لن يكون القيادي الإخواني محمد طوسون، الذي يشغل منصب رئيس اللجنة التشريعية في مجلس الشورى، آخر من تتخلص منه الجماعة وتنفيه بعيدًا عن صفوفها، ولن يكون الرجل الذي يشرع ويسن القوانين في مصر الآن، إلى جانب منصب أمين عام نقابة المحامين ومناصب أخرى داخل الجماعة وخارجها، لا أول ولا آخر من يحل عليه غضب كهنة معبد الإخوان في المقطم، فقد سبقه الكثيرون، مثل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، أحد كبار قادة الجماعة منذ السبعينيات، والدكتور محمد حبيب، نائب مرشد الجماعة، والدكتور السيد عبد الستار المليجي عضو مجلس شورى الإخوان، ليس هذا فقط، بل إن هناك محامين كبارًا كانوا يشغلون مواقع مؤثرة وفاعلة داخل جماعة الإخوان خرجوا من صفوف الجماعة؛ لمجرد أن اختلفوا في الرأي مع كهنة المعبد الإخواني، ومن أشهر هؤلاء المحامي ثروت الخرباوي، والقطب الإخواني الشهير مختار نوح، الذي يرجع إليه الفضل في فتح أبواب النقابات المهنية أمام الإخوان في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، والذي أسس لجنة الشريعة الإسلامية لتكون ذراعًا للإخوان في أكبر وأعرق نقابة مهنية في الشرق الأوسط، وهي النقابة العامة للمحامين. ومن سخرية القدر أن مختار نوح تمت الإطاحة به من جماعة الإخوان، ومن على عرش نقابة المحامين، بعد أن استخدم الإخوان محمد طوسون –تلميذ نوح– في تلك الخطوة، حيث أسندت الجماعة ملف المحامين في مكتب الإرشاد، إلى جانب منصب أمين عام نقابة المحامين، إلى طوسون بدلًا من نوح الذي حل عليه الغضب المقدس من كهنة المعبد الإخواني، حيث دارت الدائرة ليشرب طوسون من نفس الكأس التي شرب منها نوح. وبدأت الأزمة بين طوسون وقادة جماعة الإخوان في الأسابيع الأخيرة، بعد أن تجرأ طوسون وعارض في العلن مشروع قانون السلطة القضائية الذي تخطط الجماعة لتمريره، ولم تمر سوى أيام، بل ساعات، حتى قام الإخواني السابق عصام سلطان، نائب رئيس حزب الوسط -الذي يلعب أدوارًا كبيرة في الوقت الحالي لصالح الإخوان، كان آخرها قيامه بتقديم مشروع قانون السلطة القضائية لمجلس الشورى– بكشف المستور، وأعلن عن أن محمد طوسون استغل نفوذه وموقعه داخل جماعة الإخوان المسلمين لتعيين ابنه في جهاز القضاء، ثم توالت حلقات الغضب الإخواني العارم ضد طوسون، إلى درجة أن مكتب الإرشاد فرض عليه الإقامة الجبرية في منزله الكائن في الجبل المبارك –المقطم- وأن يلتزم الصمت حتى يتم حسم أمره؛ وهو ما جعل طوسون يبتعد عن ممارسة مهامه كرئيس للجنة التشريعية في مجلس الشورى، كما لم يعد طوسون يمارس دوره في نقابة المحامين التي ما زال يشغل منصب الأمين العام بها. ونشير هنا إلى أن أهم أسباب غضب كهنة المقطم على “,”العبد الضعيف“,” طوسون هو أنهم اكتشفوا أن معارضته لقانون السلطة القضائية -الذي طبخه “,”ترزية“,” القوانين لحساب الجماعة للانتقام من جهاز القضاء الذي يعتبرونه حجر عثرة أمام مشروعهم للتمكين- يرجع إلى صداقته الحميمة للمستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة والمستشار عبد المجيد محمود النائب العام الذي عزله الرئيس مرسي، حيث أكدت المعلومات التي وفرها جهاز الاستخبارات الإخواني الذي يشرف عليه المهندس خيرت الشاطر أن المستشار أحمد