهجمات الأخيرة، تدهور الوضع فى زمزم بشكل كبير. وتدهورت الحالة الطبية أيضًا. أما بالنسبة للمنتجات الغذائية فقد أصبحت نادرة. كل هذا بسبب حصار زمزم والفاشر الذى لا يسمح بنقل هذه المنتجات إلى المعسكر". يتابع قائلًا: "أصبحت الحياة صعبة، لأن قوات الدعم السريع أغلقت جميع مداخل المخيم وتمنع دخول المواد الغذائية. تعرضت القرى المحيطة بزمزم، والتى يزيد عددها عن 70 قرية، للنهب والحرق على يد قوات الدعم السريع. فرّ سكانها. بعضهم جاء إلى زمزم، والبعض الآخر إلى الطويلة".
مرة أخرى تهدد قوات الدعم السريع وحلفاؤها بالاستيلاء على الفاشر، كما تزايدت دعواتهم لسكان المدينة بالبحث عن ملجأ فى أماكن أخرى. ويترافق ذلك مع تزايد عمليات القصف باستخدام المدفعية الثقيلة أو الطائرات المسيرة. وتتعالى الدعوات إلى ضمان توفير ممرات آمنة للمدنيين الذين يغادرون المدينة. والحال نفسه ينطبق على سكان مخيم زمزم وسكان أبو شوك.

مجتمع المساليت

ويتسم الصراع الذى اجتاح السودان بالعنف الشديد. فى 7 يناير 2025، اتهمت واشنطن قوات الدعم السريع بارتكاب إبادة جماعية فى دارفور. وتتكون هذه الميليشيات فى معظمها من أفراد القبائل العربية من غرب السودان، وهى ورثة الجنجويد الذين زرعوا الرعب فى دارفور منذ عام 2003 لمواجهة ظهور الجماعات المتمردة. وتتهم الولايات المتحدة هذه الأطراف بأنها "قامت، فى هذه الحرب الجديدة، بقتل الرجال والفتيان - وحتى الرضع - على أساس عرقى بشكل منهجي"، ولكنها تتهمها أيضاً بأنها "استهدفت عمداً النساء والفتيات من مجموعات عرقية معينة بالاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسى الوحشي". وتابعت وزارة الخارجية الأمريكية: "إن هذه الميليشيات نفسها استهدفت المدنيين الفارين، وقتلت الأبرياء الذين يسعون إلى الفرار من الصراع، ومنعت المدنيين المتبقين من الوصول إلى الإمدادات الحيوية ".
روضة عبد السلام، 44 عاماً، من مدينة الجنينة فى دارفور. تعيش فى مخيم جوروم بالقرب من جوبا، عاصمة جنوب السودان. لقد شهدت هذا العنف فى غرب بلادها. منذ عام 2003، تمكنت من البقاء على قيد الحياة على الرغم من التهديد المستمر من قبل الميليشيات الجنجويد. لكن عندما اندلعت الحرب فى أبريل 2023، ازداد عنف ورثتهم، قوات الدعم السريع، عشرة أضعاف، وتقول: "ما دفعنى للرحيل هو أن قوات الدعم السريع تقتل الرجال والأطفال، وتغتصب النساء. يغتصبونك أمام زوجك، ثم يضربونه ويقتلونه أمامك. وإذا كان لديك طفل ذكر، يقتلونه. حتى لو كان رضيعًا ما زلت ترضعينه، يقتلونه. أصبحت الحياة جحيمًا مع هذه الحرب. يضربونك ويمكنهم فعل ما يحلو لهم بك. أنت لست آمنًا فى أى مكان. لهذا السبب غادرت". لا تزال صور العنف تطاردها، وخاصة صور اغتيال حاكم غرب دارفور خميس عبد الله فى يونيو 2023. وكان قد أدان آنذاك الإبادة الجماعية. وأدى ذلك إلى اختطافه وقتله بالرصاص على يد قوات الدعم السريع، وتشويه جثته وسحلها فى شوارع الجنينة.
ولا تزال ذكريات هذه المجازر واستهداف المساليت تطارد مخيمات اللاجئين الواقعة فى شرق تشاد. إن قصص الفرار من دارفور مروعة. فايزة خاطر، 20 عامًا، ولدت أيضًا فى الجنينة. وصلت فى عام 2023 إلى مخيم أدرى فى تشاد. تقول "غادرنا منازلنا، وجئنا سيرًا على الأقدام. مشينا ليومين للوصول إلى أدينكون، قبل أدرى مباشرةً.. كان هناك نهب على الطريق. يُقتل الناس، حتى الأطفال. رأيتُ ذلك بأم عيني. هؤلاء هم الجنجويد الجدد. يغتصبون فى شوارع السودان. بدأوا بالإبادة العرقية. سألوا عن عرقنا. على سبيل المثال، إذا كنتَ من المساليت، تُعامل معاملة قاسية. لم يُؤذَنى أحد، لكن الكثيرين عانوا. كثيرًا ما نفكر فى الحرب، رأينا الدماء تسيل، كثيرًا ما نفكر فى ذلك".

