يختفي أحيانا دون أن يفتقده أحد، ويعود أيضا دون أن يشعر بعودته أحد، هاني شاكر، الملقب ب "أمير الغناء العربي"، أو الطرب العربي، أطلق مؤخراً ألبومه الخليجي الأول "أغلى بشر" - بعد غياب أربعة أعوام عن الساحة الفنية وعن جمهوره المصري الذي طال انتظاره لطلة أمير الغناء، بحسب كلامه هو - واثار إطلاق شاكر لألبومه الخليجي حالة من الاستغراب لدى من تبقّوا من جمهوره، وسط اتهامات بمغازلة الجمهور الخليجي والبحث عن فرصة للتواجد الفني بعيدا عن "حاله الواقف" في مصر، وهو في الحقيقة حق مشروع ل "شاكر"، لا يعيبه في شيء، ولا يعنينا في شيء، ولكن يبقى السؤال: ماذا فعل هاني شاكر طوال تاريخه لكي يطلق عليه لقب أمير الغناء العربي؟!. ما يزيد على خمسة وثلاثين عاماً مرّت على بداية عمره الفني، وما زالت هناك بقايا للصورة الذهنية المتكوّنة عنه بأنه أمير الغناء العربي، والممثل لآخر ما تبقّى من جيل العمالقة، والمتعفف عن الغناء في ظل تردي مستوى الأغنية العربية الأصيلة، ولكن ماذا أضاف هو إلى الأغنية العربية عموماً لكي ينتقد حالها أو يبتعد عن الغناء بسبب تردي أحوالها؟!. أكثر من 500 أغنية قدمها شاكر طوال تاريخه، لا نتذكر منها سوى القليل جداً، وأغلبها يدور في فلك واحد في الألحان والتوزيع والكلمات والأداء، حتى في ألبومه الخليجي الأخير - رغم ركاكة لهجته الخليجية والتي ظهرت في بعض الأغاني وكأنه يسخر من تلك اللهجة، وبدت بعض الأغاني وكانها "كوميدية" من شدة انغماسه في أجواء الحزن والحيرة والفراق ولكن بشكل خليجي - وكأنه لايدري أن "جو زمان" لم يعد صالحاً في تلك الأيام، وأن استمراره بذلك الشكل "ونحت" نفسه واصطناع التأثر والإحساس المرهف في أغانيه أصبحوا شيئاً مثيراً للضحك أكثر منه للشجن. بدأ شاكر حياته الفنية بارتداء عباءة عبد الحليم حافظ، وظل محافظاً على ألا يخرج عنها، ولكنه لم يحاول أن يتعلم منه شيئاً سوى الحديث برقة وبحس مرهف، بدأ مسيرته بالدعوة إلى البهجة والضحك بأغنية "علّي الضحكاية علّي"، إلى الدعوة إلى الاكتئاب ب "علمني أسباب الفرح"، وتوسطها بالنحيب والندب على فراق أحبابه في روائع: عيد ميلاد جرحي أنا، حبيبي يا غالي، ويا ريتني، إلى أن نهاها برثاء محبوبته الخليجية في "أغلى بشر"، وطوال هذه المسيرة كنا ننتظر من شاكر أن يقدم ألواناً غنائية مختلفة وجديدة ومتنوعة لكي يثبت عن جدارة بأنه أمير الغناء العربي، ولكن يبدو أن من سلّمه تلك الإمارة قد سلمها له بطريق الخطأ. يملك هاني شاكر صوتاً قوياً وعذباً بالفعل، يؤهله لأن يعيد أداء أغاني "الزمن الجميل" - على حد وصفه - في حفلات دار الأوبرا على سبيل المثال، أو أن يكرس وقته في إعادة غناء أعمال قدوته عبد الحليم حافظ فقط، كما فعلها في بداية مسيرته، بعد أن أثبت فشله في إضافة أي جديد يذكر له في عالم الغناء، سواء المصري أو الخليجي، لأنه لا يعلم أن النجاح يقاس بالحصيلة والنتائج وليس بالحسرة على أيام زمان و"فن زمان" الجميل. لم يعط هاني شاكر إلى أن خرج على المعاش أيّة "أمارة" على استحقاقه للإمارة، أو على امتلاكه رؤية فنية أو عقلية موسيقية تضمن له الاستمرار والبقاء، ولا يملك أيضا "كاريزما" مميزة تضمن له جمهوراً خاصاً به، ولم يعط "أمارة" أيضاً على اشتياق الجمهور له – بحسب ادعائه المتكرر - وألبوماته لا تحقق مبيعات، وحفلاته خالية من الجمهور، وأغانيه على "يوتيوب" لا تتعدّى نسب استماعها ال 50 ألفاً، وسجلّه الموسيقي مليء بمئات الأغاني المتشابهة والنمطية في كل شيء، حتى في اختيار ملابسه. كرس هاني شاكر وقته ومجهوده طوال تاريخه للحسرة على أيام زمان، وتذكر المواقف التي جمعته بصديقه عبد الحليم حافظ، والادعاء بأن الساحة الفنية قد أصبحت غير مشجّعة على عودته إلى الغناء، وأن سوق الحفلات في مصر واقف، متكبراً ومتعامياً عن الحقيقة التي يحاول تجاهلها، وهي أن الساحة لم تعد تهتم بوجوده، ولو كانت له قاعدة جماهيرية عريضه لما توقف حاله في الحفلات، ولا استدعاه الأمر أن يغني بالخليجية بالرغم من أنه قضى عمره أميراً للغناء العربي عموما، وتذكر في نهاية مسيرته أنه مقصر تجاه الجمهور الخليجي. في النهاية على الفنان الكبير "عمراً" أن يفوق من الوهم، وأن يعلم أنه لا يوجد شيء اسمه "إمارة الغناء العربي"، ولا يوجد أيضاً مقياس لجمال زمن أي فن، وأن يكف أيضا عن التلويح بالاعتزال والعودة مجدّداً، لأنه لن يهتم أحد الآن باعتزاله، فوجوده على الساحة - أو غيابه عنها - أصبح شيئاً غير مثير للاهتمام أو الحزن أكثر منه إثارة للشفقة والحسرة على ذلك الصوت القوي والعمر الطويل الذي ضاع في وهم إمارة الأحزان.