الزند والمستشار عبد المجيد محمود توسطا لتعيين علي ابن محمد طوسون في النيابة عام 2009 أثناء حكم الرئيس السابق حسني مبارك الذي كان يشن حملات اعتقال ومطاردة للجماعة في هذه الفترة، ليس هذا فقط، بل إن الجماعة تأكدت من وجود صداقة حميمة وتنسيق في المواقف بين محمد طوسون وخصمهم وعدوهم اللدود سامح عاشور نقيب المحامين، وأحد زعماء جبهة الإنقاذ المعارضة التي تقول الجماعة إنها تسعى للإطاحة بنظام الحكم الإخواني والرئيس محمد مرسي. ومن المهم أيضًا أن نشير إلى أن جماعة الإخوان إذا غضبت على أي عنصر بها –مهما كان منصبه التنظيمي– فإنها لا تتراجع عن نفيه وإخراجه من صفوفها، خاصة أن كهنة المعبد في مكتب الإرشاد ما زالوا أسرى الفكر الأمني الذي يقوم بالتخلص من أي عضو يُشك في ولائه وإخلاصه للكهنة الجالسين على عرش هذا الكيان الأخطبوطي في المقطم، وهو الأمر الذي يجعل طوسون ينتظر حسم مصيره وصدور حكم الإعدام تنظيميًّا وإبعاده عن صفوف الجماعة إلى الأبد، مثله مثل غيره من السابقين، أمثال مختار نوح الذي كان طوسون أحد المشاركين في إعدامه وذبحه ونفيه خارج جنة الإخوان. ولا يفوتنا أن نقوم بالتعريف برحلة صعود طوسون داخل تنظيم الإخوان منذ أن كان ضابطًا بوزارة الداخلية، حيث ينتمي لعائلة كبيرة في محافظة المنيا، ومعظم كبار عائلته كانوا من قادة الحزب الوطني، تخرج في كلية الشرطة سنة 1970، وبعد تخرجه كضابط شرطة، بدأت الحركة الإسلامية في الظهور بقوة، حيث بدأ التعرف على أفكارها من خلال علاقته بابن خالته عصام دربالة، أحد قيادات الجناح العسكري في الجماعة الإسلامية والذي تم اتهامه في قضية اغتيال السادات، ترقى محمد طوسون في عمله حتى وصل لمنصب رئيس مباحث أبو قرقاص وقت اغتيال السادات، وعندما بدأت قوات الأمن في هذه الفترة تطارد أعضاء الحركة الإسلامية والعناصر الهاربة، لاحظ أحد ضباط جهاز مباحث أمن الدولة، تقاعس الرائد محمد طوسون وقتها في القبض على عناصر الجماعات الإسلامية وتتبعها عندما كانت تصدر له قرارات لاعتقال العناصر الهاربة أو القبض عليها، لم يقف الأمر عند هذا، بل قام طوسون بمساعدة هذه العناصر عن طريق تدوين عبارة “,”لم يتم التوصل إليه وجارٍ البحث“,” في دفتر الأحوال، وتمكنت مباحث أمن الدولة من رصد بعض اتصالاته بهذه العناصر بالفعل تمهيدًا لتقديمه لمحاكمة عسكرية، وتم حبسه إلى أن تتم محاكمته عسكريًّا. يقول المحامي مجدي عبد الحليم، منسق حركة “,”محامين بلا حدود“,”، أن والد طوسون توجه لنقابة القاهرة الفرعية للمحامين، الكائنة في مبنى القضاء العالي، وتقابل مع حافظ الخاتم المحامي وعضو مجلس نقابة القاهرة الفرعية في ذلك الوقت والذي اصطحبه إلى مكتبه بوسط البلد، وتم الاتفاق بين والد طوسون وحافظ الخاتم على تولي الدفاع عن محمد طوسون مقابل أتعاب 500 جنيه، سدد منها مبلغ 200 جنيه، أما باقي المبلغ فقد سدده طوال مدة الحبس الاحتياطي التي امتدت إلى عام، وخرج محمد طوسون من محبسه بعد صدور قرار بفصله من الخدمة، وأحيل إلى المعاش، عمل بعد ذلك مع شقيقه في تجارة السيارات في أحد المعارض التي يمتلكها في المنيا، وأتاح له عمله الجديد الوقت للاطلاع على المناهج الفكرية الإسلامية المختلفة، ومنها فكر الإخوان المسلمين، وبدأ يبحث عن