المجاعة وانعدام الأمن

وقد أدى هذا السياق من الحرب والمجازر ضد المدنيين إلى إرباك اقتصاد البلاد وخلق حالة غذائية مثيرة للقلق بشكل خاص. وبحسب منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، فإن ما يقرب من نصف السكان يواجهون انعدام الأمن الغذائى الحاد. وتقدر المنظمة الأممية أنه سيكون من الضرورى هذا العام استيراد 2.7 مليون طن من الحبوب (القمح فى الغالب) لتغطية احتياجات الاستهلاك المحلي. وفى حين من المتوقع أن تكون المحاصيل القادمة، وخاصة الذرة الرفيعة، أفضل هذا العام، فإن قنوات التوزيع تعطلت بسبب الصراع المستمر.
وعلى أرض الواقع، فإن القتال والتدمير والسيطرة على الأراضى الصالحة للزراعة تمنع المزارعين من زراعة أراضيهم. وهذا هو الحال فى دارفور وكردفان، وخاصة فى ولاية الجزيرة، سلة الخبز فى البلاد. ولم تسلم من هذا الدمار الذى خلفته الميليشيات المستودعات والمختبرات وبنوك البذور والمعاهد الزراعية فى الخرطوم وود مدني، بحسب دراسة مفصلة أجراها مركز الأبحاث الهولندى كلينجندايل.
وأوضحت منظمة الأغذية والزراعة أن الصراع ألحق أضراراً بالغة بالبنية التحتية، وخاصة الطرق، مما أدى إلى تعطيل سلاسل التوريد. هناك عقبة أخرى: الحواجز و"القواعد" على الطرق التى تتغير باستمرار. ويقول أحد سائقى الشاحنات إن سير شاحنة محملة بالبضائع من بورتسودان إلى غرب دارفور قد يستغرق شهراً، حيث تمر عبر 25 نقطة تفتيش.

وساطات كثيرة

ويضاف إلى ذلك القيود المالية، إذ تؤدى الأزمة الاقتصادية إلى تعطيل الترتيبات المعتادة مثل تسليم المدخلات عن طريق الائتمان للمزارعين الصغار. وبينما تمكن النظام المصرفى من التعافى جزئياً، فإن نقص السيولة وانخفاض قيمة الجنيه السودانى يفرضان ضغوطاً على المنتجين وسلسلة التوريد بأكملها، التى تعانى بالفعل من التضخم.
طوال عامين، فشلت كل محاولات الوساطة. لقد اقترحت كل من جنوب السودان ومصر وكينيا والصومال وأوغندا وإريتريا وجيبوتى وتركيا، فضلاً عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد)، مبادرات أو عقدت قمم، ولكن كل هذه الوساطات لم تؤد إلى وقف الحرب.
خلال الأشهر الأولى من الحرب، عقدت قمم فى الدول الإفريقية والعربية المجاورة لإيجاد حل، ولكن لم يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار. وأسفرت هذه الاجتماعات بشكل رئيسى عن إصدار بيانات تعبر عن القلق إزاء تدهور الوضع الإنسانى ودعوات إلى وضع حد للتدخل. لكنهم لم يتمكنوا من التوصل إلى حل.

مرونة السكان

والأمل فى الوقت الحالى لا يوجد إلا فى قدرة بعض السودانيين على الصمود والطاقة، كما هو الحال فى مخيم جوروم للاجئين. الآن تعمل روضة عبد السلام فى المطعم الصغير الذى افتتحته. عند مدخل الهيكل الخشبى المصنوع من الخيزران، والمغطى بالحديد المموج، وتخدم روضة موظفى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين واللاجئين على حد سواء. بعد أن فقدت كل شيء فى حرب السودان، بدأت هذا العمل بالأساس لكسب قوت يومها وتقول "عندما وصلنا إلى جوروم، كنا نفتقر إلى كل شيء. بدأت ببيع الشاى لشراء الطعام لعائلتي. ثم تمكنت من شراء خمسة كراسي. واصلت العمل، وشيئًا فشيئًا، تمكنت من افتتاح هذا المطعم. نطهو اللحوم وأنواعًا مختلفة من اللحوم فى الصلصة، والباذنجان والفاصوليا والكرشة والبامية.. الحمد لله، الآن أصبح هذا العمل مناسبًا لي. وإذا كان أحدهم جائعًا وليس لديه مال، أخدمه، لأننى لا أفعل هذا من أجل الربح، ما أريده هو مساعدة الناس".
تواصل رضوة أيضًا دعم عائلتها التى بقيت فى السودان: "لديّ عائلة باقية فى البلاد، والقليل الذى أكسبه أرسله لهم. أفضل البقاء هنا لأن الوضع فى السودان ليس جيدًا. ولا أعرف متى ستنتهى هذه الحرب".
ورغم الانتصارات الأخيرة التى حققها الجيش السوداني، وخاصة فى الخرطوم، لا تزال رضوة تتخوف من خطورة قوات الدعم السريع فى دارفور. لذلك فهى متمسكة بالحياة الجديدة التى بنتها لنفسها، هنا فى جوروم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.