أكد علماء من الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف - في خطب الجمعة اليوم في المساجد الكبرى في محافظتي القاهرة والجيزة - أن العمليات الانتحارية والتفجيرية لا علاقة لها بالشهادة، وبيّن العلماء أن بلوغَ الأهداف الكبرى ونَيلَ الغاياتِ العظمى في هذه الحياة يستلزم تضحياتٍ جِسامًا مكافِئةً لها، ولا ريب أن سُمُوَّ الأهدافِ وشرفَ المقاصد ونُبلَ الغايات يقتضي سُمُوَّ التضحيات وشرَفها ورقيَّ منازلها، ويأتي في الذروة منها التضحيةُ بالنفس وبذلُ الروح - التي هي أعز ما يُملَكُ - رخيصةً في سبيل الله نصرةً لدينه، ورغبة في عزة البلاد وكرامة العباد. وقال الدكتور محمد أبو زيد الأمير - في خطبة الجمعة من مسجد النور بالعباسية - إنَّ الشهيد أرفعُ الناس درجةً بعد الأنبياء والصديقين، فالشهادة اصطفاءٌ من الله واجتباء، وهي مِنحةٌ يمنحها الله لأحب خلقه إليه بعد الأنبياء والصديقين، وكيف لا وقد استعلى الشهيد على محبوباته، وتغلب على شهواته، وانتصر على رغباته، واسترخص الحياة في نَيل شرف الشهادة في سبيل الله؟!، موضِّحاً أننا إذ نُحْيي يومَ الشهيد إنما نعني شهيد الدارين: الدنيا والآخرة، ونُذكِّر أنفسنا والجميع بهؤلاء الذين ارتَقَوا بأرواحِهم إلى الله عزوجل وفازُوا برِضوانه، ونستنهض هِمَمًَا تثاقلت إلى الأرض ورضيت بالحياة الدنيا من الآخرة، قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ". وقال الدكتور محيي الدين عفيفي، عميد كلية العلوم الإسلامية - في خطبة الجمعة من مسجد عمرو بن العاص - إن الخوف من ألم القتل، وحبَّ الحياة، والخشيةَ من الموت، هي أكثرُ ما يُقعد الناسَ عن خَوض غمار المعارك فداءً للدين وللوطن، ومن أجل ذلك أكرم الله الشهيد بأعظم الكرامات، ومنها أن صفقته مع الله مضمونةُ الربح بمجرد الوفاءِ منه ببذلِ النفس، والثمن المبذول من الله هو الجنة، وثانيًا ما أخبر الله سبحانه وتعالى به من أن الشهداءَ أحياءٌ وليسوا أمواتًا، نعم إنهم أحياء وليسوا أمواتًا، إنهم يُرزَقون ورزقُهم من الله الذي جعل أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديلُ معلقةٌ بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل، ومن ثَمَّ فهم فرِحُون بما أَعطاهم الله، حيث جنَّة الخلد التي فيها ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ ولا خطَر على قلب بشَر، ويستَبشِرون بإخوانهم القادِمين عليهم، وذلك لحبِّهم إنزالَهم هذه المنزلة التي أنزَلَهم الله إياها، فلا حُزن ولا غم ولا هم، بل استِبشارٌ وفضلٌ ونعيم، والله إنها لَلْحياة بحق، وإنه لَلْرزق بحق، وثالثًا تخفيف الله للألم الذي يجده الشهيد عند القتل إلى الحد الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما يجد الشهيد من مَسِّ القتل إلا كما يجدُ أحدكم من مَسِّ القَرْصة"، فلِمَ الخوفُ إذن؟!، ورابعًاً ضمان الله للشهيد إحدى الحسنيين: النصر والغنيمة، أو الشهادة والجنة، وخامسًا تميُّزهم يوم يقوم الناس لرب العالمين بهيئة خاصة، وبريح طيبة تنبعث من أجسادهم تتطاول لها الأعناق، وتنحني لها الهامات إجلالا واحتراما، وسادسًاً النجاة من فتنة القبر، أي من سؤال الملكين. وقال الدكتور محمد سالم أبو عاصي، أستاذ التفسير في جامعة الأزهر - في خطبة الجمعة من مسجد عمر بن عبد العزيز بالاتحادية بمصر الجديدة - إن الله يشرِّف الشهداءَ يوم الحساب بأن يكونوا أولَ من يُقضى بينهم مع النبيين، وقد أكرمهم الله بمِنَحٍ عظيمة، وبشفاعة مخصوصة له في أهل بيته؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم مبشرًا الشهيد: "للشهيد عند الله ستُّ خصال يغفر له في أول دُفعة - أي في أول دَفقة دم - ويرى مقعده من الجنة، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار - الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها - ويُزوَّج اثنتين وسبعين زوجة من حور العين، ويُشفَّع في سبعين من أقاربه". وقال الدكتور محمد عبد العاطي، رئيس قسم الدراسات الإسلامية في كلية التربية بجامعة الأزهر - في خطبة الجمعة من مسجد الصديق بمنطقة شيراتون - إن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتمنى أن لا يتخلف عن سرية تغزو في سبيل الله، وما منعه من الخروج في كل سرية إلا خشية أن يشق على أصحابه، وكان صلى الله عليه وسلم يتمنى أن يُقتل شهيداً في سبيل الله مرات متعددة، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسُهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أني أُقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أُقتل ثم أحيا ثم أُقتل ثم أحيا ثم أُقتل". وأوضح الدكتور سعيد عامر، الأمين العام للجنة العليا للدعوة الإسلامية - من مسجد أسد بن الفرات في حي الدقي - معنى الشهيد كما بيَّن النبي الكريم، وهو أن الشهيد هو من اعتنق الحق وأخلص له وضحّى في سبيله، وبذل دمه ليروي شجرة الحق به، وفي شأنه قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من قاتل لتكون كلمةُ الله هي العليا فهو في سبيل الله"، وهو الذي يأبى الدَّنِيَّة ويرفضُ المذلة والهوان، ويقاوم من يحاول أن يستولي على ماله أو متاعه، وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله أرأيتَ إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟، قال: فلا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟!، قال: قاتلْه، قال: أرأيت إن قتلني؟!، قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلتُه؟!، قال: هو في النار"، وهو الذي يزود عن أرضه وعِرضه ووطنه، فليس الوطن والعِرض أقلَّ خطراً ومكانة عند المسلم من نفسه ودينه وماله ومتاعه، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد". وفي مسجد الاستقامة، قال الشيخ صلاح نصار، إنه ما طمِع فينا طامعٌ ولا تجرَّأ علينا متجرّئ ولا تطاول علينا متطاول، إلا لأننا تشبّثنا بالدنيا الفانية وخلدنا إلى الهوى الذي يُعمي ويصمّ، وتقاتلنا على الحطام الفاني وتنافسنا فيما لا وزن له عند الله، وآثرنا الفانية على الباقية، وقد حذرنا نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم - من ذلكم حين قال: "يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أمن قلة نحن يومئذ؟!، قال: لا.. بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهْن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهْن؟!، قال: حب الدنيا وكراهية الموت"، فلنكن أوفياء لدماء من سبقنا على درب الشهادة، ولنضع نصب أعيننا دائما قول الحق سبحانه: "قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ". وشدد الدكتور حسن خليل، الباحث الشرعي في مشيخة الأزهر، على أن قتل الأبرياء - غدرًا وخيانة - حتى ولو كانوا مخالفين في الدين أو العقيدة، أمرٌ لا يقرّه دين ولا عقل سليم ولا إنسانية سوية، وأن الإسلام يرفض كل مظاهر الفساد والإفساد والتخريب والتدمير، ونؤكد أن العمليات الانتحارية والتفجيرية الإرهابية محض إفساد لا علاقة له بالشهادة في سبيل الله من قريب أو بعيد، وأن المفجر لنفسه منتحر يعجّل بنفسه إلى نار جهنم، وأن مصر هي الدرع الحصين للعروبة والقلب النابض للإسلام، وأن الذود عن حماها واجب شرعي ووطني، وأن محاولة النيل منها هي محاولة لضرب الأمة الإسلامية كلها في قلبها النابض لصالح عدوها الصهيوني وكل من يعنيه إضعاف أمتنا للاستيلاء على خيراتها ومقدراتها، فلنقف صفّاً واحداً في سبيل الذود عن ديننا ووطننا ابتغاء مرضاة الله تعالى، ووفاء لحق هذا الوطن الذي منحنا الكثير، وقد آن أوان رد الجميل.