قيادات الجماعة في المنيا ويحاول التقرب منهم ودخل في نقاش معهم انتهى باقتناعه بفكرهم، ونصحه بعض المقربين بالانضمام إلى نقابة المحامين للحفاظ على مكانته الاجتماعية، ودفعته قيادات من جماعة الإخوان للاستفادة منه فيما بعد وكان في ذلك الوقت يحمل رتبة “,”مؤيد قوي“,” داخل التنظيم، تقدم طوسون لقيد أوراقه في نقابة المحامين عام 1986 وحمل معه خطاب توصية من القيادي الإخواني في هذا الوقت المهندس أبو العلا ماضي وقيادات الإخوان لمختار نوح الذي كان مسئولًا عن لجنة القيد في النقابة، في ذلك الوقت، وبالفعل تم تقييد طوسون في نقابة المحامين ولكنه لم يعمل حقيقة بالمحاماة، واتضح هدف قيادات الإخوان من دفعه للانضمام إلى نقابة المحامين، وهو الاستفادة من شعبية عائلته في محافظة المنيا لخوض انتخابات مجلس الشعب عام 1987، وتقدم طوسون لخوض الانتخابات بعد أن استأذن عائلته وعمه الذي شغل منصب نائب الدائرة لعدة فترات، وبالفعل تقدم لانتخابات مجلس الشعب كممثل لعائلته وكرجل جديد للإخوان ونجح في دخول البرلمان وتوطدت العلاقة بينه وبين قيادات جماعة الإخوان في مجلس الشعب وتعرف على المستشار مأمون الهضيبي، وبالرغم من ذلك ظل برتبة “,”مؤيد قوي“,”، كما تعرف أيضًا داخل البرلمان على مختار نوح المسئول عن ملف الإخوان في نقابة المحامين وزميله الإخواني في مجلس الشعب، ثم صدر حكم من المحكمة الدستورية العليا بحل المجلس في عام 90، وبعدها تصادف وفاة “,”عفت عبد السلام“,” أحد رجال النقيب أحمد الخواجة ونقيب استئناف بني سويف. ويشير المحامي مجدي عبد الحليم إلى أنه لم يكن في الدائرة اسم قوي يصلح لخوض الانتخابات عن الإخوان سوى محمد طوسون، الذي اختاره مختار نوح لهذه المهمة لكسب أرض جديدة في نقابة المحامين، وللمرة الثانية يبرهن طوسون على شعبية عائلته، ويتمكن من الفوز في الانتخابات عن دائرة استئناف بني سويف، والتي كانت تضم المنيا والفيوم، ثم صدر قرار بحل مجلس النقابة في عام 92 وفرض الحراسة عليها والقبض على مختار نوح وخالد بدوي وإبراهيم الرشيدي، وكان الثلاثة من قيادات الإخوان المسئولين عن إدارة ملف الإخوان المسلمين داخل النقابة، واجتمعت قيادة الإخوان المسلمين واقترحوا أن تكون قيادة الإخوان داخل النقابة لأكبر الأعضاء سنًّا، وتم اختيار محمد طوسون. في عام 2001 كان طوسون هو المسئول عن ملف الإخوان وكانت جماعة الإخوان تساند رجائي عطية في انتخابات النقيب، ولكن تمكن القيادي الناصري سامح عاشور من الفوز عليه بفارق 1200 صوت، مع عضو واحد على قائمته هو سعيد عبد الخالق، وتمكن الإخوان من الفوز ب22 مقعدًا، وكان طوسون أمين الصندوق، وبدأ سامح عاشور يقود معركة لضم أعضاء الإخوان في المجلس، وبالفعل نجح في عمل توازن بالمجلس. وفي انتخابات 2005 نجح عاشور في فرض سيطرته والفوز على رجائي عطية بفارق 16 ألف صوت، ونجح الإخوان بنفس عدد المقاعد وتولى طوسون منصب الوكيل، ودخل طوسون معارك مع عاشور وقام بتقديم أكثر من بلاغ ضده للنيابة عن بعض المخالفات التي جاءت في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، إلا أن طوسون قام بتوطيد علاقته مع عاشور بالمخالفة لموقف الإخوان، وهو ما أحدث انقسامًا داخليًّا داخل أعضاء مجلس النقابة من الإخوان.