طائر محلق هو الفنان، لا وطن يقيده بحدود جغرافية، ولا قيود المجتمعات تعرقل مسيرته، فكل الإبداعات التي يقدمها تكون له وطنا جديدا، يكتشفه من روحه، يصنعه بوجدانه وفكره، يحلق بحثا عن الجماليات والتفاعلات التي قد تغيب عن رؤية الناظر العابر لتحولات المجتمع وتقلباته. الفنان عصمت داوستاشي من مواليد 14 مارس 1943 بحي الأنفوشي بالإسكندرية، وعاش ينهل من تاريخ الإسكندرية العريق، الذي كان له الأثر البالغ في تكوين شخصيته الفنية المتفردة. أقام داوستاشي أول معرض له عام 1962، قبل أن يدرس فن النحت بكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية. عمل دواستاشي 4 سنوات في ليبيا حتى 1972 في الإخراج والرسم الصحفي، وأقام أحد معارضه في بنغازي، ثم عمل في التليفزيون المصري مخرجا مساعدا في البرامج الثقافية، ثم عمل من نوفمبر 73 بوزارة الثقافة مشرفا على المعارض بالمراقبة العامة للفنون الجميلة بالإسكندرية بمتحف محمود سعيد. تطيح لوحات دواستاشي بالقوالب والأنماط، بحثا عن خصوصيته الذاتية وهويته المتراوحة بين الملحمة الشعبية والسيرة القديمة، وما وراء الغيب الذي يشكل المعرفة اليقينية. وقد حصل داوستاشي على العديد من الجوائز من بينها: جائزة بيكاسو، وجائزة ميرو من المركز الثقافي الإسباني، وجائزة راديو فرنسا الدولي بباريس عن تصميم إعلان "أفريقيا 1988"، وفي معرضه الأخير الذي أقيم مساء أمس السبت بجاليري آرت كورنر التقينا بالفنان "داوستاشي"... "البوابة نيوز" حاورت الفنان التشيكلي حول عالمه الفني ومعرضه الأخير، وإسهامات الفن في الثورة، وإلي نص الحوار. تتسم أعمالك بهذا المعرض بالجرأة.. ما دلالة ذلك؟ الأعمال والإبداعات التشكيلية التي تتسم بالتجديد بالضرورة أن تتسم بالجرأة، وبالنسبة لأعمالي لكونها انعكاسات للواقع المعاش بشكل نقدي، فأنا أترجمها بموتيفات تتسم بالجرأة والحدة مثل مجموعة السهم. هل ثمة تشابه بين حالة التعري التي تتسم بها غالبية اللوحات وبين التحولات التي نعيشها؟ يناقش المعرض الأحداث التي نمر بها اليوم في مصر، والتي هي شغلي الشاغل والتي أترجمها بجماليات تشكيلية من خلال أسلوبي المعروف، وهذه التحولات اجتماعية وسياسية وثورية في المقام الأول. ما هو واقع الفن التشكيلي بعد ثورة يناير؟ يلعب الفن التشكيلي بعد ثورة يناير دورًا إيجابيًا خاصة في رسوم الجرافيتي التي يرسمها شباب الفنانين على الجدران والتي كان لها دور في تعميق الحس الثوري عند عامة الناس. متى تتحرر الفنون التشكيلية من أسر النخبة؟ منذ الأزل كان هناك نوعان من الفن، الفن الرسمي وهو يمثل الدولة والدين، والفن الشعبي وهو يخص عامة الناس ويبدو أن هذا النمط رغم التطور الإنساني مازال قائمًا، فأصبحت الفنون الجميلة تخص النخبة، ومازال للشعب فنونه الخاصة التي يتجاوب معها لكن الملاحظ الآن في مصر أن فن النخبة والشعب قد حدث لذوقهما هبوط وانحطاط. متي يتم القضاء على محو الأمية البصرية؟ عندما يتم القضاء أولا على محو أمية القراءة والكتابة، والشيء العجيب أنه حتى المثقفون في مصر لديهم أمية بصرية ولا يهتمون بمعارض الفن التشكيلي. وعامة الناس تري الفنون التشكيلية ضربًا من الجنون ومضيعة للوقت، رغم أن الفن جزء لا يتجزأ من الحراك الاجتماعي والثراء الشعبي. كيف ترى دور وزارة الثقافة في دعم الفن التشكيلي؟ الثقافة يجب أن تكون لها دور إيجابي فعلي في دعم الفنانين وإبداعاتهم من خلال توفير قاعات العرض والاقتناء الفني لأعمال الفنانين والمطبوعات المتخصصة والمعارض، التي تجوب أقاليم مصر ودعم الحركة النقدية والتوسع الإعلامي، فيما يتعلق بالفنون التشكيلية اختفت حاليًا من معظم الصحف والمجلات المصرية، خاصة بعد رحيل كبار النقاد مثل حسين بيكار ومختار العطار وغيرهم الكثيرون. هل ما تم تقديمه من فنون تشكيلية إبان الثورة عبر عنها كما ينبغي؟ لا نستطيع أن نقول إن الإبداعات الحالية في كل مجالات الفن تعبر عن ثورة 25 يناير وثورة 30 يونيو، لأن هاتين الثورتين لم يكتمل مسارهما حتى الآن، وإنما كل ما هناك أن بعض الفنانين يسجلون انطباعاتهم الآنية التي تمثل اللحظات المعاشة بأساليب معتادة ولكن الثورة عند اكتمالها ستقدم فنا وفنانين جددا. ما هي هموم الفنان التشكيلي؟ وكيف يمكن التغلب على هذه الهموم؟ أهم شيء للفنان التشكيلي أن يكون فنه ووجوده متسقين مع مجتمعه بمعني أن يكون المجتمع بحاجة إلى الفن والفنان، أما هذ الانسلاخ بين الفن والمجتمع واقتصار الاهتمام بها على نخبة قليلة فهو هم كبير يعاني منه الفنان فعلا. ما هو موقع مصر في الفن التشكيلي العالمي والعربي؟ مصر دائمًا في موقع الريادة في الفنون الجميلة على مستوى الوطن العربي، فمنذ مطلع القرن العشرين وإنشاء مدرسة الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1908 والكثير من رواد الفن في الدول العربية درسوا في القاهرة، ولكن الحال انعكس في الآونة الأخيرة.