يحرص أهالي النوبة بمحافظة أسوان، على إحياء العادات والتقاليد النوبية القديمة المتوارثة عن الأجداد، فالنوبة لديها من الطقوس الخاصة ما يميزها عن غيرها من المجتمعات الأخري، من هذه الطقوس الإفطار الجماعي في شهر رمضان المبارك، حيث تقوم القري النوبية بإحياء هذه العادة في أجواء تسودها المحبة والمودة ولتعزيز أواصر الترابط فيما بينهما. "البوابة نيوز" تلقي الضوء على هذا الطقس النوبي الأصيل، بقري أبوسمبل بنصر النوبة، ووادي كركر جنوب محافظة أسوان. قال حسن ريه، من أهالي النوبة ومن قيادات قرية أبو سمبل بنصر النوبة عند حلول شهر رمضان الكريم وعلي أعتاب هذا الشهر المبارك يتفرغ أهل النوبة استعدادا لقدوم نفحاته مشيرا إلى أن قبل الشهر الكريم تقوم "كنداكات النوبة- السيدات" بخبز "الأبريه" وهو المشروب الأساسي على مائدة رمضان، وعند حلول الشهر الكريم تتزين الشوارع والحارات والأزقة بزينة رمضان، ويتعاهد الرجال بالتفرغ قبل موعد الإفطار بوقت كاف للعبادة وتلاوة القرآن الكريم، حتى إذا صدح المؤذن لصلاة المغرب يستبشرون ويبتهلون فرحة فتظهر بواكير فرحة الصائم. وأضاف حسن ريه: يجتمع الرجال أمام منازلهم المترفة بالأصالة والشموخ وكذا "الكنداكات" يجتمعن في مكان مواز أمام منزل إحداهن للإفطار الجماعي، لافتا إلى أنه يتم تنظيم الإفطار بين القري بنصر النوبة يوميا، والذي يحتوي على الأكلات النوبية الأصيلة، مثل "الإتر" و"الكابد" وهو خبز تعده السيدة النوبية على الدوكة، بالإضافة إلى المقبلات النوبية وبعض الأطباق الأخري التي تشتهر بها النوبة مثل "الجاكود"، لافتا إلى أن كل الأسر النوبية صغيرها وكبيرها يخرجون لمائدة الإفطار الجماعي، في شكل راق ينم على التعاون والمحبة والأصالة، ويتشاركون في وجبات الإفطار المتراصه جنبا إلى جنبا والتي تم تجهيزها في كل منزل على حدة. "ميسينج اينجاننا " كلمات بدأ بها الشاعر النوبي عبودي الحاج، من قرية أبو سمبل، حديثه ل"البوابة نيوز" وتعني رمضان كريم، مستطردا حديثه أن أهالي النوبة قبل الإفطار الجماعي يفترشون "البوروش النوبي للجلوس عليه وهو الحصير المزين والملون بألوان زاهية "تفتي"، وهي الألوان التي يتم تلوين سعف النخيل بها قبل عمل الحصير، مشيرا إلى أنه بعد أن يفرغ أهالي النوبة من الإفطار الجماعي يقومون بأداء صلاة العشاء والتراويح، ثم يتجاذبون أطراف الحديث فيما بينهم، والذي يدور حول ما كان يحدث في رمضان على ضفاف النيل اشتياقا منهم وإحياء لإرث الأجداد. وأضاف عبودي، بعد الإفطار وصلاة التراويح تعقد جلسات سمر بسيطة حتى السحور، حيث يتناولون فيها الأغاني والأناشيد القديمة مثل الرسائل المغناة والتي أطلقتها "كنداكة" النوبة "شلويه" والتي كانت ترسلها لزوجها والذي ذهب للعمل في القاهرة عام 1880 تناجيه وتطلب منه العودة مرة أخري، واصفة له خروجها وحيدة إلى مائدة الإفطار دون زوجها. وقال أحمد عبد الحميد، مدير المدرسة الثانوية بوادي كركر، جنوب محافظة أسوان: إن من عادات النوبة القديمة أن كل قرية نوبية تفترش أمام ميدان القرية أو الجمعية العمومية العامة للإفطار الجماعي، الذي يتم تنظيمه يوميا، ولكن نظرا لظروف انتشار فيروس كورونا، تم منع الموائد الرمضانية وعملت القري النوبية بوادي كركر على تنظيم الإفطار الجماعي، حيث تقوم كل قرية بتجهيز الافطار تباعا كل أسبوع مع اتخاذ الإجراءات الوقائية لمنع انتشار فيروس كورونا. وأضاف، كل منزل في القرية يقوم بتجهيز صنية الإفطار الغنية بالأكلات النوبية والمشروبات والعصائر ويفترشون ميدان القرية، لافتا إلى أن حتى المارة يكون لهم نصيب من هذا الإفطار، مشيرا إلى أن عادة الإفطار الجماعي بقري النوبة توارثناها جيلا عن جيل وتولد بين أبناء النوبة نوعا من الإخوة والمحبة والتكاتف وتكون أعمق في المعني. ويقول علاء بحر، من أهالي النوبة بوادي كركر، إن كل قرية نوبية تعمل على الحفاظ على طقس الإفطار الجماعي كإحياء للعادات المتوارثة لأجدادنا، مشيرا إلى أن كل قرية تنظم الإفطار الجماعي إسبوعيا، ونقوم بدعوة القري الباقية، حيث يتم خلال الإفطار التصالح بين المتشاحنين ومناقشة المشكلات التي تواجه البعض، فيكون إفطار جماعيا من ناحية ومن ناحية أخري الحفاظ على صلة الود فيما بيننا، بالإضافة إلى الالتزام بالتباعد الاجتماعي واتخاذ الإجراءات الوقائية.